أحدث الأخبار
صورة أرشيفية لإحدى محطات توليد الطاقة الشمسية تحت الإنشاء - صورة من رويترز
كتب: حسن صابر
تمتلك مصر مناخا تسطع فيه الشمس باستمرار ومناطق صحراوية شاسعة غير مأهولة يمكن إنشاء محطات للطاقة الشمسية بها، تبدو الحاجة إليها أعظم في ظل أزمة متفاقمة في الطاقة. غير أن خبراء أشاروا إلى عوائق عدة تواجه إنشاء هذه المحطات منها ارتفاع التكلفة الرأسمالية وتكلفة الاستخدام والصيانة، وفضلوا المضي قدما في خطط سابقة لبناء محطات نووية لتوليد الكهرباء.
واتخذت مصر خطوة ربما تؤدي للاعتماد بشكل أوسع على إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة بما فيها الطاقة الشمسية، حيث وافق مجلس الوزراء قبل أسبوع على دراسة تسمح للحكومة بمشاركة القطاع الخاص في الاستثمار في إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة من خلال سياسة لتحديد تعريفة التغذية، واتفاقية لشراء الطاقة.
وفيما يعد أول تطبيق لهذا الاتجاه، وافق مجلس الوزراء أمس على مشروع قرار لرئيس الجمهورية يسمح لهيئة "تنمية الطاقة الجديدة والمتجددة"، ويرأسها بحكم منصبه وزير الكهرباء والطاقة، باستخدام أرض خصصت لها العام الماضي بمساحة 3621.2 فدانا من الأراضى المملوكة للدولة بكوم أمبو في محافظة أسوان فى إنشاء محطات شمسية "بنفسها أو عن طريق طرحها للمستثمرين بنظام حق الانتفاع وفقاً للقواعد والضوابط".
أزمة تواجه توليد الكهرباء من المحطات التقليدية
شهد شهر أغسطس الماضي أزمة انقطاع متكرر للتيار الكهربائي عانت منها المنازل والمحال والمطاعم والمصانع بسبب مشاكل تعددة يواجهها مرفق الكهرباء الذي يشمل نحو 45 محطة توليد كهرباء على مستوى الجمهورية تعمل بالغاز والسولار والمازوت، وتضم كل منها عدة وحدات، بالإضافة إلى محطات مائية ومحطة للرياح وأخرى شمسية، حسب آخر تقرير سنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر 2011-2012.
وتقول الحكومة إن هناك عجزا في إنتاج الكهرباء وزيادة في الاستهلاك. وتقدر العجز بين الاستهلاك والإنتاج بما بين ألفين لثلاثة آلاف ميجاوات من إجمالي ثلاثين ألفا هي الطاقة الإنتاجية للبلاد من الكهرباء.
ووفقا لحديث سابق لرئيس الوزراء إبراهيم محلب فإن 79% من محطات الكهرباء في مصر تعمل منذ 10 سنوات فأكثر ولم تتم صيانتها، فضلا عن قلة عددها على مستوى الجمهورية مقارنة بتزايد عدد السكان وارتفاع نسبة الاستهلاك.
وقد دفعت الأزمة المركبة مصر لرفع أسعار الكهرباء والغاز خلال الشهور الماضية على المستهلكين سواء في القطاع العائلي أم في الصناعة كثيفة استهلاك الطاقة، والسماح باستخدام الفحم في لصناعة وتوليد الكهرباء، بعد جدل شديد بخصوص السماح باستخدام هذا الوقود "الملوث للبيئة "، إلا أن الحكومة تعهدت بالالتزام بالضوابط والمعايير البيئية، كما لجأت أيضا إلى تطبيق التوقيت الصيفي لتخفيف الأحمال.
وارتفع دعم الكهرباء المباشر في موازنة العام الحالي 2014/2015 إلى 27.2 مليار جنيه، من 13.28 مليار في موازنة العام السابق، منها خمسة مليارات تكلفة استيراد غاز لبعض المحطات، و يبلغ إجمالي دعم الطاقة (بترول وكهرباء) 128 مليار جنيه يذهب أيضا جزء منه، لم تحدد الموازنة قيمته، لمحطات الكهرباء.
وبلغ متوسط نصيب الفرد في مصر من الطاقة الكهربائية المنتجة محليا 1782 كيلو وات فـي الساعة خلال العام المالي 2009/2010، ويعد هذا المتوسط أقل من المتوسط العالمي والبالغ 2730 للفرد فـي عام 2009.
