في بلاد سانتا كلوز.. كل ما تجود به الحياة هدية قيمة

الأربعاء 26-10-2016 PM 02:19

نظرة من شاطيء مدينة فآسا الفنلندية على خليح بوثنيا، بين الساحل الغربي لفنلندا والساحل الشرقي للسويد، أكتوبر 2016 - أصوات مصرية

تصوير مروة صابر

عجوز بلحية ناصعة البياض، يلوح بيده ضاحكا من فوق مزلاجٍ سحري تجره الأيائل الجميلة، وخلفه كيسٌ من الهدايا.. صورة طالما احتفظتُ واحتفظ بها أطفالٌ حول العالم لسانتا كلوز.

تلك الشخصية الخيالية التي يُحكى أنها تسكن مدينة روفانييمي، شمالي فنلندا، وتأتي الأطفال ليلا توزع الهدايا عليهم. انتظرتُها وانتظر كثيرون أملا في الحصول على الهدية، دون جدوى.

لكن حين تصل فنلندا –التي سافرتُ إليها هذا الشهر بدعوة من وزارة خارجيتها- ستعرف المعنى الحقيقي للهدايا؛ فكل ما تجود به الحياة هدية قَيمة، اقبلها وحافظ عليها.

صورة لأيائل محنطة، في أحد فنادق مدينة فآسا، على الساحل الغربي لفنلندا

الهدية الأولى: القمامة

نعم، ما قرأته صحيحا، في فنلندا القمامة إحدى هبات الحياة، ومصدر ثروة متجدد، وعليها يقوم اقتصاد كامل.

ذلك البلد البالغ تعداد سكانه خمسة ملايين ونصف المليون، لا تضيع فيه قصاصة ورق، فالنفايات بكل أنواعها وأشكالها يعاد استخدامها.

 

وتنتشر في البلاد حاويات القمامة المتخصصة، كل حاوية مكتوب عليها تصنيف. مثلا صف السلال المعدنية الظاهر في الصورة السابقة في مدينة تامبيري، كُتب على الحاوية الأولى لاسي (Lasi) وتعني بالفنلندية الزجاج.

ليس الزجاج وحسب، بل تستفيد فنلندا من بقايا الطعام، وأحشاء الحيوانات، ومخلفات الغابة (أوراق الشجر المتساقط، ونشارة الخشب، وخلافه)، حتى النفايات الصلبة وفضلات الإنسان وروث الحيوان. كل هذه المواد تستخدمها في الحصول على طاقة نظيفة ومتجددة وهي الكهرباء فضلا عن الحرارة للتدفئة.

خليج بوثنيا، غرب فنلندا

الهدية الثانية: الهواء

التدفئة من متطلبات الحياة في بلد تفصله كيلومترات قليلة عن القطب الشمالي، وتصل درجة الحرارة في بعض مناطقه إلى 50 تحت الصفر شتاء.

لكنه أيضا بلد السماء الزرقاء، صاحب الهواء الأنظف في أوروبا، تلك الميزة التي أهدتها الغابة لفنلندا.

وبصف المعطيين السابقين، توصل الفنلنديون لتكنولوجيا نظيفة تمكنهم من الحصول على الطاقة دون إغضاب الطبيعة.

 

مدخنة كالتي في الصورة، في العاصمة هلسنكي، ما يخرج منها ليس دخانا بالمعنى التقليدي، "فهو نظيف جدا، وخال من أي ملوث للهواء" هذا ما أخبرني به يوكا فييرما مدير الإنتاج في شركة ليباكوسكن، وهي شركة عاملة في تحويل مخلفات الغابة إلى كهرباء، ولديها من المداخن اثنتان.

والسبب في نظافة هذا الدخان هو أن كل المداخن في البلاد تضع مجموعة من الفلاتر المُطورة تَحول دون خروج ملوثات الهواء، وتقوم الحكومة بدورها الرقابي في هذا الشأن.

 

أشجار الصنوبر على جانب الطريق، مدينة نوكيا

الهدية الثالثة: الأرض

"الغابة مصدر قوتنا، لذا يحرص كل منا على الحفاظ عليها" حدثتني هيلينا كييسكنن مسؤولة العلاقات الدولية في الخارجية الفنلندية، بينما كنا نستقل حافلة وتحيط بنا أشجار الصنوبر.

