حكايات "الأرزقية" والمنسيين في حفر قناة السويس الجديدة

الأحد 02-08-2015 PM 07:54
حكايات

أحد العاملين في مشروع قناة السويس الجديد - صورة من رويترز

كتب

كتب: ياسين محمد

- النوم في قرى سياحية.. وامتداد العمل لشهور يعوض انخفاض اليومية

- متضررون تركوا قراهم.. ولم يحصلوا على تعويضات عن اراضيهم حتى الآن

"لم أصدق عيني عندما رأيت السفن تعبر من المنطقة التي بدأنا في حفرها (منذ عام).. لم أتمالك دموعي من الفرح"، كانت تلك مشاعر حسن بدوي، السائق الذي شارك في أعمال توسعات قناة السويس.

بدوي كان واحدا ممن استفادوا من الأعمال الإنشائية الضخمة التي أطلقها مشروع القناة الجديدة الذي شارك به 43 ألف عامل في الاجمال. فالمشروع بالنسبة له لم يكن فقط إنجازا قوميا ولكن فرصة للعمل في ظل معدلات البطالة المرتفعة التي تعاني منها البلاد.

عمل بدوي كسائق مع مقاول في مرحلة الحفر الجاف لقناة السويس في قطاع بطول 5 كيلو مترات بين نقطتي الفردان والبلاح، وكان عليه رفع 100 متر مكعب من الرمال يوميا يحصل مقابلها على 100 جنيه.

"كنت أعمل على رفع متر الرمال مقابل جنيه واحد.. كان رقما بسيطا مقارنة بما أجنيه في المشروعات العادية، ولكن فرصة العمل المستمرة لشهور في المشروع كانت تعوض الخسارة" كما قال بدوي.

وبلغ معدل البطالة في الربع الأول من العام الجاري 12.8% من قوة العمل، منخفضا بشكل طفيف عن مستوياته المرتفعة في نفس الفترة من عام 2013 عند 13.4%.

وقبل عام أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تدشين مشروع حفر قناة السويس الجديدة والذي يتضمن حفر تفريعة جديدة موزاية للقناة الأصلية بطول 34 كيلو مترا لتقليص الفترة الزمنية لعبور السفن، واستيعاب سفن ذات حمولات أكبر بتعميق وتوسيع نحو 35 كيلو مترا من القناة الأصلية.

ومن المقرر افتتاح المشروع يوم 6 أغسطس، وأجرت هيئة قناة السويس، السبت 25 يوليو، أول عملية عبور تجريبي للسفن بالمجرى الملاحي للقناة الجديدة.

* العمل اليدوي الوحيد

ويعتبر السيد عبده نفسه محظوظا لأنه شهد مراحل العمل بالقناة الجديدة لمدة تسعة أشهر، حيث بدأ العمل كمساعد لسيارات النقل في الحفر الجاف، ثم عاد لمهنته الأساسية لـ "تدبيش" جوانب القناة.

ويقول عبده الذي شاهد السفن وهي تعبر للمرة الأولى من قناة السويس الجديدة "كنت هطير من الفرحة.. بس لسه أدامنا شغل كتير في التدبيش".

وتتعلق أعمال "التدبيش" بوضع الستائر المعدنية والحجارة على جوانب القناة، وهو العمل اليدوي الوحيد في أنشطة حفر القناة، حيث يتم الاعتماد على عمال لرص الحجارة بشكل متواز على ضفة القناة لمنع هبوط الرمال مرة أخرى إلى المجرى مع مرور السفن.

ومثلت توسعات القناة فرصة لإنعاش نشاط شركات المقاولات الذي عانى من تداعيات التباطؤ الاقتصادي الذي أعقب انتفاضة يناير 2011.

"المكسب المادي من المشروع كان معقولا.. القوات المسلحة حددت سعر رفع متر الرمال بسبعة جنيهات للشركات أو المقاولين، حيث يحصل صاحب معدة الحفر على جنيه واحد، وسائق سيارة نقل الرمال على جنيهين، والباقي مكسب للشركة بعد مصاريف الإعاشة والموظفين الإداريين"، كما يقول محمد البعلي، المقاول المشارك في أعمال الحفر الجاف.

وساهم عمل أكثر من 43 ألف عامل بمشروع القناة الجديدة، وفقاً للموقع الإلكتروني للقناة، في إنعاش اقتصاد الإسماعيلية مما أدى إلى ارتفاع أسعار إيجارات السكن للعمال الوافدين.

كما استفاد قطاع واسع من الريفيين في تلك المنطقة من عمل أنشطة تجارية لخدمة العمالة الوافدة وكذلك من الوساطة في جلب فنيين لصيانة معدات الحفر.

