مع اقتراب موعد "الدواء المر".. الحكومة تغازل المواطن بإجراءات وردية

الأربعاء 19-10-2016 PM 05:34

فقراء مصر - صورة من رويترز

"الإصلاح الاقتصادي سيفرض علينا تبعات ونعمل على أن نتأكد أن عبء الإصلاح سيتحمله القادر وليس غير القادر".. "مع الاجراءات الصعبة لابد أن نراعي المواطن الأقل دخلا والذي يستحق فعلا الدعم".. "لو وجدنا أن المزارع أو المواطن البسيط في حاجة للدعم هندعمه"، بهذه الجمل حاولت الحكومة بعث رسائل طمأنة للمواطنين اليوم الأربعاء.

ودعمت الحكومة تلك الرسائل بالإعلان عن عدد من الاجراءات الوردية التي تمهد الطريق لأخرى قاسية وشيكة في اطار خطوات اصلاح الاقتصاد بعد سنوات من التراجع بسبب الأوضاع السياسية منذ ثورة يناير 2011 .

وبعد زيادة أسعار الكهرباء في أغسطس، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة في الشهر التالي، تستعد الحكومة حاليا لجرعة جديدة من الدواء المر بزيادة جديدة في أسعار الطاقة وخفض الجنيه، وذلك في سبيل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار.

وقالت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي إن مصر بحاجة لاستكمال تحركات بشأن الدعم وسعر الصرف قبل ان يمكن لمجلس الصندوق اقرار اتفاق القرض.

وقال مسعود أحمد مدير ادارة الشرق الأوسط في الصندوق إنه لا يوجد حتى الآن موعد محدد لانعقاد مجلس المدراء التنفيذين لصندوق النقد الذي سيقر القرض لمصر، لكنه قد يكون في نهاية الشهر الجاري أو خلال شهر نوفمبر المقبل.

ويواجه الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومة شريف اسماعيل ضغوطاً لكبح الزيادة الكبيرة في الأسعار التي تثقل كاهل المواطنين حاليا والتي يخشى تفاقمها بعد استكمال تطبيق ما تطلق عليه الحكومة "إجراءات صعبة" خلال الأيام القليلة المقبلة.

ويبدو أن الحكومة تحاول دغدغة مشاعر الفقراء وتحاشي إثارة غضبهم، قبل تطبيق الإجراءات المرتقبة، وبعد أن وصل سعر كيلو السكر إلى 11 جنيها وكيلو العدس إلى 20 جنيها.

فقد أصدر مجلس الوزراء قرارا بتشكيل لجنة برئاسة شريف اسماعيل، رئيس الوزراء، لتحديد هامش الربح من المنتجات والسلع الأساسية سواء المحلية أو المستوردة.

كما أعلن وزير التموين، محمد علي مصيلحي، في مؤتمر اليوم الأربعاء، أن الحكومة تدرس زيادة دعم البطاقات التموينية، وأن المركزي وفر 1.8 مليار دولار لتكوين احتياطي استراتيجي من السلع الأساسية لمدة 6 أشهر.

وذكرت وزارة التعاون الدولي، في بيان أمس، أن "الوزيرة سحر نصر عرضت على رئيس الجمهورية الاتصالات التي تجريها مع مؤسسات التمويل الدولية لتوفير التمويل اللازم للتوسع في شبكات الحماية الاجتماعية ومساندة الأسر الأكثر احتياجاً من خلال برامج الضمان الاجتماعي مثل تكافل وكرامة".

وأعلنت التموين أيضا، منذ يومين، عن تخصيص 70 سيارة متنقلة لتوزيع 50 ألف طن من السكر المعبأ تحت إشراف مفتشي التموين "لضمان وصول السلع للمواطنين بسهولة ويسر".

وسبق تلك الإعلانات تعهد من السيسي، في نهاية سبتمبر، بالسيطرة على أزمة ارتفاع الأسعار قريبا قائلا "خلال شهر أو شهرين حجم السلع هيكون معتبر والأسعار هيتم السيطرة عليها تاني بغض النظر عن سعر الدولار.. وده التزام من الحكومة تجاه الشعب".

لكن محمد جاد، مدير وحدة البحوث والبيانات في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعيةـ يرى أن "الإجراءات المعلنة أقرب إلى أنها تكون دعائية من أن تكون حمائية".