مصر والطاقة الجديدة والمتجددة
يتساءل كثيرون لماذا لم تشهد مصر مشاريع كبيرة تزيد من الاعتماد على الطاقة الشمسية المتجددة والنظيفة بيئيا بدلا من السماح مؤخرا باستخدام الفحم في الصناعة؟.
بدأت مصر رسميا في الاهتمام بالطاقة المتجددة بإنشاء "هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة" عام 1986 "لتمثل نقطة الارتكاز الوطنية للجهود المبذولة فى نشر استخدام تطبيقات الطاقة المتجددة، لتوليد الكهرباء على المستوى التجاري، وتوطين تقنيات الطاقة المتجددة، والعمل على زيادة القدرات المحلية لإنتاج واستخدام معداتها".
ويقول موقع الهيئة الرسمي إنه "من المخطط الوصول بالقدرات المركبة من الطاقة الشمسية إلي حوالي 3500 ميجا وات في الفترة من عام 2015 /2016 وحتى عام 2026 /2027 موزعة علي عدد من المشروعات ... وأن تكون مساهمة الطاقات المتجددة عموما بنسبة 20% من إجمالي الطاقة الكهربية المولدة بحلول عام 2020."
ويشارك في تمويل هذه المشروعات البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وبنك التنمية الإفريقي وبنك الاستثمار الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية وبنك التعمير الالماني.
ويرى الدكتور عادل توفيق -خبير الطاقة المتجددة وترشيد وتجديد الطاقة- أن توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية يمكنه أن يغطي 50% من الاستهلاك خلال فترة لا تتجاوز عشر سنوات، "لكن الأمر الحاكم هو العنصر الاقتصادي والتكلفة".
ويقدر توفيق نسبة الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية في مصر حاليا بما لا يتجاوز 0.2% من إجمالي الكهرباء، والمولدة من الرياح بنحو 1%.
ويقول "الطاقة الشمسية نظريا يمكن لها توليد 100% من الكهرباء المستهلكة، فرغم أنها متاحة فقط بالنهار إلا أنه يمكن تخزينها في بطاريات أو مواد ذات سعة حرارية عالية لاستخدامها ليلا".
ويقول الدكتور محمد الخياط –المسؤول بهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة- إن المشكلة تكمن في أن يكون سعر بيع الطاقة المولدة من الشمس سعرا جاذبا للمستثمرين، ويضمن تكلفة الانتاج إلى جانب هامش ربح.
ويشير الخياط -مؤلف كتاب "الطاقة لعبة الكبار" و"الطاقة .. مصادرها .. أنواعها .. استخداماتها- إلى أن مرفق جهاز الكهرباء وحماية المستهلك هو الذي تقدم لمجلس الوزراء بمشروع التعريفة المميزة لدعم منتجي الكهرباء من الطاقة الشمسية.
وأكد عادل توفيق أن المجلس يناقش اعتماد تعريفة مميزة للطاقة الشمسية وشرائها بسعر مميز، بقيمة قد يتجاوز فيها سعر الكيلو وات جنيها مصريا ، وسيناقش تفاصيل عقود شرائها وتوفير ضمانات لمستثمريها.
وقال إنه "يجب تحويل دعم المحروقات الذي توجبه الالتزامات الاجتماعية تجاه المستهلكين لانتاج الكهرباء إلى محطات الطاقة الشمسية"، وأضاف "الحكومة بدأت تعي الدرس ولو متأخرا...مصر ليس لديها استراتيجية متكاملة للطاقة وتعمل بالقطعة ما لا يسمح بالتراكم".
وأشار إلى ضرورة وضع الحكومة ضوابط تضمن جودة خلايا توليد الطاقة الشمسية والمعدات التي يجب أن تستخدم لما لا يقل عن 25 عاما.
على خطى ألمانيا؟ دولة صناعية ومزيد من الاعتماد على طاقة لا تلوث البيئة
بين التجارب العالمية المميزة لاستخدام الطاقة الشمسية، تأتي ألمانيا من الدول الرائدة والمتقدمة في الاعتماد عليها وعلى المصادر المتجددة الأخرى لتوليد الطاقة الكهربائية، ويقول موقع التجارة والاستثمار التابع لوزارة الشؤون الاقتصادية والطاقة في ألمانيا إن 28.5% من الطاقة الكهربائية المولدة في ألمانيا في النصف الأول من 2014 تأتي من مصادر للطاقة المتجددة (الرياح والمخلفات والطاقة الشمسية) حسب تقديرات مبدئية للجمعية الألمانية للطاقة والصناعات المائية بزيادة 4.9% عن نفس الفترة من العام الماضي
وتقول صحيفة الجارديان إن ألمانيا حققت يوم 9 يونيو 2014 رقما قياسيا في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسة بلغ 23.1 جيجا وات.ساعة وهو ما يساوي 50.6% من إجمالي حاجتها من الكهرباء.
