متظاهرو 25 أبريل.. جمعتهم "تيران وصنافير" في المحاكم وفرقتهم "عقيدة القاضي" في السجون

الأحد 15-05-2016 PM 08:50

نشطاء يتظاهرون أمام نقابة الصحفيين احتجاجا على إعلان تبعية تيران وصنافير للسعودية، 15 أبريل 2016. تصوير: محمد الراعي

"حسب ما استقر في عقيدة المحكمة واطمأن إليه وجدانها".. مبدأ قضائي قديم، لكنه عاد، أمس السبت، ليفرق بين متظاهرين خرجوا في 25 أبريل الماضي، يحملون مطالب موحدة، وحصلوا على أحكام بعقوبات متفاوتة ومتباينة، رغم أن الاتهامات واحدة.

تهمة واحدة و3 عقوبات

وأصدرت، أمس السبت، محكمتا جنح، ثلاثة أحكام مختلفة بالحبس، بحق متظاهري 25 أبريل، في ثلاث قضايا ولكن فى نفس الاتهامات، فقد قضت محكمة، بمعاقبة 51 متظاهرا بمنطقة قصر النيل بالسجن عامين مع الشغل، بينما عاقبت أخرى، 79 متهما آخرين بالتظاهر فى الدقي، بالسجن 5 سنوات مع الشغل وغرامة 100 ألف جنيه لكل منهم، ومعاقبة 22 متهما بالتظاهر في العجوزة بالسجن 5 سنوات، دون غرامات". 

ويحق للمحكوم عليهم الطعن على تلك الأحكام أمام محكمة الجنح المستأنفة فى مدة أقصاها 10 أيام من تاريخ صدور الحكم. 

وسبق للنيابة أن وجهت للمحكوم عليهم تهم "التحريض على التظاهر واستخدام القوة لقلب نظام الحكم، والتحريض على مهاجمة أقسام الشرطة، واستخدام العنف والتهديد لحمل رئيس الجمهورية على الامتناع عن عمل من اختصاصه ومهامه الموكلة إليه طبقًا للدستور، والانضمام إلى جماعة إرهابية الغرض منها الدعوى لتعطيل القوانين ومنع السلطات من ممارسة أعمالها والإضرار بالسلام الاجتماعي، والتحريض على التظاهر". 

وكانت قوى سياسية ونشطاء دعوا للتظاهر يوم 25 أبريل الماضي بالتزامن مع ذكرى تحرير سيناء، اعتراضا على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي نُقلت بموجبها السيادة على جزيرتي صنافير وتيران من مصر للسعودية، وألقي القبض على متظاهرين أحالتهم النيابة العامة للمحاكمة. 

ويفرض قانون التظاهر -الذي أصدر في نوفمبر 2013- على منظمي المظاهرات الإخطار عنها قبل الموعد بثلاثة أيام على الأقل وأن يحددوا الغرض من المظاهرة والشعارات التي ستردد خلالها. 

وانتقدت أحزاب وحركات سياسية ومنظمات حقوقية القانون "بسبب ما يفرضه من قيود وعقوبات مشددة على التظاهر بدلا من تنظيمه".  

إخلال بحق الدفاع

وقال محامون معنيون بالدفاع عن المتظاهرين المحكوم عليهم "إن المحكمة أخلت بحق الدفاع في المحاكمة ولم تستوف كافة إجراءات التقاضي الطبيعة فى تحقيق الأدلة وارتكنت إلى تحريات الأمن الوطني فقط دون غيرها من الأدلة، ولم تستجب لطلبات الدفاع، فى محاكمة جرت بشكل سريع"، فيما رأى قضاة أن "القاضي هو صاحب الولاية على الدعوى وحكمه يصدر حسب ما يستقر في وجدانه ويطمئن للأدلة". 

