ثلاث سنوات من التغيير.. هل وصلت الثورة للإعلام؟

السبت 25-01-2014 PM 03:44
ثلاث سنوات من التغيير.. هل وصلت الثورة للإعلام؟

صورة لبعض الصحف الصادرة اليوم- أصوات مصرية

صاحبت التغييرات الكبيرة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 سياسيا واجتماعيا واقتصاديا تغييرات أخرى جذرية في المشهد الإعلامي المصري.

فمع تظاهر مئات الآلاف من المصريين، لأول مرة في حياتهم، للمطالبة برحيل حسني مبارك عن الحكم ارتفع سقف الحريات في الشارع والإعلام المصري بشكل غير مسبوق أيضا.

وتمتعت الصحافة المصرية بقدر ما من الحرية بفضل ظهور الصحف المستقلة والخاصة لأول مرة في العقد الأول من القرن 21، حيث ظهرت صحف مؤثرة وعالية التوزيع مثل المصري اليوم والشروق والدستور والفجر وصوت الأمة واليوم السابع.

وتمكنت هذه الصحف من انتقاد نظام الرئيس مبارك من آن لآخر، ولكنها تمتعت بقدر أكبر من الحربة في انتقاد حكومات كل من عاطف عبيد وأحمد نظيف.

ومع اندلاع الاحتجاجات في القاهرة والمحافظات عام 2011 وتنحي مبارك عن الحكم، ظهرت صحف جديدة مثل التحرير والوطن وفيتو، كما برزت فيما بعد صحيفة "الحرية والعدالة" التي أنشأها الحزب المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين عام 2011.

ولكن المشهد على صعيد الصحافة القومية، ومن ضمنها صحيفة الأهرام التي لا زالت محتفظة بالصدارة في قائمة الصحف الأكثر توزيعا، لازال كما هو.

ولم تتمتع الصحف القومية باستقلالية أو تغيرت القوانين الحاكمة لها في عهد كل من المجلس العسكري (2011-2012) أو عهد حكومة الإخوان المسلمين (2012-2013).

وأقر دستور 2012، الذي دعمه الإسلاميون، سلطة مجلس الشورى في تعيين رؤساء تحرير الصحف القومية، وهو ما أدى لاستمرار تحكم السلطة التنفيذية في المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة.

وهدد خطاب لوزير الاستثمار الذي عينه الرئيس الإسلامي محمد مرسي، القنوات التليفزيونية عالية المشاهدة، التي اتخذت موقفا معارضا من حكمه بالإغلاق "دون انتظار حكم قضائي" قبل يومين من قيام التظاهرات الحاشدة ضده في 30 يونيو.

ووصف الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، عهد مرسي بأنه كان "أقسى عهد للإعلام المصري حيث صنفت مصر بأنها دولة غير حرة" بالرغم من كونه الرئيس المدني الأول في تاريخ مصر.

ويضيف عبد العزيز، في اتصال هاتفي معه أجرته أصوات مصرية، أن استمرار وسائل الإعلام الرسمية في يد السلطة كان أحد أبرز سلبيات المشهد الإعلامي بعد الثورة.

وكانت عناوين الصحيفة المصرية الكبرى الأهرام تشير إلى ذلك بجلاء، فأثناء الثورة تبنت الصحيفة وجهة نظر النظام التي دعت لاستكمال مبارك فترته الرئاسية وجاء في صفحتها الرئاسية "الملايين يخرجون لتأييد مبارك" و"يوم الوفاء لمبارك" ثم عنونت بعد أيام في عدد احتفالي "الشعب أسقط النظام".
وكان التغيير الأبرز في المشهد الإعلامي المصري بعد ثورة 25 يناير من نصيب التلفزيون. فبالرغم من ظهور عدد من القنوات التليفزيونية الفضائية الخاصة مع انطلاق القمر الصناعي المصري في التسعينات من القرن الـ20، مثل قنوات المحور ودريم وأون تي في والحياة، إلا أنها لم تتمتع باستقلالية كافية أو حيز معقول في انتقاد نظام مبارك.

ومع سقوط مبارك في فبراير من العام 2011، انتقل عدد كبير من مذيعي البرامج الحوارية المشهورين على التليفزيون المصري والقنوات الإخبارية العربية إلى القنوات الفضائية، كما أسس رجال أعمال قنوات فضائية جديدة كان أبرزها سي بي سي والتحرير والنهار والقاهرة والناس.

ويقول ياسر عبد العزيز إن زيادة الاستثمارات وارتفاع المستوى التقني في الإعلام المصري كان من أبرز الإيجابيات التي تحققت بعد 2011، حيث تضاعف عدد القنوات والبرامج الحوارية المسائية التي باتت جزءا من الحياة اليومية لملايين المصريين.

وبرز دور البرامج الحوارية في عهد ما بعد ثورة 25 يناير، وقال محللون إن المشاهد التي بثتها البرامج لعبت دورا في تحريك آلاف وملايين المتظاهرين للاحتجاج أو تأييد سلطة كل من المجلس العسكري ومحمد مرسي ثم حكومة ما بعد 30 يونيو.

ولكن حرية الإعلام التليفزيوني تعرضت لتهديدات عدة بالرغم من ارتفاع سقف الحريات على مدار السنوات الثلاثة الماضية.

