ماذا تريد أمريكا من السيسي؟

الثلاثاء 04-08-2015 PM 03:42
ماذا تريد أمريكا من السيسي؟

لقاء السيسي وأوباما - صورة من رويترز

كتب

إعداد: دينا عفيفي

أثارت زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى مصر في مطلع الأسبوع لتجديد "الحوار الاستراتيجي" بين البلدين بعد سنوات من الانقطاع تساؤلات عما تريده الولايات المتحدة الآن من الرئيس عبد الفتاح السيسي في إطار استراتيجيتها الأوسع بالمنطقة. لكن أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد نوا فيلدمان، قال إنه مثل هذا التجديد يعتبر خطأ من زاوية مصالح الأمن القومي الأمريكية على المدى الطويل لأنه ينزع من يد واشنطن أوراقا للضغط على السيسي.

وأضاف، في مقال بموقع "بلومبرج فيو"، أنه ناهيك عن أداء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السيئ والذي يزداد سوءا في مجال حقوق الإنسان والإدانات المتسرعة لقيادات جماعة الاخوان والمسلمين وأعضائها، وعن الرسالة المأساوية عن أن الدعم الأمريكي قصير الأجل للديمقراطية في مصر أصبح ميتا تماما، فالأمر المقلق حقا بشأن مداهنة الولايات المتحدة للسيسي هو أنه يحرم الجانب الأمريكي من أي ثقل ربما تتمتع به لدى مصر لتحقيق أهداف الأمن في المنطقة مثل تشكيل ائتلاف سني مستقر لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. فلماذا سوف يبذل السيسي أي جهد تطلبه منه أمريكا في الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة بزعم أن العلاقة قوية بالفعل؟

وفيما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية العميقة، فهناك بالنسبة لمصر أهداف واضحة من العلاقة مع الولايات المتحدة، إذ تريد مصر المساعدات العسكرية التي تم تجديدها هذا العام رغم قانون يحظر تقديم مساعدات عسكرية أمريكية لدول شهدت "انقلابا" عسكريا. المؤسسة العسكرية في مصر التي ينحدر منها السيسي ليست المؤسسة القوية الوحيدة في المجتمع المصري، وإنما هي المؤسسة القوية الوحيدة المتبقية بعد هزيمتها لجماعة الإخوان المسلمين. ومما يعزز من المزايا الخاصة التي يتمتع بها الجيش المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية التي تجاوزت المليار الدولار.

وقال المقال إنه بخلاف تلقي المساعدات لا تريد مصر من الولايات المتحدة أن تطلب منها شيئا. على سبيل المثال ظل السلام البارد بين مصر وإسرائيل قائما منذ التوقيع على معاهدة كامب ديفيد. ولا تحتاج مصر إلى ضغط أو تحفيز أمريكي لتتجنب قتال إسرائيل. ولا شك أن هناك عدوا مشتركا للسيسي ولرئيس الوزراء الغسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو جماعة الإخوان المسلمين التي تعد حركة حماس فرعا لها. كان أمل السيسي هو أن تتوقف الولايات المتحدة عن انتقاده بشأن الطرق التي يلجأ إليها في قمع جماعة الإخوان، فكلما قل الحديث عن حقوق الإنسان كلما كان ذلك أفضل.

ومن الصعب نوعا ما تحديد ما تريده الولايات المتحدة من مصر، فبصفة عامة نجد أن مصلحة الأمن القومي الأمريكي بالشرق الأوسط في الوقت الحالي هي استعادة قدر من الاستقرار. كانت فترة رئاسة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن تقوم على زعزعة الاستقرار الذي ظل مصلحة أمريكية تقليدية في المنطقة منذ الحرب الباردة، والآن تود الولايات المتحدة وبشدة أن تعيد المارد إلى المصباح مرة أخرى.

