إلى أين وصل المصريون في الذكرى السادسة لثورة يناير؟

الأحد 15-01-2017 PM 07:06

ميدان التحرير في الذكرى الثالثة لـ "30 يونيو" ، 30 يونيو 2016. تصوير : مروة صابر - أصوات مصرية

إعداد حسام ربيع

بعد ثورتين، أصبح ميدان التحرير في مصر خاليا، فهذا الميدان الرمزي، الذي كان مسرحا للحركات الشعبية التي أثارت الإعجاب حول العالم وقادت إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ثم خليفته محمد مرسي، لم يعد يخرج منه سوى صدى أصوات كلاكسات السيارات البعيدة التي تتحرك ببطء جراء الاختناق المروري الذي تعاني منه القاهرة.

وفي تحقيق تحت عنوان "مصر تريد الشفاء من جراحها"، أوضحت صحيفة "لا ديبش" الفرنسية أنه على الرغم من أن مدينة القاهرة العملاقة الجهنمية والرائعة، تضم أكثر من 20 مليون ساكن، 6 ملايين منهم يقيمون بشكل غير قانوني في الضواحي، إلا أنه لم تعد توجد حتى قطة في ميدان التحرير، متسائلة "أين ذهبت الآمال المجنونة للربيع القاهري الذي ولد بشكل غريب في شهر يناير؟ أين ذهب الثوريون تحت حكم الرئيس السيسي؟".

على حافة السقوط في "الإسلامية"

تبين الصحيفة أنه رغم حرمان المصريين من حقوقهم السياسية، وحالة الاختناق الاقتصادي التي يعيشونها في الوقت الحالي، تمثل الديمقراطية العسكرية للمشير عبد الفتاح السيسي الخيار الأقل سوءا للبعض منهم.

تعلق منى، وهي سيدة خمسينية، كانت في ميدان التحرير خلال "الثورة الديمقراطية" في يناير 2011، قائلة "في اليوم الأول كان هناك الشباب والمفكرون، قبل أن يأتي الإخوان المسلمون في اليوم الخامس"، قبل أن تضيف "قمنا بالثورة من أجل التغيير والتعليم والتقدم وليس من أجل مرسي. أنتم في فرنسا وأوروبا لا تدركون ماذا يحدث، أنتم ساذجون، المسار البديل للوضع الحالي كان كارثيا، نحن كنا على بعد خطوتين من (ارتداء) البرقع".

وذهب رئيس تحرير صحيفة الأخبار المملوكة للدولة، ياسر رزق، بعيدا جدا، واصفا منظمة الإخوان المسلمين بأنها "أسوأ من الحزب النازي الذي لا يضع في اعتباره أي ديمقراطية".

يتابع رزق بلكنة فرنسية ركيكة يحاول فيها تبسيط صورة الوضع في مصر، لمحاوريه الفرنسيين من وفد مجلس الشيوخ الذي زار مصر بداية نوفمبر الماضي، قائلا "كأنك تأخذ قطار نيس متجها إلى بوردو، وتلاحظ خلال الرحلة أن القطار يأخذك إلى ستراسبورج!"، موضحا أنه في هذا السياق قرر الشعب إنزال سائقي القطار، ويستمر في دفاعه عن الوضع بالقول إنه في النهاية، "الشعب والجيش المتحكمان هنا"، مضيفا "هكذا، أصبح السيسي بطلا وطنيا".

وعلى الرغم من ذلك، تتمسك منى بشفافيتها بالقول "أقبل كل شيء في الوقت الراهن، لقد كنا نريد الديمقراطية على الطريقة الأوروبية لكن ينبغي أن تتعافى مصر أولا، تصاعد الإسلام السياسي جعلنا نقبل بأشياء لم نكن نقبلها، لاسيما أننا بدلا من المقارنة بفرنسا، أصبحنا بالأحرى نقارن أنفسنا بجيراننا".

وتتابع منى قائلة "السوء يحيطنا من كل اتجاه، حيث العراق وسوريا وليبيا، وبالتالي فإن القول إننا لسنا في وضع سيء كأننا نهرب من الحقيقة".

توضح الصحيفة أن منى، المقيمة في القاهرة، تعاني من صعوبات على المستوى الشخصي، إلا أنها تأمل في غد مختلف "أنا مع السيسي لكن بشرط أن الاقتصاد يعود لمساره".

الجراح الأربعة

توضح الصحيفة أنه في نهاية أكتوبر، اشتعل الإنترنت في مصر بشهادة غضب لسائق توكتوك، قائلة "في التليفزيون مصر تشبه فيينا، وحينما ننزل إلى الشارع نكتشف أنها صومال"، مؤكدة أن هاتين الصورتين المتناقضتين اللتين تلخصان في النهاية الشعور العام بالاختناق الاقتصادي لدى غالبية المواطنين، البالغ عددهم 91 مليونا، خير كاشف عن الوضع في مصر.