وقال إن هذه الإجراءات تهدف إلى "احتواء حالة السخط بين الناس نتيجة السياسات المتعاقبة التي ساهمت في رفع التضخم.. على سبيل المثال فكرة التسعيرة الاسترشادية تم استدعاؤها من قبل وزير التموين بعد أحداث 30 يونيو بهدف احتواء الحالة الاحتجاجية الموجودة آنذاك ولكن عمليا ثبت قصور قدرة الدولة على السيطرة على الأسعار لأنها ليس لديها قنوات لتوزيع السلع بما يمثل منافسة قوية للقطاع الخاص."

ورهنت ريهام الدسوقي، كبيرة المحللين الاقتصاديين في بنك الاستثمار الإماراتي أرقام كابيتال، نجاح "الإجراءات الحمائية التي أعلنتها الحكومة بسرعة تطبيقها واتساع دائرة من تشملهم".

واعتبرت أنه من الأفضل "اتخاذ إجراءات أخرى تستهدف الشريحة المتوسطة، والتي من المنتظر أن تتعرض لضغوط عنيفة خلال الفترة المقبلة، لأنه من غير المتوقع أن تشملها الإجراءات المعلنة بالشكل الكافى".

وأضافت أن أهمية الحفاظ على القوى الشرائية للطبقة المتوسطة تنبع من كون إنفاق الشريحة الأعلى دخلا هو الدافع الأساسي لنمو الاستهلاك الخاص الذي يقود النمو الاقتصادي. 

وتوقعت أن يتراجع معدل نمو الاستهلاك الخاص من 6% في العام المالي الماضي إلى 3% بنهاية العام المالي الحالي.

وبالرغم من الضغوط التي يعاني منها المواطنون حالياً، إلا أن شيرين الشواربي، أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تقول "اللي احنا فيه ده مايعتبرش أزمة.. احنا لسه ماشوفناش أزمة".

واعتبرت أن المواطنين خاصة المنتمين للطبقة الوسطى "سيشعرون بأزمة عندما يضطرون إلى الاستغناء عن بعض السلع أو التحول إلى أخرى أقل تكلفة ويشعرون بالضيق من ذلك".

وتقول أستاذة الاقتصاد إن زيادة دعم البطاقات التموينية لن يشعر بتأثيره المواطنون "لما الحكومة زودت الدعم اللي على البطاقة من 15 جنيه إلى 18 جنيه ماحدش حس بحاجة".

وتساءلت عن كيفية إحكام الرقابة على هوامش الأرباح، قائلة "تطبيق قرار تشكيل لجنة لتحديد هوامش أرباح السلع الأساسية يحتاج إلى ألية رقابة عالية جدا.. ازاي مثلا ها يوصلوا للباعة الجائلين وبائعي الخضروات والفاكهة؟".

ويرى جاد أن الإجراءات المطلوبة من الدولة في الوقت الحالي تتعلق بشبكة الأمان الاجتماعي مثل صرف بدل بطالة للمتعرضين للتسريح عن العمل بسبب الازمة الاقتصادية الحالية مثلا.

لكن شيرين الشواربي اعتبرت أن الحل الجذري للضغوط التي يواجهها المواطنون هو إيجاد وظائف لهم من خلال إعادة تشغيل المصانع المغلقة، وهي العملية التي قد تستغرق 6 أشهر، تبعا لأستاذة الاقتصاد.

وتشير بعض التجارب الدولية إلى تبني برامج اجتماعية موازية لبرامج إعادة هيكلة دعم الطاقة لتعويض المتضررين من ارتفاع الأسعار، مثل إيران التي أعلنت في 2010 عن "خطة لإصلاح الدعم" مدتها 5 سنوات ضمن خطة أوسع للإصلاح الاقتصادي أطلقت عليها الحكومة الإيرانية "أكبر خطة اقتصادية في 50 عاما".

وعندما قررت الحكومة الإيرانية رفع أسعار الوقود، قامت بفتح حسابات بنكية للمواطنين أودعت بها مبالغ مالية تكون متاحة لهؤلاء المواطنين بمجرد تطبيق زيادة الأسعار لمساندتهم في البداية على تحمل أثر الزيادة. 

تعليقات الفيسبوك