نساء الإيدز في مصر.. معاناة مزدوجة من المرض والوصمة

الجمعة 27-01-2017 PM 02:41

مشاركة في حملة للتوعية بمرض الإيدز- رويترز

كتبت منة زكي

اكتشفت صفاء* حينما كانت في السادسة والعشرين من عمرها، وهي أم لطفلين، أنها مصابة بمرض الإيدز (متلازمة نقص المناعة المكتسبة)، الذي يدمر الجهاز المناعي لدى المصاب به. بالنسبة لها، كان الأمر أسوأ من عقوبة الإعدام، فسيجبرها ذلك المرض على إبقاء تاريخها الطبي سرا حتى عن أقرب الأشخاص لها لبقية حياتها. وبلغت الحادية والثلاثين وما تزال تعيش بمرض الإيدز.

وخوفا من ألا يتفهم أقاربها خبر إصابتها بالإيدز، تمكنت صفاء من الإبقاء على الأمر سرا لما يقرب العام ونصف العام، حتى جاء موعد ولادتها الثالثة. وأثناء فترة الحمل قالت ممرضة لصفاء "انت لازم تروحي تموتي" لأنها حملت رغم اصابتها بالايدز. لكن هذه كانت مجرد واحدة من المحن الكثيرة التي تعرضت لها صفاء عقب اصابتها بالفيروس.

وحاول والدا صفاء وإخوتها تقديم الدعم لها، إلا أنهم لم يتمكنوا من إخفاء خوفهم من أن تنتقل إليهم عدوى المرض. فقد تجادل معها أحد أشقائها حول قيامها بغسل ثيابها مع ثياب أطفالها معربا عن مخاوفه من أن يصابوا بالفيروس.

ووفقا لمنظمة الصحة العالية، ينتقل الإيدز عن طريق العلاقات الجنسية غير المحمية، ونقل الدم الملوث، ومشاركة الحقن الطبية، وفي بعض الأحيان قد تنقله الأم إلى مولودها أثناء الولادة أو أثناء الرضاعة الطبيعية.

وحاولت صفاء، التي قالت إنها أصيب بالمرض من زوجها، أن تشرح لشقيقها أنها بالتأكيد لن تعرض حياة أطفالها الأصحاء للخطر لكن دون جدوى.

وتفاقمت المشكلات مع والدة زوجها التي كانت صفاء وعائلتها يعيشون معها في نفس المسكن، الأمر الذي انتهى بانتقال عائلة صفاء لمسكن آخر.

وأجرت الجمعية المصرية للدراسات السكانية والصحة الإنجابية مسحا- نشرت نتئجه في 2013- على عينة من 529 من المصابين بالإيدز بما في ذلك 160 امرأة، حيث أكدت 21 بالمئة منهن أنهن أجبرن على تغيير مكان إقامتهن أو كن غير قابلات على استئجار مسكن بسبب إصابتهن بالإيدز، وأظهر المسح أيضا أن 53.1 بالمئة من السيدات المصابات حرمن من الحصول على الخدمات الصحية.

ورغم أن صفاء لم تحرم من الحصول على العناية الطبية إلا أنها مع ذلك تعرضت لقدر كاف من الوصم من الأطباء، خاصة خلال ولادتها الثالثة الأمر الذي قد يدفعها في النهاية إلى عدم الإفصاح عن حالتها لأي طبيب مرة أخرى.

وتتذكر صفاء كذلك أنه عندما حان موعد ولادتها، وصلت إلى المستشفى في الساعة السابعة مساء لإجراء ولادة قيصرية إلا أنها لم تخضع للجراحة إلا بعد مرور 12 ساعة تقريبا حين وافق طبيب أخيرا على توليدها.

ولكن حتى بعد إدخالها في نهاية الأمر إلى غرفة العمليات لم تكن المعاملة جيدة. وتروي صفاء أنه حينما طلبت أن يعطيها الأطباء المخدر عن طريق ذراعها لأنها تخشى الحقن، ضربها أحد الأطباء على ظهرها قائلا لها "إذا كان لا يعجبك الأمر، اذهبي وأجري الجراحة خارج هذا المستشفى".

وفي تجاهل لخصوصية مرضاهم، لجأت الممرضات إلى الإشارة لها دائما بقولهم "صفاء مريضة الإيدز"، وقالت "كانوا ينادونني بذلك أماما جميع من في المستشفى".

ومع تعرضها لقدر كبير من الوصم، قررت صفاء عدم الإفصاح عن حالتها للأطباء خلال ولادتها الرابعة.

وعلى الرغم من خوف صفاء من القيام بذلك، إلا أنها كانت تخشى أن يعرضها الوصم ضد المصابين بالإيدز -خاصة السيدات- للخطر عن طريق منعها من الحصول على الرعاية الطبية.