تشير الصحيفة إلى أن مصر تدفع ثمنا باهظا على المستوى الاقتصادي، بسبب معادلتها الجيوسياسية "الوحيدة" التي تتبعها، موضحة أن الجميع في الشارع وحتى في القصور يصفون بطريقتهم الخاصة النقص الحاد للغاية في احتياطي العملة الأجنبية.

وتتابع أن الجروح الأربعة التي تعاني منها مصر في الوقت الحالي، تعود إلى الجفاف شبه المتزامن للمصادر الأربعة التقليدية لدخلها، وهي البترول والغاز الطبيعي الذي تراجعت مبيعاته بشكل كبير، وعوائد قناة السويس التي ركدت أو تراجعت، وتحويلات العاملين في الخليج التي انخفضت، وأخيرا، السياحة التي سقطت بقوة، وهو الوضع الواضح ميدانيا".

يد واحدة ضد الإرهاب

تلفت الصحيفة إلى أن أي اقتصاد مرتبط بالسياحة لم يعد مجديا في الوقت الحالي، فالشعوب العربية ترى دائما مصر كبرميل بارود محتمل مهدد بفتيل الاعتداءات وصعود الإسلام السياسي وكذلك بالنظام الرئاسي الصارم.

غير أن هذه الحقيقة تغضب بشدة السلطات المصرية التي تردد دائما رسالة "نحن جميعا موحدون ضد الإرهاب، البلد آمنة، يمكنكم المجي هنا باستثناء شمال سيناء، فنحن بحاجة إليكم!".

وتستطرد أن السلطات المصرية تبذل جهدا كبيرا لتوصيل هذه الرسالة إلى مسامع الأوروبيين، ولاسيما الفرنسيين، الذين يجمعهم رباط قوي بمصر، ولكن هذه الرسالة موجهة أيضا للروس بعد تفجير الطائرة في سيناء، وأردفت "هذه الرسالة التي ترددها السلطات المصرية لاقت ضربة موجعة في 11 ديسمبر الماضي، خلال الاعتداء الجديد على الكنيسة البطرسية في القاهرة، الذي ضرب قلب الجالية القبطية، الأهم في الشرق الأوسط".

تتساءل الصحيفة "هل كان هذا الحادث حالة فردية من أحد المتعصبين؟"، ويجيب أحد المتابعين للوضع في مصر "الوضع الأمني في مصر في طريقه للتحسن، لكن (الخطر صفر) لا يوجد هنا ولا حتى في البلدان الأوروبية".

تبين الصحيفة أن تفجير الكنيسة الذي أعلن داعش مسئوليته عن ارتكابه، أثار من جديد حالة من الذهول والغضب ضد فشل الجهاز الأمني المستبد القائم الذي يلقى انتقادات لتعدياته على حقوق الإنسان.

تضيف "لا ديبش" أن خطاب السلطة القائم على "الحرب ضد الإرهاب"، يبرر بشق الأنفس الانحرافات الاستبدادية "المدنية" للنظام، غير أن مصدرا دبلوماسيا مصريا يرى أن "القلق الأول في الشارع هو القدرة على الشراء والوظائف وأوضاع الحياة"، وأن غالبية الشعب المصري يقلق على مشكلات الحياة اليومية، أكثر من القلق حول حقوق الإنسان.

حقوق الإنسان التي لا مفر منها

مع ذلك، يستكمل المصدر الدبلوماسي ذو الإطلاع الجيد على الوضع في مصر "في هذا السياق (حقوق الإنسان)، فالقائمة تطول لدرجة أننا لا نعرف من أين يمكن أن نبدأ، نحن نأمل في بعض التهدئة التي سيكون لها تأثير جيد على صورة البلاد في الخارج"، قبل أن يستدرك "هناك أشخاص محبوسون لأسباب ليس لها علاقة تماما بأمن مصر".

وتواصل الصحيفة أن "أمن مصر" بمثابة مصطلح واسع يستند عليه جهاز الدولة، الذي يتعدى دائما على حريات الصحافة وعلى الصحفيين، حتى وإن كان البعض يفترض، مثل أحد المسئولين في موقع اليوم السابع- لم يذكر اسمه - أن "أي رأي يتم التعبير عنه ينبغي أن تكون له علاقة بالمصلحة الرسمية للبلاد". لكن المشكلة المتكررة الآن والتي تطرح نفسها أين تتوقف "هذه المصلحة الرسمية؟".

توضح الصحيفة أن آخر التجاذبات بين جهاز الدولة والصحفيين كان في 29 نوفمبر الماضي، حينما أدين نقيب الصحفيين يحيى قلاش، وعضوان آخران بمجلس النقابة، بالسجن عامين، لأنهم حموا صحفيين اثنين كانت السلطات تبحث عنهما، وكذلك بتهمة الدعوة للتظاهر.

واختتمت الصحيفة برأي أحد الدبلوماسيين المحبين لمصر والمبهورين بها، قائلا "بإمكاننا مساعدتها، وينبغي أن نفعل ذلك، ولكن ينبغي أيضا عليهم (قادتها) مساعدتنا على مساعدتهم".

تعليقات الفيسبوك