هل يتحمل المصريون تضخم الأسعار في 2017 كما تحملوه في 1986؟

الخميس 16-02-2017 PM 01:53

الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة رفعت الأسعار

ارتفع معدل زيادة أسعار المستهلكين في يناير الماضي لأعلى مستوى له منذ 30 عاما، وتتوقع له الحكومة المزيد من الارتفاع خلال الشهرين التاليين، فكيف اختلفت الأوضاع الاقتصادية الآن عنها في 1986، وهل يملك المصريون الأدوات التي تمكنهم من تحمل الغلاء كما حدث من قبل؟ 

قدرة المواطنين على تحمل ارتفاع الأسعار كانت أكبر في أواخر الثمانينيات، لأن القاعدة الصناعية كانت أكبر، ونسبة الفقر أقل، ووظائف الناس ثابتة

ترتبط الموجة الحالية من ارتفاع معدلات التضخم، والتي اشتدت وتيرتها منذ نوفمبر الماضي، بعدد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أهمها تعويم سعر صرف العملة ورفع أسعار الطاقة وفرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات، وذلك في إطار برنامج "الإصلاح الاقتصادي" الذي اتفقت عليه مصر مع عدد من الدائنين الدوليين للحصول على مجموعة من القروض.

ويهدف البرنامج لتقليص الإنفاق الحكومي للسيطرة على عجز الموازنة، كما يسعى بمساعدة الدائنين الدوليين، وعلى رأسهم صندوق النقد  الدولي، لاستعادة الثقة في الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية، في مواجهة أزمة نقص في موارد مصر الدولارية.

وواجهت مصر مشكلات مشابهة في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت تعاني من زيادة في عجز الموازنة، وارتفاع كبير في الدين الخارجي، ولم تنجح سياسة الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار في انقاذها، في وقت كان العالم يعاني فيه من انخفاض حاد في أسعار النفط وأزمة ديون عالمية.

ففي 1986 بلغت متأخرات الديون على مصر 2 مليار دولار، وبلغت خدمة الديون الخارجية 5.5 مليار دولار، وكان هذا الرقم يعادل مجموع إيرادات مصر من النقد الأجنبي من كل من الصادرات النفطية وعوائد المرور في قناة السويس وعوائد السياحة. وكانت نسبة خدمة الدين إلى الناتج المحلي المصري هي الأعلى بين الدول النامية.

وفي المقابل كان متوسط معدل نمو الناتج المحلي في النصف الثاني من الثمانينيات 4.4%، ورغم أن هذا المعدل أعلى من المحقق خلال الست سنوات الماضية، فإنه لم يستطع إخراج مصر من أزمتها.

ومثلما بدأت الزيادات الكبيرة في معدلات ارتفاع الأسعار في الشهور الماضية بخطوات تهدف إلى "تحرير الاقتصاد"، لجأت الحكومة في عام 1986 للتخلي عن جزء من دعمها للمواطنين، عبر تحرير العلاقة بين الحكومة والفلاح وإلغاء نظام الدورة الزراعية.

الحيتان من التجار هم المستفيدون من زيادة أسعار المحاصيل، فنصيب المزارع من السعر الذي يصل إلى المستهلك 30% فقط

كانت الحكومة حتى هذا التاريخ ملتزمة بتوفير الأسمدة بأسعار مُخفضة جدا، مقابل تحديد أنواع المحاصيل التي يزرعها الفلاح، وفق دورة زراعية تطبق على مستوى الجمهورية، على أن تشتري جزءا من هذا المحصول بسعر سابق التحديد.

"كان هذا أول موسم يتم فيه فك الارتباط بين الحكومة والمزراعين، ونتج عنه ارتفاع كبير في الأسعار، لأن الحكومة كانت تحدد أسعارا للمحاصيل تقل بكثير عن سعر السوق (الحر)"، كما يقول جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة.

ويوضح صيام أن الفلاحين لم يستفيدوا من هذه الزيادة، لأن "الحيتان من التجار هم من استفادوا، فالفلاح الصغير ليست لديه قدرة على التفاوض والتخزين والتسويق والتصدير، على عكس التجار الكبار، لذا فنصيب المزارع من السعر الذي يصل إلى المستهلك (بعد الزيادة) كان 30% فقط، والباقي يذهب لشبكة التجارة والنقل وغيرهما. وهذه هي نفس النسبة القائمة حتى الآن".

ووفقا لصيام، فإن 80% من المساحة المزروعة في مصر مملوكة لمزارعين صغار، يملكون أقل من 3 فدادين.

وتقول فضيلة لطفي، موظفة حكومية في العقد السادس من العمر، إن نهاية الثمانينيات شهدت زيادة كبيرة في أسعار المنتجات الزراعية، تباينت من موسم لآخر. "كان إذا غلي منتج اقتصدنا في استهلاكه واعتمدنا على منتج آخر، في مرة اشتريت كيلو طماطم بسعر 10 جنيهات. لكن حقيقي مفيش أصعب من الأيام إللي احنا فيها دي"، كما تقول فضيلة.

