قصة عائلة مصرية أحرزت البرونزية في أولمبياد ريو

الأربعاء 24-08-2016 PM 09:50

ميدالية محمد إيهاب تحملها والدته- تصوير: مروة صابر- أصوات مصرية

 "تعبَ كثيرا، وعانينا معه، فهي لعبة فردية وتحتاج إمكانيات كبيرة، ونحن في النهاية موظفون".

"والدي توفي في 2007.. دائما ما كان يقول: يوما ما ستمثلني وترفع رأسي".

"توفي أخوه، الدكتور حسين وكان يدخر قدرا من المال، صرفناه على محمد".

"لم يكن أمامي سوى أن أكمل الطريق لآخره وأحقق حلم والدي وأسرتي".

ما بين المزدوجات مقتطفات من قصة كفاح أسرة مصرية مُعافرة -كما يسردها أفرادها- لأجل حلم الوصول للأولمبياد وإحراز ميدالية، إنها أسرة اللاعب محمد إيهاب، الحاصل على البرونزية في رفع الأثقال، بأولمبياد ريو دي جانيرو في البرازيل، هذا الشهر.

أسرة رياضية قوامها أب وأم وخمسة أبناء، غيب الموت اثنين منهم (الأب والابن الثالث) ولم تمنعها المحن والوضع الاقتصادي المتواضع من الحلم، بأن تضاف لسجل ميدالياتها واحدة أولمبية.

محمد إيهاب في منزله بالفيوم، تصوير: مروة صابر- أصوات مصرية

هنا وُلد ويعيش محمد الحاصل على برونزية رفع الأثقال في أولمبياد ريو 2016

عصا المقشة

في غرفة المعيشة داخل إحدى العمارات القديمة في محافظة الفيوم كان محمد يتدرب منذ السابعة من عمره على يد والده بعصا المقشة. إيهاب يوسف لاعب رفع أثقال "كان يعرف تكنيك (فنيات) اللعبة جيدا"، وكما المدرس كان يعطي نجله دروسا خصوصية كلما سنحت ظروف عمله حيث كان موظفا في كلية الزراعة بجامعة الفيوم.

ورَّث إيهاب حب اللعبة وحلم الوصول للأولمبياد لنجله محمد، الرابع بين أبنائه، إذ "كان يرى الميدالية الأولمبية انجازا لا يمكن تزويره أو تهميشه".

سافر محمد إلى سوريا عام 2007، في أول بطولة له خارج حدود الوطن، وعاد وفي انتظاره خبر وفاة الوطن الصغير (الأب)، وتحول الوصول للأولمبياد من حلم إلى وصية واجبة التنفيذ.

يضع محمد ميدالياته ودروع التكريم بجانب سريره، تصوير: مروة صابر- أصوات مصرية

توأم روح

وجوب وصية الأب لم يقف عند محمد وحده بل باقي أفراد الأسرة أيضا وأولهم الابن الثالث الذي كان "توأم روح" محمد.

الدكتور حسين إيهاب، كان طبيبا صيدلانيا، ولعب رفع الأثقال أيضا، ومنذ رحيل الأب تولى مرافقة محمد في تدريباته ومباراياته، حتى أنه كان يشرف بنفسه على المكملات الغذائية التي يأخذها شقيقه ويوظف عِلمه في التأكد من خلوها من أي منشطات.

من جديد زار الموت العائلة الحالمة، ليأخذ هذه المرة حسين، الذي توفي في حادث سير منذ عامين. حسين الذي كان "السند" في محنة استمرت عامين، أُوقف خلالهما محمد عن اللعب بعد إخفاقه في اختبار للمنشطات.

وكما كانت الاضطرابات تسود البلاد، كانت مواظبة محمد على السفر للقاهرة، والتواصل مع المنتخب مضطربة، "كانت الثورة وكان المنتخب منقسما، وتغيبت عنه لفترة، وفي اختبار للمنشطات ظهر ارتفاع طفيف في هرمون التستوستيرون، وهو ما حال دون وصولي أولمبياد لندن 2012".

صورة الأب، كابتن هشام يوسف معلقة في غرفة المعيشة

خارج الخدمة

عامان من الإيقاف يصاحبهما خروج من المنتخب وتوقف لكل الامتيازات وإن "كانت متواضعة"، كل هذا كان كافيا لكسر عزيمة اللاعب، لكن صورة والده التي علقتها الأم في غرفة المعيشة كانت تخبره "لا تنسى حلم أبوك".

واصل محمد تدريباته والصعود بمستواه الرياضي خارج أسوار المنتخب، وعلى نفقة الأسرة البسيطة، وبمساعدة الأخ الذي برحيله زادت الصدمات واحدة "الصدمات كتير في حياتي، لكني عارف إن كل محنة من ربنا وراها منحة"، هكذا فهم محمد الدرس وتابع الطريق، كما قال، لآخره.