وقال سامح سمير، عضو هيئة الدفاع عن متظاهرين حوكموا أمس، لأصوات مصرية، "الحكم جرى به مخالفات قانونية واضحة، أولها أن المحاكمة انعقدت في مكان شرطي وهذا مخالف للقانون ولضمانات المحاكمة العادلة، في عدم توفير مكان محايد". 

وأضاف "المحكمة لم تستجب لطلبات الدفاع في تفريغ كاميرات مراقبة تؤكد على سلمية التظاهرات ولم تستمع لأي شاهد في القضية، والحكم جرى بشكل سريع جدا، ولم تحقق المحكمة الأدلة الكافية للإدانة واعتمدت على التحريات فقط". 

محاكمة سريعة

ونطقت المحكمة بأحكام السجن في حق المتهمين، في جلسة المحاكمة الثانية، ما اعتبره أعضاء بهيئة الدفاع، "تعجلا فى إصدار الحكم غير مبرر، فى وقت يشتكي فيه متقاضون من طول أمد التقاضي بالقضايا العادية".

وكان نائب رئيس محكمة النقض السابق، المستشار عبد الجواد موسى، صرح في سبتمبر الماضي لأصوات مصرية، أن "المحكمة متراكم أمامها ما بين 350 إلى 400 جنحة مستأنفة"، ما يعنى كثرة القضايا المنظورة، وبطء إجراءات التقاضي. 

التحريات ليست دليلا

وأرست محكمة النقض، وهى المحكمة العليا التي تختص بمراقبة الأحكام، وتكون أحكامها باتة ونهائية لا يجوز الطعن عليها، مبدأ قانونيا متواترا في أحكامها بأن "تحريات الشرطة، التى قال عنها الدفاع أنها دليل الإدانة الوحيد فى الأحكام،  بحسبانها قرينة لا تصلح بمجردها أن تكون دليلا كافيا للاتهام بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام". 

وترى النقض أن "تحريات الشرطة لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد، حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية في الإثبات". 

ويقول أستاذ القانون الجنائي وعميد حقوق القاهرة سابقا، محمود كبيش، "إن الوضع الراهن يجعل هناك صعوبة بالغة أمام رجل القانون في أن يتحدث في المسائل القانونية، ولكن نستطيع الحديث كرجال قانون بشكل موسع في حالة تنفيذ نصوصه بحذافيرها، وهناك أمور تحدث في البلاد تسئ لرئيس الجمهورية، وهم يحسبون أنهم يحسنون"، ولم يوضح كبيش من المخاطب بكلامه. 

ولفت كبيش إلى أن "وفقا لقانون التظاهر، فإن العقوبة المقررة في حالة التلبس بالضبط في التظاهرة، لا تتجاوز الغرامة"، متسائلا "لماذا تحدث تفرقة فى العقوبة فى ظل وجود نفس الاتهامات؟!". 

وحسب مواد قانون التظاهر، فإن تنظيم تظاهرة دون ترخيص، عقوبتها غرامة فقط دون الحبس، ولكن المادة 19 من ذات القانون تنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز 5 سنوات وبالغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين معا، ضد كل من أخل بالأمن أو النظام العام أو عطل الإنتاج أو مصالح المواطنين أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو الجوي أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة أو تعريضها للخطر". 

وقال كبيش إن "عقيدة القاضي لابد أن تستند إلى دليل فى إطار القانون وأن يتوافر فى الحكم بشكل عام الأدلة المطلوبة مثل شهادة الشهود أو اعتراف متهمين أو تقرير خبرة من مختصين يحمل دليل إدانة للمتهمين، والتحريات لا يمكن أن تكون دليل إدانة في الدعوى الجنائية ولا توجد منظومة قضائية فى العالم، تستند فى أحكامها القضائية للتحريات فقط، باستثناء بعض الدولة العربية التى سارت على هدي مصر". 

وأضاف أن "محكمة النقض المصرية قالت كلمتها بشأن التحريات مجهولة المصدر باعتبارها رأيا لمجريها فقط". 

