حجاب.. الشاعر الذي تمرد على الفصحى وتربع على عرش العامية المصرية

الخميس 26-01-2017 PM 05:53

جنازة شاعر العامية سيد حجاب، 26 يناير 2017. تصوير: علي فهيم - أصوات مصرية

"لملم جروحك يا حزين وامشي .. خطوة كمان وتخف اَلامك .. واحلم بعين صاحية ولا تنامشي .. غير لما تشرق شمس أحلامك".. هذه الكلمات للشاعر سيد حجاب، الذي فارق الحياة مع رحيل شمس الذكرى السادسة لثورة الخامس والعشرين من يناير أمس الأربعاء عن 77 عاما.

ولد حجاب 23 سبتمبر 1940 فى بيت صغير يطل على بحيرة المنزلة حيث المدى والأشرعة التى شكلت -حسب نقاد- الجزء الأكبر من تكوينه. ونظم أولى قصائده بالعربية الفصحى وهو ما زال ابن الحادية عشرة من عمره، تحت عنوان "الشهيد نبيل منصور" -الطفل الذي استشهد في هجمة على معسكرات الجيش البريطاني بمنطقة القناة عام 1951-

ويقول فيها "كنا غزاة وأبطالا صناديدا .. صرنا لرجع الصدى في الغرب ترديدا".

ورغم ما تلقاه حجاب من دروس في اللغة والعروض على يد والده الذي استبشر فيه شاعرا "بالسليقة"، ظل ينظر للكتابة بالفصحى كعائق. فيقول في حوارات سابقة منشورة "لم تسعفني الفصحى للكتابة عن أهلي من الصيادين فاضطررت للكتابة بالعامية التي خصصت لها قصائد منفصلة عن قصائد أخرى بالفصحى".

لكن الأمر لم يستمر طويلا حتى انصرف حجاب عن كتاباته بالفصحى نهائيا، وانطلق يحاكي الصيادين، ويكتب عنهم متأثرا بحياتهم، ليحمل أول دواوينه الشعرية اسم "صياد وجنية"، والذي صدر عن دار ابن عروس عام 1966.

واعتقل حجاب بعد صدور الديوان بثلاث سنوات ضمن مجموعة من أصدقائه بتهمة الاشتراك في تنظيم شيوعي، وهي التجربة التي صقلت موهبته الشعرية، ومنحتها عمقا وطنياً وأبعاداً جديدة.  

وتميز حجاب بطابع خاص بين أقرانه من الشعراء: نجم، والأبنودي، وحداد وجاهين (أستاذه الذي تنبأ له بمستقبل عظيم منذ الستينيات) بأن أحدث ثورة هائلة قيل إنها أضافت لشعر العامية طابعا ثوريا حمل قدرا كبيرا من التمرد والمطالبة بالحرية.  

وامتدد شعر حجاب  فيما بعد 1978  ليشمل مسرح العرائس، ومقدمات الأفلام والمسلسلات، ومنها الأيام، وصيام صيام، وقال البحر، وليلة القبض على فاطمة، والشهد والدموع، والمال والبنون، والسيرة الهلالية، وسامحوني مكنش قصدي، والليلة الأخيرة، والبحار مندي، وكناريا وشركاه.

والملاحظ في مقدمات هذه الأعمال وغيرها أنها لم تكن تترات للزينة بل إضافة اتبع فيها حجاب منهج التمهيد للعمل أو التعليق عليه. وكما هو الحال في مقدمة مسلسل ليالي الحلمية الذي قال فيها "من انكسار الروح في دوح الوطن .. يجي احتضار الشوق في سجن البدن .. من اختمار الحلم يجي النهار .. يعود غريب الدار لأهله وسكن" .

ويتجلى الحس الصوتي المتعدد والغريب لحجاب في تتر مسلسل أرابيسك  "الغش طرطش رش على الوش بوية .. مدرتش مين بلياتشو أو مين رزين .. شاب الزمان وشقيت مش شكل أبويا .. شاهت وشوشنا توهنا بين شين وزين .. ولسه ياما هنشوف ونشوف كمان" .

واستمرت رحلة العطاء التى نتج عنها العديد من القصائد الأدبية المسجلة، بجانب العديد من الأغاني التي تغنى بها علي الحجار، وعفاف راضي، وعبد المنعم مدبولي، ومحمد منير، وسميرة سعيد، فضلا عن أغاني فوازير شريهان وغيرها من أعمال نال عليها جائزة كفافيس الدولية 2005 .

يتوقف العمر بسيد حجاب بعد رحلة طويلة خاض خلالها الكثير من المواقف أهمها موقفه من 25 يناير و30 يونيو واللتين رأى فيهما مدا ثوريا، وعمل على تدوين ذلك ضمن ديباجة الدستور المصري، بوصفة أحد أعضاء لجنة الخمسين.

وكتب حجاب سيرته الذاتية في شكل قصيدة تتضمن ثلاثة أبواب عن الخير والحق والجمال تعكس رؤيته في الوجود، وأن لم يستكملها، ليظل شاعر العامية الذى تخطى سن السبعين صفحة من صفحات التاريخ التي ستتوقف أمامها الأجيال القادمة.

تعليقات الفيسبوك