وتقول صحيفة الوول ستريت إن الاتحاد الأوروبي يخطط لأن تكون 35% من الكهرباء في دوله من مصادر متجدد بحلول عام 2020، بينما تستهدف المانيا نسبة تبلغ 40-45% بحلول عام 2025، و80% عام 2050.
ويتميز توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بأنه صديق للبيئة لا ينتج ملوثات للهواء والماء والتربة ولا ينتج ضجيجا، ويمكن مع انخفاض تكلفته وزيادة كفاءته باضطراد في المستقبل أن يعوض بتوافره تناقص موارد الطاقة غير المتجددة كالبترول والغاز.
ويقول المهندس رفيق يوسف –خبير الطاقة- إن ألمانيا دولة متقدمة لا يمكن مقارنتها بمصر، وإنها بدأت مسيرتها نحو الطاقة المتجددة منذ عشرات السنين، وإنها تتبنى نظاما لدعم الطاقة المتجددة يتم تعويضه من الصناعات الأخرى.
الشمس أم الطاقة النووية؟
يرى رفيق يوسف أنه على الرغم من أن الطاقة المتجددة تتجه نحو انخفاض تكلفتها وزيادة قدرتها على المنافسة، لكنها ليست الحل الوحيد لأزمة الطاقة في مصر، وأن استخدام الطاقة النووية "لا مهرب منه".
وقال إن مصر تولد كهرباء بنحو 750 ميجاوات من الرياح، لكن من الصعب حساب ما تنتجه من الطاقة الشمسية ومحطاتها المتناثرة في المنازل والفنادق ولوحات الإعلانات، والتي يعوق استخدامها ارتفاع سعر تكلفتها وحاجتها لمساحات ضخمة ومواد خام وتكنولوجيا مستوردة".
ويقول الدكتور محمد منير مجاهد، مؤلف كتاب "مصادر الطاقة في مصر وآفاق تنميتها" إنه مع تنويع مصادر الطاقة، لكنه ضد "بيع الوهم للناس"، ويقول إن مصادر الطاقة المتجددة بما فيها الطاقة الشمسية جزء من حل مشاكل الطاقة، لكنها مصادر "عشوائية وغير ثابتة" بسبب التقلبات المناخية فيما يخص الشمس والرياح.
ويرى مجاهد –نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا- أن تكنولوجيا توليد الطاقة من الشمس مكلفة للغاية، يقول إن هناك شركات تعرضها على الحكومة بسعر جنيه مقابل كيلوات.ساعة بينما سعره العالمي من المصادر غير المتجددة كالغاز وغيره لا تزيد عن ما يساوي 60 قرشا.
ويضيف أن كفاءة تحويل الطاقة منخفضة حيث يمكن فقط تحويل 20% من الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية، وتحتاج إلى محطات على مساحات كبيرة وصيانة مستمرة ومكلفة للمرايا والخلايا الضوئية الكهربائية.
ويضيف أن تقنيات تخزين الطاقة الشمسية التي لا يمكن توليدها ليلا مكلفة للغاية.
ويشير مجاهد إلى أن عشوائية البناء في مصر لا تتيح استخدام الطاقة الشمسية إلا في المدن الجديدة حيث يمكن مثلا أن يقام برج بجوار منزل ويحرمه من التعرض للشمس.
ويقول إن محطات الطاقة النووية تمنح طاقة أرخص حتى مما تولد بالغاز الطبيعي، ورغم أن تكلفة إنشائها الرأسمالية عالية لكن تكلفة استغلالها أقل، على عكس محطات الطاقة الشمسية المكلفة سواء في إنشائها أو تشغيلها وصيانتها.
ويقول مجاهد إن الطاقة النووية آمنة، وإن الحوادث الخاصة بمنشآتها محدودة للغاية مقارنة بعدد 440 محطة نووية لتوليد الكهرباء توجد في العالم بدأ إنشاؤها منذ 1954.