حكايات من دفتر التمييز ضد الفتيات .. وآمال في مفوضية "تكافؤ الفرص"

الخميس 03-11-2016 PM 01:30

وقفة احتجاجية على سلالم نقابة الصحفيين - تصوير أحمد حامد

تتعدد الصور ويبقى التمييز إرث تتناقله نون النسوة في مصر جيل بعد جيل؛ حيث تصنف ضمن أسوأ 10 دول في مجال المساواة بين الجنسين، ورغم نص الدستور قبل عامين على إنشاء مفوضية لإنهاء التمييز ضد المرأة.

ونصت المادة 53 من الدستور على أن "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".

ويعقد الاتحاد العام لنساء مصر بالتعاون المجلس القومي لحقوق الإنسان ورشة تشاوريه اليوم الخميس بأحد فنادق القاهرة، لمناقشة مقترح إنشاء المفوضية الهادفة لدعم تكافؤ الفرص وحظر التمييز بكافة صوره وسط مشاركة مجموعة من البرلمانيين، وممثلي الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى نخبة من الخبراء والمهتمين بقضايا حقوق الإنسان.

لا يزال إنشاء مفوضية للتمييز مجرد حبر على ورق، لكن تنتعش الآمال بخروج المفوضية إلى النور في وقت قريب على أن تتمتع بالصلاحيات اللازمة كي لا تصبح مجرد "مكتب شكاوى" كما يحذر حقوقيون، مطالبين بأن تكون المفوضية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية وتخضع لرقابة أعضاء مجلس النواب باعتبارهم ممثلين عن عموم المواطنين.

*البنت زي الولد

في حين لا تعول فتيات ممن عانين ولا يزلن من أشكال مختلفة من التمييز، كثيرا على إنشاء المفوضية في إنهاء معاناتهن، لاسيما حين يأتي التمييز من داخل الأسرة أو بطرق غير مباشرة أو غير ملموسة تسمح لهن بتقديم شكوى والحصول على حقوقهن في فرص متكافئة.

وتقول نهى محمود (اسم مستعار)، 31 عاما، إنها تعاني من التمييز داخل أسرتها من قبل والدها الذي يفضل أخيها الذكر في كل شيء سواء في التعليم أو الإنفاق أو المعاملة.

وتضيف نهى محمود لأصوات مصرية "أول مرة حسيت بالتمييز لما والدي دخل أخويا الفاشل في الدراسة معهد خاص بعد ما خلص دبلوم تجارة وكان بيدفعله مصاريفه رغم أنها كانت غالية وأنا لما مجموعي نزل في الثانوية العامة وطلبت منه يدخلني كلية خاصة رفض وكان مبرره وقتها إني بنت ومسيري للجواز ومش مستاهلة أنه يصرف عليا مبلغ وقدره".

وتوضح قائلة :"دي كانت أول صدمة ليا في والدي وأول تأكيد ملموس لأني طول الوقت كنت بحس بالتمييز في المعاملة لكن كنت بقول لنفسي إني مكبرة الموضوع".

وتضيف "بعد كام سنة والدتي تعبت واتوفت وهي كانت أكتر حد بيحبني وبيخاف علي في الدنيا، وأخويا كان متجوز وقتها وفضلت عايشة في البيت مع بابا وفوجئت بعد وفاة ماما بوقت قليل أنه أدي كل فلوسه وكتب كل ممتلكاته باسم أخويا مع إني لسه مش متجوزة ومسيري هحتاج مساعدة منه في الجواز".

وتشير إلى أنها واجهت والدها وقتها بما تشعر به من تمييز وكان رده "إنتي هتحتاجي الفلوس في إيه ما انتي موظفة وبتشتغلي لكن أخوكي فاتح بيت وعنده مصاريف".

وترى نهى أن مفوضية إنهاء التمييز لن تكون مفيدة في حالتها قائلة "في الحالات العامة أعتقد أنها ممكن تفيد البنات اللي بتتعرض لتمييز في الشغل لكن لما بيكون التمييز جوه البيت من الأهل بيبقى صعب حد ينصف البنت وبيبقى المبرر دايما العادات والتقاليد اللي الناس كلها اتربت عليها واللي بتيجي على البنت لصالح الولد وبيكون له الأفضلية دايما".

*التمييز في العمل

وتقول بروكسان أيوب إلى أنها تعرضت إلى تمييز واضطهاد من نوع آخر في عملها.

