مصر هي تونس.. في التراجع عن محاربة الفساد

الإثنين 14-09-2015 AM 09:31
مصر هي تونس.. في التراجع عن محاربة الفساد

مسيرة ضد قرض صندوق النقدالدولي،3 أبريل 2013. تصوير: أحمد حامد

كتب

إعداد دينا عفيفي

فور انطلاق شرارة الربيع العربي من تونس عام 2011 بادر رموز نظام مبارك السابق إلى تأكيد أن "مصر ليست تونس" إلى أن اجتاحتهم ثورة يناير، وظل تطور الأحداث في البلدين مجالا خصبا لعقد المقارنات بما في ذلك أحدث الخطوات في مجال محاربة الفساد والتي اعتبر مراقبون أنها تفتح المجال أمام رجال أعمال فاسدين من النظام السابق للإفلات من العقوبات.

وقالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية إن السخط الشعبي من أقطاب الفساد وأعوانهم من رجال الأعمال كان هو السبب الذي جعل الآلاف ينطلقون إلى الشوارع في تونس ومصر عام 2011 مما أدى في نهاية الأمر إلى الإطاحة بكل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك اللذين ظل كل منهما يحكم بلاده لسنوات طويلة.

وأضافت أنه منذ ذلك الحين لم يعد الوضع في كلا البلدين متشابها على الإطلاق، إذ أصبحت تونس مثالا لعملية تحول ديمقراطي ناجحة في حين يُنظر لمصر على أنها عادت إلى النظام الاستبدادي بصورة كبيرة، غير أن الحكومة في كلا البلدين تتراجع عن مساعٍ لمكافحة الفساد الذي أدى إلى انتفاضة الشعبين في بادئ الأمر.

فبموجب قانون جديد مقترح للمصالحة الاقتصادية في تونس وتعديلات في قانون الكسب غير المشروع في مصر أصبح من الممكن أن ينجو مسؤولون ورجال أعمال متهمون بالفساد من السجن إذا دفعوا الأموال التي اكتسبوها بطرق غير مشروعة.

ويبرز القانون الجديد في كل من تونس ومصر قدرة النخبة المتحالفة مع الحرس القديم على الاستمرار على الساحة وصعوبة مكافحة الفساد كما يقول بعض المراقبين. ففي تونس يلقى هذا القانون الجديد تأييدا قويا من الباجي قائد السبسي الرئيس الحالي ومؤسس حزب نداء تونس وهو نفسه وزير سابق للداخلية في عهد بن علي.

وقال روبن كارانزا من المركز الدولي للعدالة الانتقالية وهو مجموعة غير هادفة للربح مقرها نيويورك "لا توجد إرادة سياسية في مصر لتقديم المسؤولين عن الفساد في الماضي إلى العدالة...في تونس ربما تشعر الأحزاب السياسية في الائتلاف الحاكم أنها في حاجة إلى دعم رجال الأعمال المحظور عليهم السفر والذين تم تجميد أرصدتهم."

ويقول مسؤولون في تونس والقاهرة إن التسوية مسار أسرع لاستعادة الأموال المنهوبة كما أنها تطمئن رجال الأعمال في وقت يحتاج فيه البلدان بشدة للاستثمارات. غير أن البعض يقول ردا على هذا الرأي إن التشريع في كلا البلدين ينطبق على حالات الفساد سواء في الماضي أو في المستقبل.

وفي مصر حتى قبل تبني التعديلات التي أجريت على القانون الشهر الماضي أصدرت المحاكم أحكاما بتبرئة كل المسؤولين من عهد مبارك والذين اتهموا بارتكاب جرائم سواء كانت تتعلق بالفساد أو قتل المتظاهرين. وأصبحت هذه التعديلات تساعد على التسوية والنجاة من عقوبة السجن في أي مرحلة من مراحل التقاضي في قضية فساد، إذ ليس هناك غرامات تفرض على من يوافقون على إعادة الأموال التي اكتسبوها بطرق غير مشروعة طالما جاءت موافقتهم أثناء التحقيق معهم. وأما إذا قرروا التسوية خلال المحاكمة أو بعد الحكم فيمكن أن تُفرض عليهم غرامة قيمتها قد تصل إلى ضعف المبلغ المطلوب إعادته.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن أحمد الزند وزير العدل قوله إن هذه التعديلات تؤكد مدى جدية مصر تجاه إعادة الأموال المنهوبة لأن العديد من رجال الأعمال المتهمين بالفساد يعيشون خارج مصر ويخشون من عقوبة السجن في حالة عودتهم.

