الثقافة والفن بعد 25 يناير .. الخروج الكبير إلى الشارع .. ولا تغيير في المؤسسات الرسمية

السبت 25-01-2014 PM 05:55
الثقافة والفن بعد 25 يناير .. الخروج الكبير إلى الشارع .. ولا تغيير في المؤسسات الرسمية

فرقة موسيقية تقيم حفلا موسيقيا بالإسكندرية- أصوات مصرية.

لا شك أن أعمالا أدبية وفنية عديدة ألهمت الكثيرين بشعارات ومبادئ ثورة يناير، مثلما أثرت الثورة نفسها على مسار الأدب والفن في البلاد وفتحت لهما آفاقا جديدة.

ويرى مثقفون وفنانون ومسؤولون أن الثورة فتحت الطريق أمام "فنون الشارع" بدرجة غير مسبوقة، لكنها لم تنجح في تغيير المؤسسات الثقافية الرسمية التابعة لوزارة تتابع على رأسها خمسة وزراء منذ تنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011.

يقول المخرج المسرحي، ناصر عبد المنعم، لأصوات مصرية إنه لم يحدث تغيير حقيقي في البنية الثقافية والمشروع الثقافي، "لكن الثلاث سنوات الماضية شهدت أحداثا ووقائع وتحولات مهمة".

ويضيف عبد المنعم –مدير المركز القومي للمسرح التابع لوزارة الثقافة المعني بتوثيق تاريخ وبتطوير المسرح المصري- أن "هناك بذورا للتغيير، وسائر شعارات الثورة لم يتحقق منها شئ في أرض الواقع".

ويتابع عبد المنعم "ظهرت حالة تمرد على الأشكال التقليدية في المسرح، الذي خرج للأماكن التي يعيش بها الناس، وازدهرت تجارب مسرح الشارع التي كانت مُقيدة مع سيطرة أمن الدولة على الشارع، وخرجت من دائرة نخبة ثقافية مغلقة".

ويشير عبد المنعم إلى طفرة كبيرة في فرق "الأندرجراوند" الموسيقية المستقلة، ووصولها لقطاعات أوسع من الفقراء والبسطاء الذين لا تجذبهم دور العرض التقليدية.

ويؤكد عبد المنعم "الثقافة لا تزال في ذيل اهتمامات الدولة وكل الحكومات المتعاقبة في ظل المجلس العسكري وحكم الإخوان والحكومة المؤقتة الحالية"، مضيفاً أن هذه الحكومات "تركز فقط على المشاكل الاقتصادية".

ويضيف أن مصر حسب احصائيات رسمية من أقل الدول إنفاقا على الثقافة، على حد قوله.

شارك ناصر في اعتصام استمر نحو شهر يصفه بأنه تجاوز مطالب فئوية إلى هم قومي عام، وهو اعتصام المثقفين احتجاجا على تعيين علاء عبد العزيز وزيرا للثقافة في نهاية عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ويرى عبد المنعم أن الاعتصام ساهم في إسقاط نظام "جماعة الإخوان" قبل شهور.

وتشرف وزارة الثقافة على الهيئة العامة للكتاب التي تقوم بدور في نشر الكتب، ودار الكتب والوثائق، وهيئة قصور الثقافة التي تقدم خدمات ثقافية في كافة المحافظات وفي مجال النشر، وكذلك دار الأوبرا وأكاديمية الفنون والبيت الفني للمسرح الذي يشرف على مسارح الدولة وعروضها، والمركز القومي للترجمة ومؤسسات أخرى.

وعين علاء عبد العزيز المنتمي لحزب "التوحيد العربي" -وهو حزب إسلامي صغير- وزيرا للثقافة قبل نحو شهر من عزل مرسي الذي عين أيضا -في نفس التوقيت تقريبا- عضوا بـ"الجماعة الإسلامية" محافظا للأقصر التي تحتل موقعا ثقافيا هاما بما تحويه من آثار، على الرغم من اتهام "الجماعة الإسلامية" بشن هجوم مسلح في نفس المحافظة قُتل فيه نحو 60 سائحا فيها عام 1997.

ومنع مثقفون عبد العزيز -الذي كان يعمل قبل تعيينه وزيرا للثقافة مدرسا بمعهد السينما- من دخول مكتبه واعتصموا به بعد أن أغضبهم قراره بإنهاء انتداب رئيسة الأوبرا إيناس عبد الدايم، وقيادات قطاعات رئيسية أخرى بالوزارة، وتصريحاته التي اعتبروها "تهديدا لهوية مصر الثقافية المتعددة الأوجه".

لكن عبد العزيز سخر حينها من المخاوف مما يسمى "بالاحتلال" الإسلامي لمؤسسات الدولة، وقال إن لديه معيارين للعمل في وزارة الثقافة هما "الكفاءة والأمانة".

وشهدت دار الأوبرا إيضا إضرابا نادرا لفرقها المختلفة عطلت فيه العروض بها احتجاجا على قرارات الوزير.

