هل ينجح المركزي في القضاء على السوق السوداء للعملة؟

السبت 19-03-2016 PM 12:38

تعاملات في أحد شركات الصرافة المصرية بوسط القاهرة، صورة من رويترز

كتبت مي قابيل

اتخذ البنك المركزي خلال الأيام القليلة الماضية خطوات عدة لإرباك السوق السوداء للعملة ومحاصرتها، بهدف الوصول إلى استقرار سوق الصرف، فخفض سعر الجنيه أمام الدولار بنحو 112 قرشا، قبل أن يعززه بسبعة قروش، ليصل سعره الرسمي إلى 8.78 جنيه للدولار.

لكن مصادر النقد الأجنبي التي تعتمد عليها مصر لم تشهد تحسنا، فهل تكفي إجراءات المركزي للقضاء على السوق السوداء للعملة؟

يقول محمد الأبيض، رئيس شعبة شركات الصرافة، إن قرار المركزي بتخفيض قيمة الجنيه في مقابل الدولار، وطرحه كميات كبيرة من العملة الصعبة لتغطية الطلب عليها، أثر بالفعل على السوق السوداء وأدى إلى ارتباك كبير لدى المتعاملين فيها.

ويضيف الأبيض "مازال بعض تجار العملة يحاولون عقد صفقات بشكل عشوائي، ولكنها لم تعد سوقا منظمة كما كانت في الفترة الماضية".

وعقد المركزي ثلاثة عطاءات استثنائية لبيع الدولار للبنوك خلال الأسبوع الماضي باع فيها ما يقرب من 2 مليار دولار، لتغطية الطلبات المتراكمة من العملة الصعبة، وذلك كبديل للعطاء الدوري الذي يطرحه المركزي أيام الأحد والثلاثاء والخميس من كل أسبوع، ولا تتعدى قيمته 40 مليون دولار.

لكن مسؤولا سابقا بأحد البنوك التجارية، فضل عدم نشر اسمه، يرى أن التراجع الذي تشهده السوق السوداء مؤقت، لأن الإجراءات التي يتخذها المركزي مجرد "مسكنات" وليست حلا لمشكلات سعر الصرف.

ويوضح المصرفي أن العجز في العملة الصعبة كبير، وأن السوق السوداء ستستمر في تلبيته، خاصة بعد إلغاء سقف الإيداع الدولاري.

وكان المركزي ألغى مؤخرا الحدود التي تم فرضها منذ عام على الإيداع النقدي بالدولار (للأفراد والشركات المستوردة للسلع الأساسية)، وهي الحدود التي حجمت السوق السوداء في الشهور الأولى لتطبيقها، قبل تعود تلك السوق بقوة نتيجة ضعف الموارد الدولارية للدولة.

وترى ريهام الدسوقي، خبيرة اقتصادية، إن مستقبل السوق السوداء مرهون بتلبية السوق الرسمي للطلب على العملة، "فلو تمكن السوق الرسمي من تلبية كل الطلبات سيختفي السوق الموازي".

وتوضح ريهام أن هناك طلبا من أكثر من طرف في السوق، وأن كمية الدولارات التي يطرحها المركزي في عطاءاته الدورية والاستثنائية ستحدد قدرته على تلبية الطلب، مع ملاحظة أن هناك قيودا مازالت مفروضة على بعض التعاملات.

فالطلب على العملة الصعبة يأتي من مستوردي السلع الأساسية، الذين يعطيهم المركزي الأولوية في توفير العملة الصعبة من البنوك، لكنه يأتي أيضا من مستوردي السلع غير الأساسية الذين لن يتمكنوا من الحصول على العملة الصعبة اللازمة لأعمالهم من البنوك، وبالتالي سيلجأون إلى السوق السوداء.

كما يساهم الأفراد في الطلب على العملة الصعبة، خاصة في حالات السفر للخارج، ولا يستطيع الأفراد أن يلبوا احتياجاتهم من العملة الصعبة عن طريق البنوك إلا في حدود ضيقة، وبالتالي يلجأون للسوق السوداء لتوفير الكميات الإضافية التي يحتاجون إليها، كما تقول ريهام الدسوقي.وكانت البنوك العاملة في مصر قد قلصت المبلغ المسموح للعميل بتحويله إلى عملات أجنبية قبل السفر للخارج، كما خفضت المبالغ المسموح له بسحبها بالعملات أثناء تواجده خارج مصر.

ويقول محمد الأبيض "أعتقد أن هناك خطوات أخرى مكملة سيتخذها المركزي في الفترة المقبلة، وواثق من أنه يستطيع القضاء على السوق السوداء".