وقررت صفاء كذلك عدم إخبار أطفالها مطلقا عن حالتها الصحية. وثلاثة من أبناء صفاء لم يصابوا بفيروس نقص المناعة، إلا أن الرابع الذي ولد قبل شهرين لم يجر له الاختبار بعد.

وقالت "لا أريد أن أدمر مستقبلهم ونظرتهم للزواج.. لا أريد جلب العار لهم".

ومرض الإيدز يقترن لا محالة بالوصم والتمييز في مصر. فالفيروس معروف بأنه ينتقل أساسا عن طريق السلوك الجنسي "غير الأخلاقي"، الذي يتضمن الخيانة الزوجية والمثلية الجنسية والدعارة.

  وإفصاح السيدات عن إصابتهن بالفيروس قد يؤدي إلى تساؤلات عن خيانة السيدة، خاصة إذا حدثت الإصابة أثناء زواجها.

ويقول ناصر هاشم، المدير التنفيذي لجمعية رؤية للتنمية المتكاملة والتي تقدم الدعم للمصابين بالإيدز، إن "الناس هنا يبنون أحكامهم على معلومات مسبقة عن طرق انتقال الفيروس".

وأضاف أنه في نهاية المطاف يعتقد الناس أن "المرأة التي تعيش مع الفيروس هي امرأة تورطت في علاقة غير مشروعة"، وتابع هذه هي "القاعدة الثابتة" التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من عقلية الناس بغض النظر عن مركزهم الاجتماعي أو مستوى التعليم.

وتقول الطبيبة النفسية نهاد سنان، والتي تعاملت مع العديد من الحالات بدورها، إن كل حالة تعاملت معها تعرضت للوصم والتمييز، لكن وصمة العار للمرأة "أكبر وأكثر ألما" من الرجال.

 وتعتقد سنان، التي اعتاد تقديم مجموعات دعم كل أسبوعين للمصابين بالإيدز منذ 2008، أن بعض مقدمي الرعاية الصحية، كونهم جزءا من المجتمع، يصدرون أحكاما على السيدات المصابات بالإيدز رغم ما تلقوه من التدريب والتعليم.

وتضيف "بعضهم يخاف من أنه إذا عُرِّفَ أنهم يعالجون أشخاصا مصابين بالإيدز، فسيتجنب الناس الذهاب لعياداتهم".

لكن وصمة العار لمصابي الإيدز لا تقتصر فقط على الأسرة أو مقدمي الرعاية الصحية.

فنحو 80 بالمئة من نساء عاملات مريضات بالإيدز وجهت لهن الأسئلة في مسح الجمعية المصرية للدراسات السكانية والصحة الإنجابية، ذكرن أنهن فقدن وظائفهن أو مصدر الدخل نتيجة إصابتهن بالمرض.

ولهذا السبب فضلت لمياء*، وهي أم  لفتاتين تبلغ من العمر تسعة وثلاثين عاما وتعمل بمدرسة تمريض، إخفاء إصابتها عن زميلاتها ومشرفيها في العمل.

وأصبحت لمياء أرملة في عام 2014، بعد 12 عاما من الزواج من شخص كان يتعاطى مخدرات عن طريق الحقن.

عقب ستة أعوام من الزواج، انفصلت لمياء عن زوجها لما يقرب العام ونصف، وقرب نهاية تلك الفترة زارها زوجها ليخبرها أنها يجب أن تخضع لفحص للفيروس.

وفي حالة من الهلع، أبلغت أشقاءها -الذي كانوا يقطنون معها عقب انفصالها عن زوجها - بالخبر، وهو أمر ندمت عليه لاحقا.

وتعرضت لمياء لنصيبها من الوصم داخل المستشفى، وتروي عن تجربتها مع ولادتها الثانية قبل عامين والتي لم تمر بسلاسة مثل نظيرتها الأولى.

فلم ترغب الممرضات ولا الأطباء في لمسها أثناء ولادة الطفل، على الرغم من اتباعهم للإجراءات الاحترازية التي وصفتها لمياء نفسها بـ"المبالغ فيها".

وتدعي أن أحد الأطباء صرخ بوجهها لعدم إجابتها على أسئلته عن كيفية إصابتها بالفيروس، رافضة إخباره  بإدمان زوجها للمخدرات. وقالت "لقد قال لي: أنتي تتسترين على زوجك، لقد ضقنا ذرعا بأمثالك".

وتقول لمياء "بعدما رأيت طريقة المعاملة تلك، لم أعد أخبر الأطباء أني مصابة بالفيروس". وقررت كذلك أنها لن تتلقى الرعاية الطبية مرة أخرى في ذلك المستشفى الذي خضعت فيه للولادة، خوفا من أن يتم وصمها في المستشفى بالمرأة المصابة بالإيدز.