2014 كان عاما فاصلا في حياة محمد، فيه توفي شقيقه المقرب، وانتهت مدة إيقافه عن اللعب، ولاحت له في الأفق إمكانية السفر إلى قطر.

مر اللاعب بأربعة تحاليل للمنشطات حتى يعود للمنتخب من جديد، واجتازهم بنجاح إلا أن "الروتين" أخر عودته في توقيت حرج قبل بطول العالم للكبار في العام نفسه.

هنا اقترح "رياضي معرفة" سافر إلى قطر وحصل على الجنسية هناك، على محمد أن يتبع خطاه "قدمتُ ورقي لقطر، كنت عاوز أثبت وجودي في أي مكان، غصبا عني مش بأيدي".

الميداليات التي أحرزها محمد قبل وصوله الأولمبياد، تصوير: مروة صابر-أصوات مصرية

تأخرت إجراءات السفر لقطر ورد المنتخب مطالبا محمد بالعودة. وسافر إلى كزاخستان للمشاركة في البطولة، وأحرز ثلاث ميداليات: فضيتان وبرونزية. انتظر مكافأة وزارة الشباب والرياضة عن ميدالياته، فكانت منقوصة "مكافأة الفضية 150 ألف جنيه اعطوني منها 135 ألفا بعد خصم الضرائب، واعطوني 25% من حق الميداليتين الأخريين بعد أخذ الضريبة عنهما، فاصبح المجموع 185 ألف جنيه من أصل 400 ألف".

ويعيش محمد، على حد قوله، حتى يومنا هذا من ذلك المبلغ، الذي لم تضف إليه مكافآت عدة مستحقة ومؤجلة، على ميداليات أحرزها منذ ذلك التاريخ، بما فيها مكافأة برونزية الأولمبياد.

كابتن وليد شقيق محمد، وبجانبه محمد ووالدتهما

مفيش أمان

وفي يناير 2016، وقف محمد، برفقة شباب آخرين بجانب الرئيس السيسي، معلنين أن هذا العام هو عام الشباب، "كنت أحدث نفسي: هل يمكن أن أشكي الوضع للرئيس؟.. ووصلت لقرار أنه لابد أن أحقق انجازا كبيرا حتى أتمكن من إبلاغه".

"أي لاعب مصري يخشى المجازفة، لأنه لن يأخذ حقه كاملا كمكافأة، وإن أصيب لا يوجد تأمين عليه"

"إذا أصبت في المباراة، ومحتاج عملية، المنتخب يعملك العملية، وأنت تأهل نفسك عشان ترجع لمستواك، قدرت ترجع تمام، مرجعتش خلاص يشوفوا غيرك.. مفيش احتضان ولا أمان"

"اللعيبة بتدور على وظيفة قبل البطولة، لأنه لا في مكافأة اعتزال ولا في معاش"

ثلاث جمل هم إجابة محمد عن سؤالي عما كان يريد أن يبلغ السيسي عنه، هو الذي يرى أن الوضع القائم لا يُحتمل، وأن ما وصل إليه وقفت وراءه "أسرة رياضية فاهمة"

هويدا مجدي والدة محمد إيهاب- تصوير: مروة صابر- أصوات مصرية

قلبي اتخلع

وعلى رأس تلك الأسرة، تلك الجندية التي كتمت حزنها على فراق الزوج الحبيب وأخفت آلام فراق الضنا، وواصلت دعمها لولدها في حربه للوصول إلى الميدالية الأولمبية، إنها السيدة هويدا مجدي.

 وبينما هو في معسكرات ما قبل الأولمبياد مرضت هويدا وأجرت عملية الغضروف، لكنها أمرت بإخفاء الأمر، "حتى لا يؤثر ذلك النبأ على أداء محمد" في أول ألعاب أولمبية يشارك فيها فرد من العائلة.

محمد على منصة التتويج حاملا صورة والده- صورة لرويترز

"قلبي اتخلع" هكذا وصفت شعورها وهي تشاهد نجلها على التلفزيون في كل مباراة له بالأولمبياد، وتابعت كما تابع المصريون والعالم محمد على منصة التتويج يبكي رافعا صورة والده الذي حقق وصيته بعد عشر سنوات من المحاولة. "بكيت مع بكائه وقلت: شكرا يا رب، تعبنا وكافأتنا"، تقول والدة "البطل محمد إيهاب يوسف" كما باتت تعرف نفسها.

محمد برفقة والدته، في منزلهما بالفيوم، تصوير: مروة صابر-أصوات مصرية

 

 

 

تعليقات الفيسبوك