غير أن أسامة دياب الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية يقول إن هذا التساهل الشديد سيجعل الفساد سهلا للغاية. وأضاف أن هذه التعديلات تسهل على البعض السرقة والاحتفاظ بالمبالغ المسروقة بما أن أمرهم لم يكتشف وفي حالة اكتشاف أمرهم فيمكن إعادة فقط ما تمكنت السلطات من إثبات سرقته.

ورغم أن دياب وصف أن القبض على وزير الزراعة صلاح هلال هذا الأسبوع بأنه أمر إيجابي في قضية رشوة لكنه اعتبره اشارة على "العدالة الانتقائية" وأن سلطة ملاحقة الفساد "ما زالت تقديرية بدرجة كبيرة وفي يد السلطة التنفيذية".

لكن البعض يعتقد أن انتقاد الحكومة في الآونة الأخيرة ربما يكون قد ساهم في الإعلان عن تكليف شريف اسماعيل وزير البترول بتشكيل الحكومة الجديدة خلفا لحكومة إبراهيم محلب المستقيلة.

وفي تونس، حيث يضم نداء تونس وهو الحزب الرئيسي في البرلمان تحالفا بين الحرس القديم والليبراليين واليساريين، أثار قانون المصالحة الاقتصادية احتجاجات في الشوارع واتهامات بأنه يفتح المجال لعودة النخبة التي كانت موجودة في عهد بن علي.

وقد فرقت الشرطة بالفعل بالقوة احتجاجات على القانون الجديد في ثلاث مدن على الأقل. كما أبدت أحزاب معارضة والنقابات وهيئة الحقيقة والكرامة التي تشكلت بموجب الدستور للكشف عن المخالفات التي ارتكبت سابقا وللسعي لتعويض الضحايا عن غضبها إزاء هذا القانون.

ويرى المعارضون أن القانون يتستر على المخالفات التي ارتكبها رجال الأعمال في عهد بن علي والذين دعموا نداء تونس خلال الحملة الانتخابية ويقوض من مهمة هيئة الحقيقة والكرامة.

وبموجب القانون الجديد تتوقف إجراءات التقاضي ضد المسؤولين ورجال الأعمال إذا كشفوا عن الأموال التي نهبوها أمام لجنة مصالحة. ومن الممكن أن تُفرض غرامات وتُجمد أرصدة المخالفين ثم يتم توجيهها إلى المناطق الفقيرة. ولا يُسمح باستئناف أحكام اللجنة.

ودافع معز الجودي رئيس الجمعية التونسية للحوكمة وهي جماعة بحثية معنية بقطاع الأعمال عن القانون قائلا إنه سيسرع من تسوية النزاعات ويحسن من المناخ العام للأعمال، وقال إنه على النقيض من ذلك يمكن أن تستغرق اجراءات هيئة الحقيقة والكرامة ما يصل إلى خمس سنوات.

وقال المحامي عياشي حمامي المدافع عن حقوق اﻻنسان إن هذا القانون "وقح" وإن المعارضة ستعود للشوارع مرة أخرى لأن الأغلبية في البرلمان ستدعم نداء تونس. وأضاف أنهم ينتظرون الأسابيع القليلة القادمة لعودة طلبة الجامعات متوعدا بأنه سيكون "خريفا ساخنا".

المقال كامل منشور على موقع صحيفة فاينانشال تايمز.

تعليقات الفيسبوك