قدرة أقل على التحمل

رغم أن معدل زيادة الأسعار حاليا وصل تقريبا لنفس مستواه في أواخر الثمانينيات، فإن قدرة الدولة والمواطنين على تحمل ارتفاع الأسعار كانت أكبر لأن أوضاعا أخرى كثيرة كانت مختلفة، كما تقول هبة الليثي، مستشار الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

"القاعدة الصناعية كانت أكبر، ونسبة الفقر في تلك الفترة كانت في حدود 15%، مقارنة بأكثر من 27% حاليا، ووظائف الناس كانت ثابتة"، كما تقول هبة الليثي. ووفقا لبحث العمالة بالعينة لعام 1989 كان معدل البطالة في النصف الثاني من الثمانينات حوالي 10%، وكان حوالي 79% من المشتغلين يعملون بالقطاع الرسمي.

لكن الوضع تغير كثيرا الآن، فوفقا لآخر تعداد اقتصادي والمنشور في عام 2014، سيطر القطاع غير الرسمي على أكثر من 60% من العمالة، بينما بلغ معدل البطالة في 2016 نحو 12.6%.

أما عن قدرة الحكومة على الخروج من هذه الأزمة، فتقول هبة الليثي إنه "بعد حرب الخليج تم إسقاط جزء كبير من الديون المصرية، كما تم بيع عدد كبير من شركات القطاع العام ودُعم الاقتصاد بثمنها. لكن ماذا سنفعل الآن للخروج من الأزمة؟ نحارب ولا نبيع شركات وبنوك القطاع العام إللي عددها قل جدا؟".

وفي عام 1991 بعد مشاركة مصر في حرب الخليج الثانية، شطبت دول الخليج 7 مليارات دولار من الديون المستحقة على البلاد، كما قامت الولايات المتحدة بشطب 6.7 مليار دولار من فوائد الديون المصرية، وخصم نادي باريس مع 17 دولة نحو 50% من الديون بقيمة 10 مليارات دولار في 5 سنوات، وذلك بالتزامن مع تطبيق برنامج "الإصلاح الاقتصادي" المصري، الذي شمل بيع عدد كبير من شركات القطاع العام.

بعد حرب الخليج تم إسقاط جزء كبير من الديون، وبيع عدد كبير من شركات القطاع. لكن ماذا سنفعل الآن للخروج من الأزمة؟ نحارب ولا نبيع شركات وبنوك القطاع العام إللي عددها قل جدا؟

وتشير هبة الليثي إلى أن الوضع حاليا يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد ككل، ودعم القطاعين الصناعي والزراعي بشكل سريع، مع تطوير خدمات الصحة والتعليم على المدى الطويل، "مينفعش نفكر في المستقبل بس، هيكون الجيل الحالي انتهى قبل التنمية ما تتم".

وانتقد سلطان أبو علي، وزير الاقتصاد في عام 1986 الذي شهد عهده الارتفاعات الكبيرة في الأسعار، سياسة الدولة المطبقة حاليا، وقال "التضخم الحالي ناتج عن تخفيض غير مبرر لسعر صرف الجنيه، وضعف الرقابة الحكومية على الأسواق".

ويرى أنه "من المفروض ألا تسمح الحكومة بتدهور العملة بهذا الشكل، مع رقابة على الأسواق".

وأضاف أبو علي "نعم كان هناك تخفيض في سعر صرف الجنيه في فترة الثمانينيات، ولكن كانت بنسب أقل وعلى مدى زمني أطول".

تغيير وزاري مصاحب

مقارنة أخرى يمكن إجراؤها بين ما حدث منذ ثلاثين عاما وما يحدث الآن، فعندما تجاوز معدل التضخم 30% في نوفمبر 1986 تمت إقالة حكومة علي لطفي، بعد إجراء واحد من إجراءات التحرير الاقتصادي، وتعيين حكومة عاطف صدقي التي قامت بإعادة هيكلة الاقتصاد المصري على مدار 10 سنوات تالية، وكانت أطول وزارة في فترة حكم الرئيس مبارك.

أما حكومة شريف إسماعيل فطبقت عددا من إجراءات تحرير الاقتصاد قبل أن ينطلق قطار ارتفاع الأسعار لمستوياته الحالية، وتم تغيير 8 من وزرائها منذ يومين، لتستكمل حزمة من الإجراءات التي يتضمنها برنامج "الإصلاح الاقتصادي" والتي تلقي بمزيد من الأعباء على المواطنين.

ولم تكسر مصر حاجز 30% في معدل زيادة أسعار المستهلكين حتى الآن، ويفصلها عنه 0.4% حسب بيانات الشهر الماضي التي أعلنها جهاز الإحصاء، بينما تخطاه بالفعل خلال يناير مؤشر التضخم الأساسي، الذي لم يكن يصدر في 1986، ومازال وزير المالية عمرو الجارحي يؤكد للمواطنين أن التضخم لم يصل بعد إلى ذروته.

تعليقات الفيسبوك