ليبراسيون: مصر تستخدم "السخرة" في تجميع سفن حربية فرنسية بالإسكندرية

الإثنين 26-09-2016 PM 05:05

حاملة الطائرات "أنور السادات" التي تسلمتها مصر فعليا من فرنسا، 16 سبتمبر 2016. رويترز

إعداد حسام ربيع

ذكرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية أن العمل توقف في تجميع سفن حربية فرنسية في ميناء الإسكندرية تعاقدت مصر على شرائها بسبب شكاوى عمالية ورغبة الجيش في إسكات الانتقادات لظروف العمل في شركة "الترسانة" المسؤولة عن بناء السفن مما جعل 26 عاملا يواجهون محاكمة عسكرية.

لكن مصدرا عسكريا مسؤولا نفى في تصريحات لأصوات مصرية توقف العمل في المصنع.

ووقعت مصر وفرنسا صفقة السفن عام 2014، وتنص على قيام شركة DCNS للصناعة البحرية الفرنسية بتقديم 4 طرادات من طراز "جويند" للبحرية المصرية بقيمة مليار دولار تقريبا، وجلبت تلك الصفقة إشادة كبيرة في ذلك الوقت لوزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان الذي اجتمع أمس الأحد مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة.

لكن بعد مرور عامين على توقيع العقد، لم تسلم الشركة الفرنسية الطرادات، وشهد ميناء الإسكندرية، في مايو الماضي صراعا اجتماعيا، قمعته السلطات بشدة.

وقالت الصحيفة، في تقريرها أمس الأحد، إن الشركة التي تم التعاقد معها في الإسكندرية لبناء ثلاث من أربع سفن مطلوبة، ليست شركة مثل غيرها، فشركة "الترسانة" المكلفة بتجميع أجزاء الطرادات المقدمة من شركة DCNS الفرنسية، تقع تحت إشراف جهاز الصناعات والخدمات البحرية للقوات المسلحة.

وأوضحت الصحيفة أن الشركة توظف حوالي 2000 مدني، لكن رئيس مجلس إدارتها رجل عسكري، وهو اللواء عبد الحميد عصمت. والنقابات ممنوعة، وقانون العمل لا يعني شيئا بالنسبة للجيش.

وأضافت أنه في وقت سابق هذا العام، بدأ التذمر بين عمال الشركة، فهم يشكون من الحالة المزرية للآلات والأدوات التي يستعملونها، ويطالبون بتأمين صحي لعائلاتهم، والحق في تلقي العلاج في المستشفيات العسكرية المصرية، بالإضافة إلى تعويضات مادية عن الأعمال الخطرة، إذ قتل شخصان خلال العمل في الشركة العام الجاري.

وذكرت الصحيفة أن زيادة الرواتب تأتي على رأس مطالبهم، لاسيما وأنه تم تخفيضها حتى وصلت إلى حوالي 800 جنيه. وقال موظف إن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت حين طالبوا بمكافآت بمناسبة الأعياد وبداية الدراسة، فمنحت شركة الترسانة لكل عامل 70 جنيها فقط.

وأضافت أن العمال استغلوا زيارة اللواء عصمت للشركة في 22 مايو الماضي، ليقدموا مطالبهم. لكن العمال قالوا إنه لم يقدم لهم حلا. وفي اليوم التالي، كرر العمال مطالبهم لكن بشكل علني هذه المرة، رغم وجود رجال الشرطة العسكرية والمخابرات في الشركة. وحاولت الإدارة ترهيبهم، بالتهديد بغلق المصنع.

وقالت ليبراسيون إنه بعد يومين، منع الأمن العمال من دخول الشركة. وذكرت أنه منذ ذلك اليوم، لم تطأ أقدام غالبية العمال أرض الشركة، باستثناء مائة عامل تقريبا تلقوا تدريبات في فرنسا، بالإضافة إلى بعض العاملين الآخرين الذين اختارتهم الأجهزة الأمنية بعناية للعودة للعمل من أوائل يوليو الماضي، أما باقي العمال فهم معطّلون عن العمل، بحسب ما نسبته الصحيفة إلى مصادر في الإسكندرية.

لكن المصدر العسكري المسؤول نفى توقف العمل في المصنع "لأسباب أهمها التزام القوات المسلحة باتفاقياتها". وأضاف ان العمل يجري في اطار اشراف ثنائي مصري فرنسي.

* وراء القضبان

وقالت ليبراسيون إن الوضع أخطر كثيرا فيما يخص 26 من هؤلاء العمال. فالشركة تابعة للجيش، والقانون المصري ينص على أن العاملين في شركات الجيش يخضعون للقضاء العسكري. ولذا فهم معرضون للمحاكمة العسكرية.

وذكرت الصحيفة أنهم يواجهون السجن ستة أشهر أو أكثر، إذا أدينوا بسوء السلوك الجسيم، بالإضافة إلى الفصل من العمل. وحبس 14 عاملا منهم احتياطيا منذ لبوا طلبات استدعاء يوم 25 مايو، للمثول أمام محكمة عسكرية. لكن الباقين تشككوا في الأمر ولاذوا بالفرار.

