ها آرتس: كيف فقدت مصر سيناء قبل وقت طويل من هجمات "الدولة الإسلامية"؟

السبت 04-07-2015 PM 06:14
ها آرتس: كيف فقدت مصر سيناء قبل وقت طويل من هجمات

أحد أفراد قوات الأمن المصرية يقف في برج مراقبة في شمال سيناء عبر الحدود - صورة أرشيفية من رويترز.

كتب

- المتشددون يستغلون معرفتهم بالصحراء والطائرات لا تجد قواعد لتقصفها

- سكان شمال سيناء لم يستفيدوا من عائدات تصدير الغاز عبر أراضي المنطقة

- الوظائف القليلة في المنطقة تذهب إلى المصريين القادمين من خارج سيناء

- آلاف العائلات بدون مصدر دخل بعد الحملة على الأنفاق واقتصاد التهريب

- تزايد الاضطرابات سيهدد مصلحة بدو جنوب سيناء في الحفاظ على السلام في المنطقة

- الحل العسكري لمواجهة المتشددين اقتصر على زيادة نقاط التفتيش على الطريق الساحلي

 

قالت صحيفة "ها آرتس" الإسرائيلية إن إهمال مصر على مدى عقود للجزء الشمالي من سيناء وسكانه يجري سداد ثمنه الآن من دم الجنود المصريين.

وأشارت إلى أن نجاح المتشددين في سيناء، في نقل تكتيكات تنظيم "الدولة الاسلامية" في الهجمات المنسقة الأربعاء الماضي، لا يجب أن يعتبر مفاجأة بالنظر إلى أن الهجمات جرت في منطقة انقطع حكم القاهرة لها بأي معنى حقيقي منذ وقت طويل.

وأضافت أنه منذ شهور منع دخول الصحفيين إلى سيناء وخاصة الأجانب، لكن زيارات حديثة إلى المنطقة قبل الحظر تبين بوضوح عدم فعالية التعزيزات العسكرية المصرية التي تأتي بموافقة صامتة من إسرائيل، لأنها تتجاوز مستوى القوات العسكرية المسموح به في سيناء بموجب اتفاقية السلام بين البلدين.

وقالت الصحيفة إن الحل العسكري المصري لمواجهة نشاط المتشددين المتزايد في سيناء اقتصر إلى حد كبير على إنشاء نقاط تفتيش أكثر وأكبر على امتداد الطريق السريع الساحلي الشمالي.

وأضافت أن من النادر إرسال وحدات القوات الخاصة المصرية ذات التسليح الأمريكي المتقدم نسبيا بعيدا عن مواقعهم حول القاهرة، وبدلا من ذلك تنشر في سيناء كتائب من مجندين أميين بدبابات وعربات مدرعة عتيقة ترجع إلى العهد السوفيتي. وقالت إن الضباط يبقون في ثكنات المدن في حين يحرس صف الضباط نقاط التفتيش وفي الليل يقبعون في العربات المدرعة.

* ميزة الصحراء

وقالت الصحيفة إن تركيز مصر أغلب نشاطها العسكري على الطريق السريع -الذي ينتهي عند معبر رفح إلى قطاع غزة- يرجع إلى القيود على عمل الجيش وأيضا إلى عدم وجود أهداف واضحة تخص المتشددين. ولأن كثيرا من المتشددين في سيناء ينتمون لقبائل بدوية محلية (عززهم أعضاء من الإخوان المسلمين فروا من المدن)، فهم يعرفون التضاريس الصحراوية أفضل كثيرا من الجيش ويستغلونها لصالحهم. وبعد تنفيذ الهجمات، سرعان ما ينسحب المتشددون ويجدون الملجأ في الجبال أو المخيمات البدوية. ولا توجد قواعد لتهاجمها طائرات الهليكوبتر والطائرات المقاتلة والقاذفة التابعة لسلاح الجو المصري.

وذكرت الصحيفة أنه بصرف النظر عن مدى صحة تقارير وسائل الإعلام الأجنبية عن السماح لطائرات إسرائيلية بدون طيار (أو طلبها) لمهاجمة أهداف على أراض مصرية ذات سيادة، فإنها تؤكد حقيقة قلق الجيش المصري من تحليق طائراته على ارتفاع منخفض فوق سيناء خشية أن يسقطها المتشددون بصواريخ محمولة على الكتف.

وأضافت أن فشل الجيش المصري في تأكيد سيطرته على سيناء يرجع إلى فبراير 2011، حين نجح المتشددون عقب الإطاحة بمبارك في أن يخربوا بصورة متكررة خط الأنابيب الذي يحمل الغاز المصري إلى محطات كهرباء في إسرائيل والأردن. واستهدفت أول تعزيزات للجيش في سيناء تأمين شحنات الغاز، لكن في كل مرة كان المتشددون يفجرون نقطة أخرى من خط الأنابيب.