ففي أغسطس الماضي، رفضت لجنة اختيار القيادات في محافظة البحيرة، برئاسة د.محمد سلطان، محافظ الإقليم، تجديد تعيين بروكسان أيوب، مديرًا عامًا لمركز المعلومات التابع للمحافظة، وكلفتها بالعمل مشرفًا على مركز الحاسب الآلي.

وقالت بروكسان أيوب، 57 عاما، لأصوات مصرية، إنها شعرت بظلم كبير وتمييز ضدها حين صدر قرار نقلها إلى منصب وصفته بأنه أقل بكثير مما كانت تتقلده، وكلفت محامي برفع دعوى قضائية تختصم فيها المحافظ لرفضه التجديد لها في منصب مدير مركز المعلومات دون ذكر أسباب.

وأضافت "مريت بتجربة قاسية بعد ما خدمت محافظتي (البحيرة) 33 سنة واتنقلت بين مناصب مختلفة وعملت طفرة في مركز المعلومات وفي الأخر يتم  نقلي لدرجة أقل بكتير من اللي كنت فيها من غير أي أسباب".

وترى أن السبب في ما حدث لها كونها "قاهرية تعيش في البحيرة منذ زواجها" و"البحاروة مبيحبوش حد يتفوق عليهم"، وتضيف "حاسة بإهانة كبيرة وإحباط ومكاني الحالي مفيهوش أي شغل بروح أمضي وأفضل قاعدة مبعملش حاجة بعد ما كنت شعلة نشاط".

ووفقا للإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام  2014، فالفجوة بين الرجل والمرأة في متوسط الأجور النقدية الأسبوعية في القطاع العام وقطاع الأعمال العام بلغت 25.5% لصالح الرجل.

ونسبة الرجال في المناصب القيادية  ضعف نسبة النساء، حيث تقدر الأولى بـ(63.7%) أما الثانية فتقدر بـ(36,3%).

وتعاني مها أبو بكر، المهندسة المعمارية في شركة خاصة، هي وأخريات في نفس المجال من التمييز في الأجر.

وتوضح أن الهندسة المعمارية من أكثر التخصصات التي يحدث فيها تمييز ضد المرأة، إذ أن أصحاب العمل يفضلون إرسال الرجال إلى مواقع العمل بينما تكلف النساء بالأعمال المكتبية، وهو ما يؤدي إلى زيادة أجورهم عن النساء وكذلك اكتسابهم خبرات أكبر.

*تمييز في المناصب القضائية

ولا تزال بعض المناصب القضائية حكرا على الرجال، رغم نص المادة 11 من الدستور على حق النساء في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها.

وقالت "أمنية جاد الله"، خريجة كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إنها تحاول منذ أكثر من عامين أن تحصل على حقها في التعيين في مجلس الدولة دون جدوى، رغم تخرجها بتقدير عام امتياز، وحصولها على دبلوم في القانون العام.

وأضافت "النص الدستوري هيفضل متعطل لو استمر التعنت غير المبرر تجاه المرأة".

وأشارت إلى قيامها بعمل تظلم بمكتب رئيس مجلس الدولة، هي وأكثر من 20 فتاة، في 18 يناير 2014 وتحريرهن محضرا بقسم الدقي في نفس اليوم. 

ولم تتوقف أمنية جاد الله عند هذا الحد، وأقامت دعوى قضائية بتاريخ 30 مارس 2014، للطعن على قرار مجلس الدولة بالامتناع عن تسليم الخريجات ملف شغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، قائلة "كان مجلس الدولة هو خصمي وحكمي في نفس الوقت".

وفي مايو 2015 صدر تقرير المفوضين برفض الدعوى، وعدم أحقية المرأة في التعيين.

وتقول أمنية جاد الله "رفض تعيين المرأة في المناصب القضائية مخالفة صارخة للدستور، وانتهاك لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص".

لم تكن أمنية جاد الله الفتاة الوحيدة التي رُفض تعيينها في منصب قضائي، حيث أقامت شيماء عادل، حاصلة على ليسانس حقوق جامعة المنوفية، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة عام 2013، طالبت فيها بفتح باب التعيين للمرأة قاضية بمجلس الدولة.

ورغم هذه الدعاوى وغيرها عين مجلس الدولة دفعة 2013، في 18 سبتمبر 2015، واقتصرت على الذكور فقط بموجب القرار الجمهوري رقم 356 لسنة 2015.

