تيران وصنافير.. حكاية جزيرتين ودولتين ورئيس

الإثنين 23-01-2017 PM 01:42

الرئيس عبد الفتاح السيسي - صورة من رويترز

إعداد حسام ربيع

أصبح لغزا لكل المراقبين أن يفهموا كيف وضع الرئيس السيسي نفسه بهذه السرعة، في هذا الموقف الذي أصبح فيه الآن، في قضية تيران وصنافير، لاسيما بعد حكم المحكمة الإدارية العليا في القاهرة بأن الجزيرتين مصريتان وليستا سعوديتين.

وفي تقرير تحت عنوان "حكاية جزيرتين ودولتين ورئيس"، قال موقع "ميدل إيست بريفينج" الأمريكي إن الرئيس السيسي وقع معاهدة ترسيم الحدود في أبريل من العام الماضي مع الملك سلمان، ووفقا لها أعطت مصر الجزيرتين للمملكة. وأضاف أن الحكومة المصرية تقول إن الجزيرتين سعوديتان، لكن الاتفاقية تتعرض منذ توقيعها، لدعاوي قضائية في المحاكم المصرية وتحولت إلى وسيلة لحشد مصريين، من كل مشارب الحياة يرون أن الجزيرتين مصريتان، ليبذلوا كل ما بوسعهم من أجل إلغاء الاتفاقية.

السيسي عالق في منطقة خاسرة

وقال التقرير إن الحكومة المصرية تحاول أن تشرح أن هناك وثائق تثبت أن الجزيرتين سعوديتان وأنهما وضعا تحت السيطرة المصرية وفقا لظروف مؤقتة مرتبطة بالصراع المصري الإسرائيلي خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وأضاف أنه كلما اتخذت الحكومة المصرية خطوات لإثبات تبعية الجزيرتين للسعودية، كلما ظهرت أكثر كأنها تسعى لبيع جزء من أرض مصر وأنها خائنة للوطن.

وذكر أن القصة بأكملها من البداية تم التخطيط لها بشكل سيء، فاتفاقية ترسيم الحدود تم توقيعها بالتزامن مع اتفاقيات أخرى تتضمن ضخ استثمارات سعودية ضخمة في مصر وبدون أي نقاش عام، وبالتالي بدت العقود الاستثمارية في عيون المصريين كأنها بمثابة ثمن بيع جزء من أرض الوطن من أجل المال، وكلما حاول السيسي شرح سبب الاتفاق مع السعودية حول الجزيرتين، ظهر أكثر كأنه خائن لمصر ويبيع أرضها.

ولم يكن هذا انصافا للرئيس المصري. غير أن حكم المحكمة الصادر في 16 يناير الجاري وضع السيسي في موقف أسوأ بكثير مما سبق، فهذه المرة قالت المحكمة وفقا لوثائق فحصتها إنه "استقر في عقيدتها بشكل قاطع ودون شك أن تيران وصنافير مصريتان"، بمعنى آخر كانت المحكمة تقول إن السيسي لم يدافع بالفعل عن الأراضي المصرية، بحسب الموقع.

ونقل التقرير عن معلقين سعوديين قولهم إن الاتفاقية لا تخضع لأي حكم صادر من محاكم محلية في أي من البلدين، وإن الرياض تمتلك كل الوثائق اللازمة لإثبات أن الجزيرتين سعوديتان، ومن الممكن أن تلجأ إلى التحكيم الدولي.

إلا أن هذه القضية أصبحت في الوقت الحالي حساسة لدرجة تمنع أي حكومة مصرية من لمسه، إذ أنها خرجت من مجرد قضية قانونية لتصبح قضية سياسية بامتياز.

كيف استمر السيسي في هذه الإدارة الفاشلة للأزمة؟

وقال التقرير إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف فشل السيسي في رؤية مسار الأحداث الذي بات لا يهدده فحسب، بل أيضا يضع العلاقات المصرية السعودية في مأزق لم يسبق له مثيل؟.

يجيب الموقع أن الرئيس المصري بات يواجه ضغوط من اتجاهين، الأول هو الوضع الاقتصادي السيء لبلاده، والثاني الضغط المكثف الممارس من السعودية الذي لا يأخذ في الاعتبار الوضع الحرج للسيسي ولمصر في المفترق الحالي.

وقالت الحكومة المصرية - بحسب التقرير- إن قرار المحكمة الإدارية بمثابة تحد إجرائي لحكم سابق صادر من محكمة أدنى وليس تحديا لموضوع القضية، وإن  المحكمة الدستورية العليا ستحكم في محتوى وموضوع القضية. لكن مشكلة السيسي الآن تخطت كونها قانونية في الوقت الحالي لتكون سياسية، إذ أنه يظهر في ثوب شخص يحاول أن يخاطر بسلامة الأراضي المصرية.

ويقول التقرير إن موقف السيسي هذا شديد الحساسية في بلد تاريخية مثل مصر، وإنه (السيسي) عالق فلا يستطيع المضي قدما إلى الأمام أو حتى التراجع، فهو في موقف لا يتمنى أحد أن يكون به. وربما يكون أحد الطرق للخروج من الموقف بتجميد القضية في المحكمة الدستورية لعامين حتى تعود الأجواء إلى طبيعتها، لكن الشيء الوحيد الذي يبدو أكثر أهمية في الوقت الراهن هو تجنب إعادة فتح الموضوع تحت أي ذريعة، لبعض الوقت.