لكن الوصم والتمييز اللذين تعرضت لهما لمياء وصفاء دفعهما إلى رفض الإفصاح عن حالتهما الصحية، خاصة للأطباء. وهو الأمر الذي من شأنه عرقلة عملية الوقاية من الفيروس وعلاجه.

وتقول الدكتورة ناهد سنان إنها دائما توضح -خلال لقاءات مجموعات الدعم للمصابين بالإيدز- أهمية إخبار مقدمي الرعاية الصحية بإصابتهم بالإيدز، وأن الأمر في النهاية قد يؤثر على صحتهم وصحة أحبائهم.

وبينما بتقبل المرضى في بعض الحالات نصيحتها، إلا أن البعض لا يفعل، في الغالب خوفا من التمييز.

وانتشار الإيدز في مصر بطئ للغاية، ويقدر برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز عدد المصابين بالفيروس بين من تبلغ أعمارهم 15 عاما فأكثر بحوالي 11 ألف شخص، بينهم نحو 3300 سيدة.

وقال أحمد خميس مدير برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز في مصر إنه حتى عام 2012 كان معدل الحالات الجديدة المؤكدة يبلغ ما بين 300 و400 حالة، إلا أنه في 2015 ارتفع عدد الحالات الجديدة المؤكدة إلى 1200 حالة، مرجعا ذلك إلى عدد من العوامل بما في ذل الوصمة المتعلقة بالفيروس.

وأضاف "في بلد مثل مصر، حيث يوجد قدر كبير من الوصم، فالناس لا يتحلون بالشجاعة لإجراء تحليل فيروس الإيدز"، ويقول النساء بصفة خاصة يواجهن "الكثير من العوائق" عندما يحاولن الحصول على معلومات بشأن إصابتهن بالإيدز حيث ينظر لهن بافتراض انهن سيئات الخلق وأنه سبب إصابتهم بالفيروس.

ويعتقد خميس أنه بينما تلتصق وصمة العار المصاحبة للمرض بجميع المصابين به، إلا أن المرأة المصابة بالفيروس تواجه عبئا مزدوجا.

ويقول إن بعض النساء اللاتي أصبحن أرامل نتيجة الإيدز يجدن أنفسهن يتعرضن إلى اللوم بشكل عنيف باعتبارهن مسؤولات عن إصابتهن، بينما في الحقيقة لا تكون لهن في العادة حيلة بالأمر، وغالبا ما يصبن بالفيروس من أزواجهن.

وتقول اليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) إن 71 بالمئة من الإصابة بالإيدز  في مصر تحدث عن طريق العلاقات الجنسية، "فيما تمثل الإصابة بالمرض عن طريق الشذوذ الجنسي نصف الحالات المكتشفة".

وأظهرت نتائج المسح الذي قامت به الجمعية المصرية أن "غالبية العدوى بين النساء تحدث نتيجة العلاقة بين الرجل والمرأة" ، حيث ذكرت 75 بالمئة من النساء اللواتي أجريت معهن مقابلات أن الأسباب وراء قيامهن بتحليل الإيدز هو إما موت أزواجهن أو أحد أفراد الأسرة وإما إصابتهم بالفيروس.

وكانت هذه هي الطريقة التي علمت نوال، 34 عاما، عن طريقها أنها مصابة بالفيروس، بعد مرور ما يقرب من عقد من الزمان على ولادتها لطفلها الأول والوحيد.

فقد أمضت أول تسع أعوام عقب الولادة وهي لا تعلم أسباب تدهور صحة طفلها، حتى ذلك اليوم الذي رفض فيه الطبيب المعالج لطفلها القيام بعلاجه بعد ذلك. لاحقا، علمت نوال أنها وطفلها مصابان بالمرض منذ سنوات. وتقول إن الفيروس نقل إليها عن طريق زوجها الذي طلقت منه عام 2008.

وتوفي زوجها في عام 2010 من الفيروس، وتقول لكن "لم يهتم أحد بإخباري عن سبب وفاته حتى اكتشفت الأمر عام 2012".

 وحالف نوال، التي كانت تعمل كمساعدة ممرض، الحظ بشكل كاف حيث وجدت أناسا إلى جانبها في محنتها، بما في ذلك أسرتها والأطباء والممرضات الذين تعمل معهم.

ورغم أنها أفضل حظا من كثيرات أخريات، فإنها لا تزال تجد من الصعب إخبار طفلها بشأن المرض، وهو الآن في سن المراهقة. واستطاعت أن تخفي خبر إصابته عن مدرسته لسنوات خشية أن يطرد من المدرسة.

وتقول "لكننا (المجتمع) من يجب إلقاء اللوم عليهم، فنحن من أوجدنا تلك السمعة السيئة للفيروس".

(*) تشير إلى استخدام اسم مستعار بناء على رغبة السيدات لحماية هويتهن.

 

تعليقات الفيسبوك