ويرى قضاة حاليون وسابقون أن "تفاوت العقوبات في الأحكام القضائية يرجع لعقيدة القاضي وتقديره للجرم، بما يتماشى مع نصوص قانون العقوبات، وتختلف ظروف كل واقعة عن غيرها". 

ظروف الجريمة

ويوضح رئيس إحدى دوائر الإرهاب الحالية بمحكمة الجيزة، فضل عدم ذكر اسمه، أن "كل جريمة لها عقوبة خاصة بها حسب ظروفها، والقاضي يمكنه أن يعاقب بالحد الأدنى للعقوبة والعكس، والأمر متعلق بحسب ما استقر فى عقيدة المحكمة ووجدانها بشأن الواقعة، وحسب ظروف الجرم التى تجرى المحاكمة بشأنه". 

وقال رئيس المحكمة "إن القاضي يقوم بعمل مواءمة بين الجرم والعقوبة، إعمالا لسلطة المحكمة التقديرية". 

وعن بطلان الاستناد للتحريات، أكد أن "محكمة النقض لها التقدير والاحترام فى تلك المبادئ التى ترسيها، ولكن اختلاف الوقائع قد يجعل تلك المبادئ لا تتماشى مع كافة الأحكام، وقد تأخذ المحكمة بالتحريات حسب قوتها وارتياح القاضي لها أو قد تكون مدعومة بمستندات أخرى تعزز موقفها، والقانون أجاز للمتقاضين الطعن أمام المحكمة الاستئنافية وصولا للنقض فى حالة عدم الرضا عن الحكم". 

وأوضح رئيس المحكمة أن "أدلة ثبوت القاضي الجنائي تتمثل فى أقوال الشهود والتحريات أو اعترافات المتهمين وغيرها من القرائن التى تطمئن إليها عقيدة المحكمة لدى قاضي أول درجة وما تراه الدائرة الاستئنافية مناسبا قد تعدله محكمة النقض". 

القضاة بشر 

ويتفق رفعت السيد، رئيس محكمة الاستئناف الأسبق، مع الراي السابق مؤكدا أن "القضاة بشر وليسوا آلات صماء فما يراه قاض صائبا يراه غيره، عكس ذلك، والمهم أن حكم القاضي بالإدانة أن يلتزم بقانون العقوبات، ولكنه يخضع أيضا للتقدير الشخصي للقاضي".

وتابع السيد "القاضي الجنائي يقضي فى الدعوى بحسب ما وقر في يقينه إذا كانت التهمة ثابتة على الجزم واليقين فيقضي بالإدانة، وإذا كانت الأدلة بها شك فيقضي بالبراءة، ويستوجب فى حالة الإدانة أن تكون العقوبة التي يوقعها بحدود قانون العقوبات، وطبقا لمعطيات الدعوى". 

وقال السيد "يستطيع القاضي أن يقضي بالحد الأدنى أو الأقصى من العقوبة أو أن ينزل بها لما لديه من سلطة واسعة في تحديد قدرها". 

ولفت السيد إلى أنه لا يجوز التعرض للأحكام مباشرة لأن هذا محظور بحكم القانون، ولا يملك أحد التدخل فى عمل القاضي، الذى يخضع حكمه لضميره الشخصي أولا ثم القانون وعوامل أخرى مثل فهمه للأمور وقدر ذكائه".

وأشار إلى أن "القاضي ليس مقيدا بكلام شاهد وله الحرية فى الاعتداد به من عدمه، ولا سلطان على القاضي إلا الضمير والقانون". 

كلمة السر

وقال المستشار إسماعيل حمدي، عضو مجلس القضاء الأعلى سابقا، إن "تقدير العقوبة في أي قضية متروك للمحكمة وحسب الواقعة والمحكمة من حقها أن تقضي بأقصى عقوبة أو تستعمل الرأفة لمن يستحقها وعقيدة القاضي هي كلمة السر في حكمه". 

تعليقات الفيسبوك