حتى في البرلمان، كثير من النواب قاوموا قرار إعطاء الجزيرتين إلى السعودية رغم حقيقة أن فأجهزة الأمن هي من اعتمدت ترشحهم للانتخابات، فقوات الأمن المصرية تفرض شروطا  دقيقة وصارمة جدا في مسألة السماح بالترشح للإنتخابات، بحسب التقرير.

ويضيف التقرير أنه حتى إذا إنحاز السيسي للشعور الشعبي في هذا الملف في الوقت الراهن، فإنه قد فات الآوان على أي حال، إذ أن صورته قد تأثرت بشدة بالفعل، كما أنه لو حاول قلب المعادلة سيواجه غضبا عميقا من السعودية، وبالتالي أصبح في موقف الخاسر لا محالة، وسيكون من المدهش رؤية كيف سيغير وضعه.

يلفت التقرير إلى أن التكتيك الأفضل للسيسي للخروج من الأزمة هو تجميد هذه القضية، والسماح لها بأن تصبح في طي النسيان لبعض الوقت، إلا أن مثل هذه القرارات تعتمد بشكل أساسي على السياق وطريقة إعادة التقديم، والاثنان تأكد عدم جدواهما في هذه الحالة. 

أزمة العريش تزيد الطينة بلة

ما زاد موقف السيسي سوءا هو قتل قوات الشرطة لستة أشخاص في العريش بشمال سيناء، وصفتهم بأنهم إرهابيون، في حين أن أسر بعض هؤلاء الضحايا قالت عن أبنائها إنهم اعتقلوا منذ بضعة أشهر، كما أن أصدقاءهم وجيرانهم يتبنون الرواية الأخيرة، لذا فالسؤال الذي بات ملحا: كيف ظهروا فجأة مقتولين في موقع محاط بالرشاشات، طالما أنهم كانوا في السجن؟

وفي 15 يناير الحالي، ملأت تظاهرة ضخمة شوارع المدينة اعتراضا على قتل الشرطة المزعوم للشبان، كما احتشدت تظاهرة أخرى في اليوم التالي في جنازة أحد هؤلاء الشبان المقتولين في تلك المدينة التي تعاني أصلا من مشكلة إرهاب متزايدة ومستمرة.

وقال التقرير إنه كالعادة كان واحد داخل جهاز الشرطة، غبيا بما فيه الكفاية لئلا يرى عواقب هذا الانتهاك للقوانين الذي لا يصدق، وفي منطقة أمنية حساسة مثل العريش.

وتساءل الموقع إن كان يمكن للسيسي أن يتجاوز أزمة تيران وصنافير التي لم يكن في حاجة إليها؟ ويقول إن الوقت سيجيب عن هذا السؤال، لكن هل يمكن للنظام المصري تجنب خلق مثل هذه المشكلات التي ليس هناك حاجة لها؟ وأضاف أنه حتى من يدعمون السيسي في وسائل الإعلام فقدوا أي إمكانية لتشكيل الرأي العام أو رأي شخص واحد في هذه المسألة، إذ أن رسالتهم ساذجة جدا وسطحية لدرجة انها لا تترك أي أثر.

ويتابع التقرير أنه سيكون خطأ غبيا آخر محاولة إعادة تقديم قصة الجزيرتين على أنها لعبة خداع محسوبة من قبل السيسي من أجل الحصول على دعم السعوديين دون مقابل، إذ أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تنزع مصداقية السيسي على الساحة الإقليمية.

يتساءل الموقع، ماذا يمكن القيام به طالما أن الحكومة عاجزة عن مساعدة نفسها بخلق إعلام فعّال؟ فكلما كانت وسائل الإعلام عرضة لإجراءات ضغط من الأجهزة الأمنية، فقدت بالتدريج أى قيمة سياسية لها.

ليست مستقبل السيسي فحسب وإنما أزمة مصر

وبحسب التقرير، فإن المشكلة الحقيقية هنا ليست مستقبل السيسي بقدر ما هي مستقبل مصر، فإذا اهتزت البلاد في الوقت الحالي، فإن التأثير الإقليمي سيكون أعمق، كما أن السعودية يمكن أن تنتقم بإعادة 2.5 مليون مصري يعملون على أراضيها، وهو ما سيمثل ضغطا ثقيلا على اقتصاد مصر الهش، وربما تثير اضطرابات في البلد بأكملها.

ويواصل، إذا سقطت مصر في الفوضى، سوف تتخطى العواقب ما يمكن تخيله، حيث أن الشرق الأوسط لديه ما يكفي من الرمال المتحركة بما يجعله في غنى عن إضافة مصر إلى قائمة الاضطرابات.

كل هذا يضاف إلى أن حربا أهلية في مصر سوف تكون أكثر عنفا مما نراه في أي مكان آخر في المنطقة، وستكون السعودية الخاسر الأول إذا أخذ الوضع هذا الاتجاه المأسوي، فهناك ما يكفي من الخطط الأجنبية للتسلل إلى القاهرة، وما يكفي من الإسلاميين القادرين على إثارة القلق العالمي لعقود قادمة.

وحتى وإن أثار الشرخ في شعبية السيسي فرحة الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش في شمال سيناء وبعض القوى الإقليمية والعالمية التي تريد رؤية السيسي يسقط، إلا أن الإطاحة به ربما تتسبب في تهديد استقرار مصر وتجعل الاضطراب الذي تعيشه المنطقة أكثر سوءا.

ليس السيسي وحده هو الذي يواجه مأزقا، وإنما كل من يفكر فيه.

تعليقات الفيسبوك