وقال المصدر العسكري المسؤول إنه كان هناك عدد من الاحتجاجات في مايو الماضي وتم التعامل معها وفقا للقانون العسكري. ولم يعط مزيدا من التفاصيل.

 ونقلت الصحيفة عن محمد العواد، أحد المحامين الموكلين عنهم، قوله إن اختيار الـمتهمين كان عشوائيا فيما يبدو. وأضاف أنهم "ينتمون لمختلف القطاعات، فمنهم مهندسون وعمال وموظفون إداريون، ومع ذلك، لم نسمع عن أن إداريين مثلا شاركوا في احتجاج العمال".

وذكر التقرير أن السلطات توجه اللوم للعمال الستة وعشرين على أساس أنهم قاموا بإضراب وحثوا باقي العمال على وقف العمل، وهو ما ينفيه العمال المتهمون بشكل قاطع.

وأشارت الصحيفة إلى أنه تم تحديد مواعيد للعديد من جلسات الاستماع في القضية، لكن كانت تؤجل بشكل منتظم. ولم يصدر حكم بعد.

وقال أحد العمال المسرحين إن "الوضع أخذ أبعادا مبالغا فيها، لأن الإدارة أرادت أن تخفي أي إشارة لوجود احتجاجات، لم يكن هناك أي إضراب بالمعنى الحرفي.. أمن الشركة هو الذي منعنا من الدخول".

* معاناة أهالي المتهمين

وتلوح وراء هذه المشكلة أزمة أخرى، فالثلاثينية دعاء علي، زوجة سامر إبراهيم، أحد العمال المتهمين، تواجه هي الأخرى شبح السجن. فبدون راتب زوجها، لم يمكنها تسديد أقساط شهرية مستحقة عليهما. وقالت الصحيفة إن السجن بسبب الديون أمر شائع في مصر، ومن المنتظر مثول دعاء أمام قاض أوائل أكتوبر.

ونقلت الصحيفة عن دعاء قولها إنها ليست الوحيدة التي تعيش هذا الوضع. وأضافت "لا أفهم حقيقة ما يحدث، زوجي معتقل منذ 4 شهور مع مجرمين، لكن ماذا فعل؟ ولماذا قام الأمن بإغلاق المصنع؟".

وذكرت أن القمع يمارس عليهم بشكل أعمى، وأشارت إلى أن أحد المهندسين المتهمين، ويدعى فاروق، صنع ماكينة لتعويض النقص في الأدوات الصناعية "لذا فمحاكمتهم بسببب الخيانة هراء. إنهم يحبون عملهم".

وبحسب أحد المحامين في القضية، فإن بعض الأسر تجرأت أمام مبنى المحكمة العسكرية، على إعلان معارضتها لهذه المحاكمة، بل وللرئيس السيسي، رغم أن غالبية عمال الترسانة كانوا مؤيدين للجيش وللنظام الحالي.

وفي هذه الأجواء يزداد التأخير في تسليم الطرادات للبحرية المصرية يوما بعد آخر، وهو ما يمكن أن يعرض الشركة الفرنسية، DCNS، لعقوبات مالية.

وبحسب ليبراسيون فإن الشركة الفرنسية تلزم الصمت فيما يتعلق بوضع العمال المصريين، لكنها تحاول بدون جدوى تقديم المزيد من القيادة والخبرة الفرنسية التي يفتقدها الجيش المصري. ويعمل مشرفون ومدربون من الشركة الفرنسية في الإسكندرية، لكن العدد غير كاف.

وذكرت الصحيفة أن الشركة الفرنسية أرسلت إلى الجانب المصري هذا الصيف مذكرة سرية تنتقد إدارة الترسانة مما يزيد الضغط على اللواء عصمت.

* الاستعانة بالمجندين

وقالت الصحيفة إنه في يونيو الماضي، حاولت القوات المسلحة توظيف مجندين لإعادة تشغيل الشركة، لكن المجندين الشبان غير المؤهلين بشكل كاف لم يمكنهم ملء مكان العمال.

وأضافت أن نقص العاملين والتوتر الاجتماعي ما زال يعرقل بناء الطرادات، وأصبحت شركة الترسانة التي كانت تطمح لأن تصبح شرارة انطلاق الصناعة البحرية المصرية (بنقل الكفاءة والتكنولوجيا الذي نص عليها التعاقد على الطرادات الأربعة)، في ركود متزايد.

لكن المصدر العسكري المسؤول قال إن معدلات التنفيذ تسير بانضباط شديد ولم يحدث أي خلل في التوقيتات.

وقالت ليبراسيون إن مصير العمال المتهمين الستة والعشرين يكشف أنه وراء الكواليس والاحتفالات الفخمة لتوقيع عقود الأسلحة، هناك واقع اجتماعي مخز للشركات.

تعليقات الفيسبوك