* الثمن الدامي للإهمال

وقالت الصحيفة إن سكان سيناء لم يروا حتى ولو جزءا صغيرا من أرباح الغاز. وساحل سيناء على البحر المتوسط متهدم. فالمباني في المدينة الرئيسية العريش مهدمة والفنادق القليلة بها خالية. وفشل الحكومات المصرية المتعاقبة في تطوير المنطقة -منذ رحلت عنها القوات الإسرائيلية في أوائل الثمانينات- يجري دفع ثمنه الآن من دماء الجنود المصريين.

وذكرت أنه إلى جانب هذا الإهمال، فهناك افتقاد التجانس والوحدة بين سكان شمال سيناء. فسكان المنطقة مقسمون بين البدو الذين انتقلوا إلى البلدات الصغيرة على امتداد الساحل والفلسطينيين الذين يعيشون أساسا قرب حدود غزة، و"المصريين" الذين قدموا من أجزاء أخرى من البلاد بعدما صدقوا وعود الحكومة التي لم تنفذ عن مشروعات جديدة. وفي الغالب تذهب الوظائف القليلة المتوافرة إلى القادمين الجدد بقرارات من المحافظين الذين تعينهم القاهرة. وليست مفاجأة أن القليل من السكان يشعرون بولاء كبير للحكومة المركزية.

وقالت "ها آرتس" إنه يكفي إلقاء نظرة من أحد أبراج الحراسة على امتداد الحدود المصرية الإسرائيلية، ليتضح أن المباني على الجانب الفلسطيني من رفح أكبر وأفضل حالا من أغلب المباني في رفح المصرية رغم الصعوبات الاقتصادية في غزة.

* انهيار اقتصاد الأنفاق

وقالت الصحيفة إن أحد الاستثناءات لذلك كان ظهور عشرات الفيلات الصغيرة الأنيقة التي أنشئت في الأحياء الحدودية المهدمة لرفح المصرية في السنوات القليلة الماضية، في إشارة واضحة إلى أنها تغطي مداخل أنفاق تؤدي إلى غزة. لكن حملة مصر وإسرائيل على اقتصاد التهريب قوضت هذا الاستثناء الوحيد للقاعدة، والذي كان المصدر الرئيسي للدخل لآلاف العائلات في رفح وخارجها.

وأضافت أنه يوجد الآن آلاف المشردين، وبدون الدخل الذي كانوا يحصلون عليه من التهريب أو "استضافة" نفق أسفل منازلهم.

وذكرت الصحيفة أن الأنفاق القليلة العميقة الباقية تخضع للسيطرة الحصرية لحركة حماس وتستخدم للأسلحة والمقاتلين. وولت الأيام التي ظهر فيها اقتصاد كامل حول الأنفاق وكانت خدمات التوصيل على الدراجات النارية تشمل الركاب ووجبات كنتاكي.

وأشارت إلى أن الركود في اقتصاد التهريب ليس مجرد نتيجة للعمليات العسكرية المصرية. وقالت إن إكمال السياج الحدودي الضخم على حدود إسرائيل مع مصر قطع تقريبا كل الطرق المتاحة للبدو الذين كانوا يتعيشون من تهريب السجائر، والمخدرات، والنساء القادمات من أوروبا الشرقية إلى صناعة الجنس الإسرائيلية، واللاجئين من إريتريا. فاقتصاد سيناء في أزمة عميقة فعلا. فالبدو الذين كانوا في وقت ما يتحركون بحرية بين البلدين، ويتحدث كثيرون منهم العبرية بطلاقة بعدما تعلموها خلال سنوات كسكان غير شرعيين في إسرائيل، أصبحوا الآن عاطلين.

وقالت الصحيفة إنه على الطرف الآخر من سيناء على ساحل البحر الأحمر فما يزال الوضع هادئا. وأضافت أنه على العكس من شمال سيناء تمتعت تلك المنطقة باستثمارات حكومية. وقالت إن البدو الذين يعملون في الفنادق ويديرون قرى للإجازات ورحلات جبلية لهم مصلحة في إبقاء المتشددين بعيدا.

وحذرت الصحيفة من أنه مع تزايد الفوضى في أجزاء أخرى في مصر وابتعاد السياح، فإن مصلحة بدو جنوب سيناء في الحفاظ على السلام ستتلاشى أيضا.
 

المقال بالكامل منشور على موقع صحيفة "ها آرتس" بتاريخ السبت 4 يوليو 2015

تعليقات الفيسبوك