في وثائق القرض.. من المسئول عن أزمة مصر المالية في رأي الحكومة والصندوق

الأربعاء 18-01-2017 PM 08:42

شعار صندوق النقد الدولي- رويترز

"العزيزة السيدة لاجارد (…) التحول السياسي الطويل بعد ثورة 2011، والذي ساءت أحواله بارتفاع المخاوف الأمنية في المنطقة، أثر على الثقة والاستثمار وأدى إلى تحديات شديدة لميزان المدفوعات" كان ذلك من نص الخطاب الذي أرسله كل من وزير المالية عمرو الجارحي ومحافظ البنك المركزي طارق عامر إلى مديرة صندوق النقد الدولي، تمهيدا للحديث عن الأزمة المالية الجارية في البلاد وطلب قرض من المؤسسة الدولية.

برنامج الحكومة يمثل قطيعة مع الماضي في كثير من النواحي الهامة، وينهي العديد من السياسات الاقتصادية الراسخة في البلاد

الخطاب الحكومي الذي كشف عنه الصندوق لأول مرة اليوم الأربعاء، ضمن وثائق اتفاق القرض الذي وافق الصندوق على منحه لمصر، بقيمة 12 مليار دولار، حمل الاضطرابات السياسية والأمنية التي أعقبت ثورة يناير مسؤولية الوضع المالي المتردي، بينما ألقى صندوق النقد باللائمة على تأخر الحكومة في الإصلاح، كما جاء في الوثائق المنشورة اليوم.

في أغسطس الماضي أنهى فريق من صندوق النقد مناقشاته مع مصر حول الوضع الراهن في البلاد، ليرفع الفريق تقريرا للمجلس التنفيذي للصندوق في نوفمبر حمل لهجة نقدية واضحة لأداء الحكومة خلال العامين الماضيين.

ووصف التقرير، الذي نشره الصندوق اليوم، مصر خلال عام 2015-2016 بأنها شهدت تباطؤا في "زخم الإصلاح"، مشيرا إلى قيام الحكومة في ذلك العام بتأجيل أو التراجع عن تطبيق إصلاحات ضريبية.

الإجراءات التي أحبطت الصندوق تتعلق بما أقره الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد توليه منصبه من خفض الحد الأقصى لضريبة الدخل على الأفراد والشركات إلى 22.5 بالمئة من 25 بالمئة، وتجميد العمل بضريبة تبلغ 10 بالمئة على الأرباح الرأسمالية في البورصة لمدة عامين، اعتبارا من 17 مايو الماضي، وتأخير التحول من ضريبة المبيعات إلى القيمة المضافة.

وبدا الصندوق محبطا أيضا من تأخر الحكومة في 2015-2016 في "زيادة أسعار الوقود"، ولكنه أشار أيضا إلى الظروف الاستثنائية التي واجهتها البلاد بسبب الأحداث الإرهابية التي قيدت من قدرتها على جذب السياحة.

بينما يظهر من تقرير فريق خبراء الصندوق الرضا عن البرنامج الاقتصادي الجديد الذي عرضته الحكومة عليه في 2016.

الاعتماد على المواطن لسداد فاتورة الأزمة

"الإجراءات الرئيسية هي ضريبة القيمة المضافة التي تم تمريرها مؤخرا واستئناف إصلاح دعم الوقود" هكذا قال الصندوق في شرحه للبرنامج الإصلاحي الذي اتفق عليه مع الحكومة "لتخفيض العجز (الموازنة) ووضع الدين (العام) على مسار واضح للتراجع وفي الوقت ذاته دعم (عملية) ضبط (الوضع المالي) الخارجي".

كانت الحكومة قد بدأت سلسلة من إجراءات رفع أسعار الوقود منذ عام 2014-2015 متطلعة لتحريرها بالكامل خلال خمس سنوات، وكان آخر تلك القرارات في نوفمبر الماضي، وهو نفس الشهر الذي كانت مصر تضع فيه اللمسات الأخيرة على اتفاقها مع المؤسسة الدولية.