ويتوقع بنك بي ان بي باريبا أن يسرع المركزي من خطوات سياسته النقدية ليتمكن من تهميش السوق السوداء واستعادة السيولة في القطاع المصرفي.

كما يقول البنك الفرنسي في تقرير عن تقييم مخاطر الاستثمار في مصر، أصدره الاسبوع الماضي، إنه يتوقع طرح كميات أكبر من الدولار في عطاءات استثنائية، "وربما جولة جديدة من تخفيض العملة المحلية، إذا لم تقل الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للجنيه بالسرعة الكافية".

وترى ريهام الدسوقي أن قرار المركزي بتخفيض العملة مازال حديثا، وسيظهر أثره على السوق فعليا خلال 10 أيام من صدوره، ويبدأ المستثمرون في تقييم قدرة الجهاز المصرفي على توفير العملة الصعبة سواء لتلبية طلبات الاستيراد، أو للوفاء بطلبات تحويل أرباح الشركات للخارج.

وأدت أزمة نقص العملة الصعبة خلال الشهور الماضية إلى صعوبات لدى المستوردين في إتمام صفقاتهم، ومشاكل لدى المصنعين في توفير مستلزمات الإنتاج المستوردة، بالإضافة لتأخر في تحويل أرباح عدد من الشركات الأجنبية العاملة في مصر.

ويقول تقرير باريبا "نتوقع خلال الأسابيع والشهور القادمة أن يجد المركزي المصري صعوبة في الحفاظ على سوق الصرف تحت السيطرة، بالنظر لمحدودية الأدوات المالية المتاحة".

ويضيف التقرير أن نتيجة قرارات رفع سقف الإيداع والسحب، وزيادة الفائدة على الودائع الدولارية "قد لا تكون كافية لتوفير السيولة التي تمكن المركزي من السيطرة على سوق الصرف".

وسيساعد الدعم الخارجي جهود المركزي، مع الإفراج المتوقع عن قرض البنك الدولي وإمكانية أن يعلن الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، في زيارته المرتقبة لمصر في إبريل، "عن دعم مالي كبير، في صورة استثمارات مباشرة في الأغلب"، كما يقول باريبا.

وتوضح ريهام الدسوقي أن المركزي لا يعلن عن كل الموارد الدولارية التي بحوزته، كما أن البيانات التي يعلنها حول مركزه المالي تكون متأخرة شهرا أو شهرين، وبالتالي من الصعب معرفة حجم المتاح له اليوم للوفاء بالطلب على العملة الصعبة.

وتوقع تقرير حديث لبنك الاستثمار الإماراتي أرقام كابيتال حصول المركزي على مبالغ بالعملة الصعبة من مصادر خارجية خلال الفترة المقبلة، منها 15 مليار دولار حصيلة اتفاقيات استثمارية وقروض تجارية مع الصين، بالإضافة لمليار دولار من البنك الدولي، تمثل الشريحة الأولى من قرض معروض على البرلمان، يتوقع التقرير صرفه خلال الربع الثاني من العام (إبريل إلى يونيو).

كما يرجح التقرير حصول مصر على مليار دولار إضافية على الأقل من دول الخليج في الشهور المقبلة.

ورغم انخفاض موارد مصر من العملة الصعبة إلا أن احتياطي النقد الأجنبي لدى المركزي يحافظ على استقرار نسبي خلال الشهور الأخيرة، حيث استقر في الفترة من أكتوبر إلى يناير الماضيين حول 16.4 مليار دولار، وارتفع الشهر الماضي إلى 16.5 مليار، دون أن يفصح المركزي بشكل واضح عن مصادر هذا الاستقرار.

وتؤكد سلوى العنتري، مديرة البحوث بالبنك الأهلى سابقا، إن الوضع الحالي لن يقضي على العملة الصعبة لأن "كل تجاربنا القريبة والبعيدة تؤكد أن تخفيض قيمة العملة لا يحل المشكلة، ولا يحقق التوازن في سوق الصرف، إلا بشكل مؤقت. بينما كانت الفترات القليلة التي حدث بها توازن هي التي شهدت فائضا في ميزان المدفوعات".

ويقول مسؤول سابق بأحد البنوك التجارية، فضل عدم نشر اسمه، إن السوق السوداء لن تختفي ومشاكل سوق الصرف لن تحل إلا بإصلاحات حقيقية لميزان المدفوعات، داعيا إلى فرض قيود أكثر صرامة على الواردات والسفر الترفيهي في الوقت الذي تنخفض فيه موارد مصر من العملة الصعبة.

تعليقات الفيسبوك