أقيل عبد العزيز من منصبه عقب تظاهرات يونيو 2013، وعين صابر عرب وزيرا للثقافة في المنصب الذي سبق وشغله في عهدي حكم المجلس العسكري ومرسي.

تقول افتتاحية لصحيفة "أخبار الادب" المصرية في 22 ديسمبر الماضي بعد مرور نحو ثلاثة أعوام على الثورة "تؤكد وزارة الثقافة بوضوح وبخطوات ثابتة أنها تسير في جانب والثورة ومتطلباتها في جانب آخر .... وللأسف ما يحدث سياسيا يشغل الكثيرين عن متابعة الأداء الباهت للوزارة الذي يمكن أن يوصف في أحسن أحواله بأنه يسير على نمط وزارة فاروق حسني"، في إشارة للوزير الذي تولى الثقافة لمدة 20 عاما خلال حكم مبارك.

ويرى ناصر عبد المنعم أن الدستور الجديد – الذي وافق عليه المصريون في استفتاء أجري قبل أيام- تشمل مواده نقاطا إيجابية فيما يخص الثقافة وحرية الإبداع والملكية الفكرية، "شئ مبشر .. لكن المسالة مرهونة بالممارسة الفعلية لهذه المواد".

وتنص المادة 47 في الدستور على أن الدولة تلتزم "بالحفاظ على الهوية الثقافية بروافدها الحضارية المتنوعة"، وهي صياغة تزيل خوف المثقفين من فرض رؤية واحدة للثقافة بإشارتها لروافد حضارية متنوعة.

وتنص المادة 48 على أن "الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب ...".

كما تنص المادة 67 على أن "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة .... ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة"، وهو الأمر الذي يحد من مطاردة المبدعين والفنانين قضائيا من قبل أشخاص يرون فيما يبدعونه مخالفا للقانون أو الآداب العامة.

ويرى الفنان التشكيلي عز الدين نجيب في مقال كتبه في عدد 29 ديسمبر من صحيفة أخبار الأدب أيضا –بعنوان "لأول مرة: الثقافة والفن شريكان في الحراك الثوري"- أن هذه المواد "انتصار تاريخي لنضال المثقفين، والأمل يظل معقودا على تفعيل هذه المواد في قوانين ملزمة للدولة".

وتقول الفنانة التشكيلية، هبة حلمي، لأصوات مصرية، إن فن الجرافيتي –الذي كان موجودا قبل الثورة ومنذ إضراب المحلة في عام 2008- شهد ازدهارا كبيرا بعد يناير 2011، "الشوارع ما كانتشي بتاعتنا وأصبحت ملكنا".

وتضيف حلمي صاحبة كتاب "جوايا شهيد" الذي يوثق لفن "الجرافيتي" قبل وبعد الثورة، إن هذا الفن يشمل الكتابات "الجميلة" وأسلوب "الاستنسل" الذي ينفذ غالبا خلال المسيرات على الجدران، والجداريات مثل جداريات شارع محمد محمود، وإنه لا يقتصر على القاهرة فقط، بل في محافظات مثل الأقصر والمنيا والمنصورة والإسكندرية.

وتشير إلى استخدام "الألتراس" للجرافيتي قبل الثورة لتشجيع فرق كرة القدم، وتقول إنهم استخدموا رسوم الجرافيتي كعلامات للتجمع في المظاهرات منذ 26 يناير 2011.

وترى حلمي أن هناك محاولات لاستيعاب فناني الجرافيتي بتحويل منتجاتهم لسلع تجارية، ومنح تمويل أجنبي لمشاريعهم، وإقامة معارض لهم بالخارج مثل معرض أقيم في برلين بألمانيا مؤخرا، مشيرة إلى تخصيص السفارة السويسرية لجراج في منطقة وسط البلد بالقاهرة لفن الجرافيتي.

وتقول "كان هناك دائما خطر يهدد فناني الجرافيتي الثوريين، وألقي القبض على بعضهم بعد ثورة يناير لمعارضتهم المجلس العسكري" مضيفة أن "المجال أمامهم يضيق مع إقرار قانون يقيد حق التظاهر مؤخرا، ومع أنباء عن قوانين تجرم الرسم على الجدران وتفرض عقوبات كبيرة عليه".

وتقول "نحن نحتاج إلى هذا الفن كجزء من الإعلام البديل، على الجدران وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فهو يعكس معركة مستمرة للثورة مع الدولة والفلول، وسيستمر باستمرارها، رغم التضييق عليه ومحاولة استيعابه وتوجيهه لطرق مختلفة".

تختلف بسمة الحسيني –مديرة مؤسسة المورد الثقافي- قليلا مع هبة حلمي بشأن إقامة معارض بالخارج لفناني الجرافيتي، وتقول إن وصول فنانيه للعالمية لا يعني محاولة استيعابهم أو إفسادهم، "فالفن البديل دائما ما يقدم نجوما للتيار السائد والفن التجاري، ويرفع بذلك من مستوى كل منهما".