ففي عهد المجلس العسكري قام عدد من الجنود باقتحام مقر قناتي مصر 25 والحرة الفضائيتين على الهواء مباشرة، أثناء أحداث الاشتباكات بين الجيش ومتظاهرين أقباط قرب مبنى الإذاعة والتليفزيون "ماسبيرو".

وكانت أزمة برنامج "البرنامج" للإعلامي الساخر باسم يوسف الأكثر إثارة للجدل في عهد كل من مرسي وحكومة 30 يونيو.

فيوسف، الذي انتقل بعد 25 يناير من الإنترنت إلى قناة أون تي في ثم حظي بالمشاهدة الأعلى بنهاية عهد مرسي، لوحق في عهد الرئيس الإسلامي بعدة بلاغات اتهمته بـ"إهانة الرئيس مرسي ومخالفة الآداب العامة والتعاليم الإسلامية".

لكن القضاء حكم في أبريل من العام 2013 بعدم قبول الدعوى التي تطالب بوقف "البرنامج وسحب ترخيص قناة السي بي سي الفضائية" والتي أحالها النائب العام طلعت عبد الله الذي عينه مرسي.

وبالرغم من أن "البرنامج" سخر بشدة من نظام مرسي، ودعا للنزول في تظاهرات 30 يونيو التي انتهت بعزله إلا أن أزمة "البرنامج" لم تنتهي.

ومع عودة البرنامج لأول مرة في عهد ما بعد جماعة الإخوان المسلمين، تم وقفه بعد حلقة واحدة يوم 25 أكتوبر الماضي، بواسطة رئيس القناة رجل الأعمال محمد الأمين بسبب ما وصفه بيان للقناة بمخالفته السياسية التحريرية لها.

وانتقد باسم يوسف الإخوان المسلمين في الحلقة ولكنه انتقد أيضا الاحتفاء الإعلامي والشعبي بالفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع.

وطرح منع برنامج باسم يوسف أسئلة بشأن مستقبل حرية الإعلام ما بعد 30 يونيو، خاصة مع غلق عدد من القنوات التليفزيونية المؤيدة للتيار الإسلامي، بينها مصر 25 والحافظ والناس والرحمة، فور عزل محمد مرسي، بدعوى تحريضها على العنف.

ويؤيد ياسر عبد العزيز إغلاق هذه القنوات التي دأبت على استضافة مؤيدي الرئيس مرسي والتيار السلفي.

وأضاف "القنوات التي كانت تسمي دينية تستخدم الدين في مكاسب سياسية رخيصة .. لو كانت هذه القنوات تعمل في فرنسا أو أمريكا لكانت أغلقت لأنها تقدم خطاب الكراهية والتمييز".

ولكن عبد العزيز قال إنه كان يفضل محاسبة مقدمي بعض البرامج المخالفة ووقفها بدلا من إغلاق جميع القنوات الدينية وأضاف أن ذلك سيحدث "لما يعاد بناء نظام إعلامي يحدد الضوابط".

وقال عبد العزيز إن الدستور الجديد يضع أساسا تشريعيا مرضيا لمستقبل الإعلام المصري، وأضاف أنه يحل مشكلة ملكية وسائل الإعلام للدولة ويخضعها لمؤسسات مستقلة ويقضي بإنشاء هيئة ضابطة تقوم بالإشراف على صناعة الإعلام.

وينص الدستور الجديد، على إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وهو هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري ويتولى وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها.

كما تنص المادة 212 على إنشاء الهيئة الوطنية للصحافة وهي هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها.

ولكن عبد العزيز حمل القيادة السياسية المقبلة للبلاد المسئولية الكبرى في تطبيق هذه المواد وقال إنها بدون إرادة سياسية ستصبح "حبرا على ورق" مضيفا أن الحكومة المقبلة والجماعة الإعلامية والمجتمع المدني يتحملون المسئولية في "التفعيل الأمين لهذه المواد".

ومع تنامي دور وأهمية الإعلام في مصر يتنامى أيضا دور الإنترنت، الذي كان الأداة الرئيسية في نشر التوعية بانتهاكات حقوق الإنسان قبل قيام الثورة بدءا من صفحة "كلنا خالد سعيد" التي دعت للنزول في 25 يناير ضد انتهاكات وزراة الداخلية وحتى مدونة الوعي المصري التي برزت بنشر فيديوهات تعذيب رجال شرطة لمتهمين داخل الأقسام.

وأدى اكتشاف ملايين المصريين لقوة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر، إلى زيادة عدد مستخدمي الإنترنت في مصر بشكل مذهل.

فبالإضافة لظهور مواقع إخبارية هامة مثل رصد وأصوات مصرية وأخبارك وغيرها، طورت الصحف المصرية مثل المصري اليوم واليوم السابع والأهرام والشروق من بواباتها الإلكترونية بحيث أصبحت نافذة إخبارية منفصلة بذاتها.

ولكن ياسر عبد العزيز يقول إن مصر لن تشهد تحولا جذريا مثل المملكة الممتحدة في انتقال صحف وقنوات تليفزيونية بالكامل للبث على الإنترنت.

وأوضح "سيحدث هذا التفاعل .. ولكن مع ارتفاع نسبة الأمية في مصر إلى نحو 25% وانتشار التليفزيون سيحدث تقدم تدريجي في وسائل الإعلام على الإنترنت ولكن لن يكون بنفس وتيرة الدول المتقدمة".

تعليقات الفيسبوك