ويقول أحمد إسماعيل، صاحب مكتب للتسويق العقاري بمدينة الإسماعيلية، إن "عدد العمال والمشروعات الجديدة ساهم في ازدهار سوق العقارات بالمدينة".

ويضيف أن الشركات لجأت لتسكين العمالة في القرى السياحية والشقق المفروشة القريبة من المجرى الملاحي للقناة لسهولة عبور عمالها إلى مكان العمل، بعد أن كان معظم الذين يستخدمون الشقق المفروشة بالمحافظة هم طلاب الجامعة المغتربون.

* شكل جديد للإسماعيلية

ويعتبر خالد بديوي، وهو مسؤول جمعية "أولاد البلد" نشاط اجتماعي بمدينة الاسماعيلية، أن توسعات قناة السويس تضع "مدينة الإسماعيلية في مكانة اقتصادية مختلفة لأنها ليس لها طابع اقتصادي أو تجاري أو صناعي مثل باقي المدن المطلة على القناة والتي بها موانئ".

وأضاف "نأمل أن تساعد القناة الجديدة على تكوين مناطق صناعية ومدينة سكنية شرق القناة".

وقال بديوي، الذي يؤمن بالدور التنموي لمشروع القناة الجديدة، إن جمعية "أولاد البلد" ساهمت في تقديم وسائل إعاشة للعمال خلال فترة عملهم بالمشروع.

"بدأ العمال في الحفر دون استعدادات للإعاشة واكتفوا بتجهيزات العمل وكان مكان النوم هو نفسه موقع العمل، ولذلك ركزت الجمعيات على توزيع بطاطين ووجبات جاهزة للعمال".

ويحمل بديوي في ذاكرته أرشيفاً لتاريخ الإسماعيلية التي يعتبر أنها تعيش عصرا جديدا هذه الأيام، حيث ينحدر من أحد أقدم العائلات التى سكنت المدينة مع بداية تأسيسها عقب افتتاح القناة في 1869.

ويملك والده أرشيفا مصورا لتاريخ المدينة كونه المصور الصحفي الوحيد بالإسماعيلية الذي عاصر ما شهدته المدينة من أحداث مواكبة لثورة يوليو 1952، ودخول القوات المصرية مبني هيئة قناة السويس لتأميمها في 1956 وحربي 1967 وأكتوبر 1973.

* متضررون ومنسيون

وفي مقابل المستفيدين من توسعات قناة السويس كان هناك أيضا متضررون يبدو أن الحكومة نسيت صرف تعويضات عن كامل اضرارهم.

أحمد عيسى، أحد سكان قرية الأبطال، اضطر لترك مسكنه بعد صدور قرار إزالة بسبب أعمال التوسعات في القناة، وانتقل لبناء منزل جديد في قرية العبور بعدما كان لديه 6 أفدنة مزروعة بأشجار المانجو. وحصل النازحون من قرية الأبطال إلى قريتي العبور والتقدم اللتين تبعدان نحو 20 كيلومترا عن قريتهم الأصلية على 150 مترا لكل منهم لبناء منازل لكن لم يحصلوا على تعويض عن الأراضي الزراعية.

وقال مسؤول في مكتب محافظ الإسماعيلية، لأصوات مصرية، "صرفنا 150 مترا لكل أسرة في قرية الأبطال اضطرت لترك منزلها وذلك لبناء منزل ريفي جديد في قريتي التقدم أو العبور بالإضافة إلى حديقة صغيرة". وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه أنه "لم يصلنا حتى الآن أي منشور من مجلس الوزراء يفيد بصرف تعويضات مادية للأسر التي كانت تمتلك أراضي استصلاح زراعي وتركتها."

وقال عيسى "بدأت العمل من جديد في استصلاح أرض وبناء منزل بقرية التقدم بعدما كنت مستقرا في قرية الأبطال".

وأضاف "قرية الأبطال لم تتضرر كلها بمشروع الحفر ولكن ظهيرها الجنوبي فقط لقربه من مجرى قناة السويس ومسار الحفر الجديد".

واوضح عيسى أن أغلب سكان القرية غيروا نشاطهم لمواكبة أعمال الحفر، حيث انتعشت محلات البقالة لبيع الأطعمة للعمال، وبدأ فنيو الميكانيكا في إيجار محلات بالقرية لصيانة سيارات ومعدات المشروع مما ساهم في إنعاش القرية اقتصاديا.

موضوعات متعلقة:

- حفر وتعميق قناة السويس ليس نهاية المطاف

- الحكومة نجحت في اختبار الوقت في مشروع القناة.. والإيرادات التحدي التالي

- ملك السعودية وبوتين وأولوند ورئيس الصين.. أبرز المدعوين لافتتاح القناة

تعليقات الفيسبوك