و"المورد الثقافي" مؤسسة ثقافية مستقلة أنشئت في نهاية عام 2003 كمؤسَّسة غير ربحية مقرها الرئيسي في بلجيكا، وتعمل في المنطقة العربية من خلال مكتب إقليمي في القاهرة، وتقدم برامج لدعم الفنانين والأدباء الشبان ويقول موقعها الرسمي إنها أيضًا تَعرَّضت لحملة مضايقات أمنية من الأجهزة الحكومية المصرية قبل الثورة.

وتقول الحسيني إن الثورة قدمت نوعا جديدا من المبدعين، وموجة جديدة من المنتجات الفنية، على الأخص في العام الثالث للثورة، وتشير لأعمال سينمائية مثل الفيلم الروائي "فرش وغطا" للمخرج أحمد عبد اللـه، والفيلم التسجيلي "كله يرفع أيده لفوق" لسلمى الطرزي واللذين حصدا جوائز في مهرجانات خارج مصر.

وتشير لمعرض أقيم مؤخرا باسم "حرية" لبعض فناني الجرافيتي وفنانين تشكيليين والذين لم يكونوا معروفين قبل الثورة، وتقول "كان يحتاج ظهورهم في ظروف ما قبل الثورة وقتا أطول بكثير ربما يكون 15 عاما .. تخلخلت الدائرة المركزية وأصبح اختراقها أسهل".

وترصد الحسيني ملامح التغيير بعد الثورة، وتقول "كانت فنون الشارع قاصرة على ما تقيمه الحكومة من تماثيل وفسيفساء وزلع وبلاليص، وبعد الثورة برز فن الجرافيتي الذي أسميه فن شارع".

وتتابع "وظهرت فرق موسيقية تقدم عروضها في الشارع، وازداد الإقبال على العروض التي يقدمها "المورد الثقافي"، وظهرت مبادرة "الفن ميدان" التي قدمت عروضا فنية شهرية في الشارع في ميدان عابدين بالقاهرة وفي بعض المحافظات".

وتقول الحسيني "ليس هناك تضييق على نشاطنا حتى الآن، لكن المزاج العام سئ".

وترى الحسيني أن أداء وزارة الثقافة لم يتغير بعد الثورة، وتقول "ربما انكمشت قليلا وقلت مواردها وإنفاقها على الاحتفالات والتشريفات .. نفس الناس ونفس المنتجات والمؤسسات".

وقالت إن الفنانين لعبوا دورا في الثورة، وزاد الاهتمام العام بالثقافة، "بقى فيه إحساس إن الثقافة والفن شئ مهم مرتبط بالحياة".

وتعود قلة الموارد لدى وزارة الثقافة على الأغلب لانفصال "المجلس الأعلى للآثار" عنها الذي كانت تحصل على جزء من موارده من دخل زيارات السائحين للمواقع الأثرية، والذي يعاني الآن من تضاؤلها في ظل أزمة مستمرة تتعرض لها السياحة.

تقول وهيبة صالح –كبير مفتشي آثار منطقة دهشور بالجيزة- إن أول فصل للآثار عن الوزارة تم أثناء أحداث الثورة في وزارة أحمد شفيق، وأنشئت وزارة دولة لشؤون الآثار قبل تنحي مبارك، ثم أعيدت لها لفترة قصيرة، ثم أصبحت هيئة تابعة لرئيس الوزراء في عهدي عصام شرف وكمال الجنزوري.

وترى صالح أن الوزير منصب سياسي، وأن وجود وزارة منفصلة للآثار يجعلها عرضة للتقلبات السياسية، رغم أن المسؤول عنها يجب أن يكون متخصصا بها.

وتفضل صالح أن يكون قطاع الآثار هيئة تابعة لرئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية، "مثل هيئة قناة السويس"، وترفض أن تكون لها وزارة مستقلة وترفض أيضا تبعيتها لوزارة الثقافة.

وأضافت أن وزارة الدولة لشؤون الآثار "وزارة بالاسم ولم يتم تغيير في هيكلها لتتحول فعلا لوزارة مستقلة، ويذهب نحو 10% من مواردها لوزارة المالية ومثلها للمحليات، في الوقت الذي تقترض فيه الوزارة الآن بفوائد عالية لدفع المرتبات".

وتقول وهيبة صالح إن الذكرى الثالثة للثورة هي أيضا الذكرى الثالثة لـ"نكسة الآثار"، حيث تراجعت السياحة وبالتالي دخل المناطق الأثرية المفتوحة للسائحين والموارد اللازمة للترميم والصيانة والتطوير ومرتبات العاملين.

وأشارت لسرقات وتعديات على الآثار "لا حصر لها"، وتقول "قبل الثورة كانت هناك مافيا تسرق الآثار، والآن الشعب كله بيسرق ويتعدى عليها بسبب الانفلات الأمني .. سجلت مئات المحاضر للتعدي على المنطقة الأثرية لمجموعات من الأشخاص في منطقة دهشور وحدها ... ربما تشمل نحو نصف سكان المنطقة".

تعليقات الفيسبوك