ورفعت الحكومة أسعار الوقود بمتوسط 35% في نوفمبر الماضي، وسبق ذلك زيادة أسعار تعريفة الكهرباء بنحو 40% في يوليو الماضي.

وبحسابات الصندوق، فإن الإصلاحات الحكومية ستوفر للدولة إيرادات بنسبة 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام المالي الجاري، منها 1% سيكون مصدره ضريبة القيمة المضافة.

ويعود الإسهام الكبير للقيمة المضافة في الإيرادات المتوقعة إلى زيادة النسبة العامة للضريبة من 10% (كانت مطبقة في ظل ضريبة المبيعات) إلى 13% في العام المالي الحالي، ثم 14% في العام المالي المقبل بحسب ما ورد في قانون الضريبة الجديدة. 

وتقدر حسابات الصندوق أن تقليص دعم الكهرباء والوقود سيخفض من نفقات الحكومة بما يعادل  1.2% من الناتج الإجمالي.

وتمثل الإجراءات الثلاثة السابقة المعروفة بآثارها التضخمية حوالي 56% من العوائد المستهدفة لتخفيض العجز.

ويشير الصندوق إلى مراعاة البعد الاجتماعي في تطبيق القيمة المضافة بحديثه عن أنها تعفي "معظم الأغذية التي يستهلكها الفقراء"، لكن دراسة سابقة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية توقعت أن تنفق فئة الدخل الأدنى نحو 6.4% من دخلها على الضريبة الجديدة مقابل 3.3% لفئة الدخل الأعلى.

نهاية السياسات القديمة والبدائل ضعيفة

اعتبر الصندوق أن برنامج الحكومة الحالية يمثل "قطيعة مع الماضي في كثير من النواحي الهامة"، مشيرا إلى أنه ينهي العديد من السياسات الاقتصادية الراسخة في البلاد، ومنها ما تقوم به حاليا من تطبيق قانون الخدمة المدنية بهدف "عكس اتجاه الزحف المتصاعد لميزانية الأجور".

كان السيسي قد أصدر قانونا جديدا للسيطرة على ميزانية أجور القطاع الحكومي في 2015، وبعد أن لاقى معارضة من نقابات الموظفين تم إلغاؤه، وأصدر البرلمان قانونا إصلاحيا جديدا حافظ على نفس الفلسفة المالية للقانون القديم والتي جمدت نمو الأجور المتغيرة، التي تمثل الشق الأكبر من إجمالي أجر الموظف.

وشهدت معدلات النمو في ميزانية الأجور الحكومية انخفاضا كبيرا خلال العامين الماليين السابق والحالي إلى نسبة 6.8% و 4.8% على التوالي بعد أن كان متوسط النمو السنوي لها نحو 15% منذ مطلع التسعينات وحتى 2013-2014.

وعوضا عن السياسات الاجتماعية القديمة التي يرى الصندوق أنها تهدر في النفقات العامة، سيضخ البرنامج الاقتصادي الحكومي نفقات اجتماعية تعادل 1% من الناتج الإجمالي.

وتتوزع تلك النفقات بين التعليم والصحة والبحث العلمي ومعاشات الضمان الاجتماعي ودعم الغذاء وآليات شبكة الأمان الاجتماعي.

وكان تكتل نواب المعارضة في البرلمان 25-30 قد انتقد موازنة العام الجاري واصفا إياها بأنها تخالف التزامات الدولة الدستورية في الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمي.

وتأتي السياسات التقشفية المطروحة حاليا على خلفية سنوات من التباطؤ الاقتصادي بدأت مع الأزمة المالية في 2008-2009 ثم الاضطرابات السياسية التي تبعت ثورة يناير، حيث يشير الصندوق إلى أن العجز الكلي ارتفع مما يتراوح بين 7-8% من الناتج الإجمالي قبل الثورة إلى ما يتراوح بين 10-13%.

كما ارتفع الدين العام من 70% من الناتج في 2009-2010 إلى 89% في 2014-2015 لتمثل مدفوعات الفوائد نحو ثلث نفقات الموازنة، كما يقول الصندوق في تحليله للأزمة المصرية.

 

تعليقات الفيسبوك