*صلاحيات المفوضية

وقالت سلمى النقاش، باحثة في مركز نظرة للدراسات النسوية، لأصوات مصرية، إن ما تقابله الفتيات والنساء في مصر من تمييز صريح يستدعي الإسراع في إنشاء المفوضية للدفاع عن حقوقهن المهدرة.

وأضافت "لازم المفوضية يكون لها صلاحيات واسعة وشبه قضائية عشان متتحولش لمجرد مكتب شكاوي، وتلجأ لها أي سيدة تعرضت للتمييز خاصة في مجال العمل والترقي".

وطالبت بأن تكون المفوضية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية وتخضع لرقابة أعضاء مجلس النواب باعتبارهم ممثلين عن عموم المواطنين.

وقالت "المفوضية هتقدر توثق حالة التمييز وترفع تقريرها لمجلس النواب عشان ياخد إجراء لصالح اللي وقع عليها التمييز".

وأشارت إلى أن مركز نظرة طرح تصورا تشريعيا كاملا لإنشاء المفوضية يحدد ملامحها العامة وصلاحياتها وكيفية عملها قبل عامين، قائلة "عملنا ندوات لمناقشته وقدمناه لممثلين عن المجلس القومي لحقوق الإنسان ووزارة العدل والقانون متعطل لحد دلوقتي في انتظار إقراره من البرلمان".

وترى سلمى النقاش أن التمييز ضد المرأة يعود إلى "المنظومة الأبوية" في المجتمع، والتي تفرض الوصاية على السيدات وتحصرهن في أدوار محدودة في المجال العام قائلة "المنظومة دي بتشوف أن الستات ينفع يشتغلوا بس مش مينفعش يبقوا في مواقع صنع القرار، وأن الست تقدر تنتج لكن متقدرش تدير مصنع أو شركة".

وأشارت النقاش إلى أنه برغم نص الدستور على المساواة وتجريم التمييز إلا أن المشكلة الحالية في التطبيق، قائلة "على سبيل المثال مجلس الدولة لحد دلوقتي رافض تعيين السيدات بشكل تعسفي".

*استحقاق دستوري

وكانت منظمات نسوية في مقدمتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية ونظرة للدراسات النسوية ومؤسسة المرأة الجديدة، أصدرت بيانا مشتركا مايو الماضي يطالب بحق النساء في تولي مختلف المناصب العامة والقضائية.

كما طالبت المنظمات خلال البيان بالإسراع في إقرار مفوضية مناهضة التمييز من قبل مجلس النواب كأحد الاستحقاقات الدستورية، وفتح حوار مع المجلس القومي لحقوق الإنسان من أجل وضع تصور واحد خاص بالمفوضية ومطالبة نائبات مجلس النواب بتبني ذات التصور.

ومن جانبها قالت د.فاطمة خفاجي، خبير النوع الاجتماعي وعضو الاتحاد العام لنساء مصر، لأصوات مصرية، إن الورشة التي يعقدها الاتحاد اليوم بالتعاون مع المجلس القومي لحقوق الإنسان تستهدف وضع تصور متفق عليه للمفوضية وصلاحياتها، والتي ستختص بالتعامل مع مختلف أنواع التمييز التي يتعرض لها أي مواطن بما في ذلك التمييز الذي تتعرض له المرأة على أساس الجنس.

وأضافت أن إنشائها سيكون خطوة هامة في سبيل القضاء على التمييز وتنفيذ الاستحقاق الدستوري الذي نص عليه دستور 2014، لافتة إلى أن هذه المفوضية كيان موجود في مختلف الدول تحت مسميات مختلفة ووجوده في مصر خطوة هامة على طريق المساواة وتحقيق تكافؤ الفرص.

وأعدت د.فاطمة خفاجي ورقة خاصة بمشروع قانون إنشاء المفوضية مقدمة باسم الاتحاد، وأشارت إلى أن الدستور نص على أن تكون المفوضية مستقلة حتى تكون سيدة قرارها، قائلة "أوصينا أنها تتبع للبرلمان أو لرئيس الجمهورية مباشرة عشان تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية ولازم تتمتع بصلاحيات واسعة عشان تنصف أصحاب الشكاوى سواء بإعادة حقوقهم أو تعويضهم ماديا وتصحيح الاجراءات اللي اتخذتها الجهة اللي قامت بالتمييز منعا لتكراره مرة ثانية".

تعليقات الفيسبوك