وتساءل فيلدمان كيف يمكن أن تساهم مصر في ذلك الهدف؟ وقال إن أكثر الطرق بداهة بالطبع هي أن يصبح النظام مستقرا. يراهن السيسي على أن الاعتقالات والمحاكمات الصورية وبعض الإعدامات ستحقق ذلك الهدف، غير أن هناك ما يدعو للاعتقاد بأنه مخطئ. وإذا افترضنا الآن أنه يعرف جيدا ما يفعله، لكن النقطة هي أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تكون مضطرة لتقديم أي تنازلات للسيسي حتى تشجعه على جعل مصر مستقرة لأن الاستقرار هو بالفعل في مصلحة السيسي نفسه.

وقد يمكن أن تقوم مصر بدور رائد في المساعدة على تحقيق الاستقرار في ليبيا حيث يمثل فراغ السلطة فرصة جذابة لتنظيم الدولة الإسلامية. لكن السيسي في الوقت الحالي يريد أن يبقى بعيدا عما يدور في ليبيا لأنه لا هو ولا غيره لديه أي فكرة عما يمكن عمله لفرض النظام هناك. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تتخذ مصر موقفا وربما ارسال قوات لحفظ السلام فسوف تحتاج إلى نفوذ للقيام بذلك. لكن بعد أن أظهرت الولايات المتحدة أنها تريد أن تمول السيسي وأنها متحمسة لتوثيق العلاقات، فهي تفقد النفوذ الذي كان يمكن أن يتحقق لها للضغط على مصر في الشأن الليبي.

كما أن للولايات المتحدة مصلحة ملحة في مجال الأمن القومي في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وهذا يتطلب قوات برية من دول عربية سنية والسؤال هو من هي الدول التي ستقدم مثل هذه القوات؟ السعودية على سبيل المثال لن ترسل أبدا أي جيش لمحاربة الدولة الإسلامية لكن السعودية قد تدفع التكلفة إذا اقتنعت بأن الدولة الإسلامية تمثل تهديدا لعرشها، وبالتالي سوف تحتاج السعودية إلى جنود من دول أخرى لخوض معركتها وتلك القوات ربما تكون مصرية. وقد شهدت أحدث قمة لجامعة الدول العربية مناقشة حول قوة عسكرية سنية مشتركة.

وقال الكاتب إنه لا يمكن توقع مشاركة مصر في المعركة مع الدولة الإسلامية إلا إذا كان لها دافع خارجي قوي لذلك، والمال لن يكون كافيا. وربما تكون الإشادة والدعم من الولايات المتحدة هما ذلك الحافز الإضافي لو كانت واشنطن حجبتهما. وبدون ذلك، فليس من الواضح ما الذي سوف يكسبه السيسي من المخاطرة بالتعرض لانتقام من تنظيم الدولة الإسلامية داخل مصر.

وإحقاقا للحق، يمكن لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن تقول إن توثيق العلاقات مع السيسي سيؤدي إلى بناء ثقة متبادلة وتشجيع التعاون في المستقبل. ولكن من الصعب تصديق ذلك، إذ يعلم السيسي جيدا أن إدارة أوباما كانت ستتعاون مع حكومة من جماعة الإخوان المسلمين إن حالفها النجاح وأن الأمريكيين منزعجون من هذه الانتهاكات شديدة الوطأة في مجال حقوق الإنسان.

السيسي ليس رجلا تهمه الصداقة العاطفية أو الولاءات بالنظر إلى أنه تولى السلطة بعد أن أبعدت جماعة الاخوان سلفه كقائد للجيش المصري. وقد أظهر في قصة صعوده بالفعل أنه يحترم القوة وليس الولاء. وإذا كان للولايات المتحدة أن تمنحه قدرا من الشرعية فينبغي عليها أن تفعل ذلك في إطار محدود.

وختم الكاتب مقاله قائلا إنه بعد إخفاق الليبرالية المثالية مرة تلو الأخرى لم يعد هناك خلاف على أن الولايات المتحدة سوف تتبنى سياسة واقعية في الشرق الأوسط، لكن هذا النوع من الواقعية يتطلب حوافز لا مشاعر فيها وليس إقامة علاقات.

- المقال منشور بالكامل على الرابط التالي

تعليقات الفيسبوك