وتغطي الغابة أكثر من 70 بالمئة من مساحة البلاد، وهي مصدر الأشجار الصنوبرية المشهورة باسم شجرة عيد الميلاد (الكريسماس).

هذه الهدية من الطبيعة جعلت فنلندا في مقدمة البلدان المنتجة للخشب في العالم، وهى التجارة التي لا تزال مصدر رزق للعديد من الفنلنديين منذ استقلال بلادهم عام 1917 عن روسيا.

صف من أشجار الغابة، تمهيدا لاستخدامها في صناعة الأثاث، صورة من نافذة القطار

السؤال التقليدي هل سيأتي يوم وتنتهي تلك الأشجار؟

أجابت هيلينا: في الحقيقة، نزرع أشجارا أكثر من التي نستخدمها.

وعلى ما يبدو تنبه الفنلنديون، منذ سنوات عديدة، لضرورة الحفاظ على الغابة كمصدر متجدد للثروة، فهم حريصون على تعويض ما فقدوه من أشجار من أجل الصناعة.

زائرة تلتقط صورة لأرخبيل (مجموعة جزر) كفاركن، وهو مدرج على لائحة التراث العالمي لليونسكو

الهدية الرابعة: المياه

"اشربي من الحنفية، هذا البلد لديه أنظف مياه في العالم"، هكذا منعتني بلهجتها التونسية مايسة فتيتي من شراء زجاجة مياه من أحد متاجر هلسنكي.

كَون فنلندا الأولى عالميا من حيث جودة المياه، أمر تؤكده الأمم المتحدة في تقريرها عن تنمية الموارد المائية في العالم، وهو التقرير الذي جاءت فيه مصر بالمرتبة 63 بين 122 دولة.

يملك البلد الأوروبي (مساحته: 338 كيلومتر مربع) قرابة 200 ألف بحيرة، وعددا كبيرا من الأنهار فضلا عن برك المياه، وبخارها، بحيث ترى البلاد من الطائرة كما في الصورة التالية.

العاصمة الفنلندية هلسنكي من نافذة الطائرة

يعترف الفنلنديون بأن الطبيعة منحتهم مياها نظيفة، لكن المياه النظيفة لا تبقى نظيفة من تلقاء نفسها.

في أحد الكتيبات التي زودتني بها الخارجية الفنلندية، وجدت تلك الجملة "الفنلنديون لم يقبلوا أي مساس بالطبيعة أو أن تستخدم أنهارهم بلاعات للصرف الصحي".

صورة لأحد المراحيض، رُسم علي جانبي زره قطرتي مياه، إحداهما صغرى للدفع بكمية قليلة من المياه، والأخرى لكمية أكبر، في محاولة لنشر ثقافة ترشيد الاستهلاك، فنلندا

الهدية الخامسة: الغذاء

إذا كان الهواء نظيفا، والماء كذلك، فهل يكون الطعام أيضا نظيفا؟، الإجابة في فنلندا: نعم.

تقول وزارة الزراعة الفنلندية إن نظافة الغذاء في بلدها إستثنائية، والسر "حقول وحظائر صحية".

حبات التوت البري في سوق مدينة تامبيري

والتربة الصحية لا تأتي على حد قول الفنلنديين من استخدام مفرط للكيماويات، وإنما من "الرقابة والتفتيش على طول سلسة الإنتاج الغذائي في كل أنحاء الدولة".

ومنذ انضمت فنلندا للاتحاد الأوروبي عام 1995، احتفظت بحقها في فحص اللحوم والدواجن وحتى البيض الذي يأتيها من أي من دول الاتحاد.

تقول لينا راسانن، المسؤولة في إفيرا وهي سلطة فنلندية مهمتها التأكد من سلامة الغذاء إنه "فيما عدا السويد، مواصفاتهم لسلامة الغذاء، هي الأكثر صرامة بين دول الاتحاد الأوروبي".

تعليقات الفيسبوك