"مولانا".. فيلم واقعي يلعب على عتبات الألغام المجتمعية

الأحد 15-01-2017 PM 04:43

بوستر فيلم مولانا- الأهرام

يلعبُ المخرج مجدي أحمد علي في فضاء المحظور في فيلمه "مولانا" متنقلاً بين عتباتِ الألغام المجتمعية.. واقعيةٌ سحريةٌ كتبها ابراهيم عيسى عن رواية له تحمل ذات الاسم، تصوبُ بوصلتَها على استغلال الدين وتحويله لسلعة في سبيل تحقيق المآرب، ذلك ليسَ ببعيدٍ عن زمن الانتحار والموت المجاني الذي نعيشه الآن باسم الدين، الأمر الذي جعل الفيلم وصنّاعه في مرمى الانتقادات والاتهامات على اعتبار أنه يقدم رجل الدين كنموذج إنساني يحمل نوازع الخير والشر بما فيها من الرغبة والحب والانتقام وغيرها.

جدلية العلاقة بين الدين والسلطة، إعادة النظر في الأحاديث الضعيفة والموضوعة، العلاقة بين الأديان، إشكالات ينسجها الفيلم عبر خيوط عدة لعلّ أهمها حكاية الشيخ "حاتم الشناوي"، الذي تخرَّج من الأزهر وعين في وزارة الأوقاف وبعد حين يقدم برنامجاً تلفزيونياً هدفه الوعظ والدعاية، محاولاً أن يرضي ذاته وجهاتِ الإنتاج التي يتعامل معها، وصولاً إلى لحظة صدامٍ مع أجهزة الأمن التي تسعى للتخلص منه فيما بعد.

يعرج الفيلم -دونما إغراق- أيضا على مصطلحات دينية كالصوفية والمعتزلة والتشيّع، ورغم وقوع الفيلم في فخ إسهاب السرد وشططه في بعض الأحيان إلا أنه نجح في إيصال رسالة مفادها أن الحياة تتسع للجميع والله هو المطلق الوحيد الذي يحاسب ولا أحد غيره.

ابراهيم عيسى كاتب رواية مولانا- الأهرام

ظهور الشيخ كنموذج يحمل وجوه الخير والشر لم يكن في "مولانا" فقط بل تكرر ظهوره في السينما المصرية، فلا يغيب عن الأذهان "شيخ البلد" الذي جسده الراحل حسن البارودي في فيلم "الزوجة الثانية" 1967، والذي يبرر أفعال الشر في سبيل إرضاء العمدة المستبد.

كما قدّم الفنان عمرو واكد "الشيخ عبد العال رمضان" في فيلم "لي لي" 2000 واقعاً في فخ الشهوة بعد غواية "لي لي" الشقراء ذات الأصل الأجنبي فيعجز عن أذان وقت الفجر ثم يترك المصلين ساجدين ويستسلم لها. الفيلم تعرض لانتقادات بحجة أنه يشوه قيم الدين ويكسر صورة القدوة ما أدى إلى منعه من العرض. أيضاً "الشيخ حسونة" في رائعة يوسف شاهين "الأرض" 1970 يعلن خضوعه في لحظةٍ، تعطف حياته من شيخ يتكئ على تاريخه الوطني إلى آخر ينحاز لمصلحته الشخصية وفي سبيل ذلك يتنازل عن موقفه.

إلى جانب الإيرادات الجيدة التي حققها فيلم مولانا والتي تجاوزت 3 ملايين جنيه خلال أسبوع، فقد أثار ضجة وجملة من الانتقادات وسط تراوح الآراء بين الإعجاب والرفض، حيث اعتبر شكري الجندي عضو اللجنة الدينية في البرلمان أن الفيلم عامل أفقد الثقة لدى النشء بأي أحد على مستوى مصر، سواء كان شيخاً أو طبيباً أو ضابطا أوغيره، مطالباً بعرض نصوص الدراما الدينية على الجهات الدينية المختصة، واعتبرت حركة "دافِع" السلفية الفيلم حرباً على الإسلام ويصب في مصلحة المد الشيعي في مصر، مطالبة بإيقاف عرضه ومحاسبة صناعه.

أما الأزهر فكان لمشايخه آراء متباينة، فالداعية خالد الجندي قال في مقال له إنه فخور بالفيلم لأنه قدم نموذجا أزهريا يحتذى به، وإن إبراهيم عيسى وضع من خلال الرواية والفيلم يد المجتمع على أزمة الخطاب الديني، وإنه لا أمل لتجديد الخطاب الديني دون تجديد عقل المتدين نفسه، ويلفت الجندي إلى اختلافه مع الفيلم في تناوله لقضيتي تدوين السنة والشيعة والمعتزلة معللا عدم وضوح طرحهما في العمل.

بوستر فيلم مولانا- الأهرام

عبد المنعم فؤاد -أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر- صوتٌ أزهري آخر اعتبر أن كاتب الفيلم قدم شخصياته بنظارة سوداء تعرّي مفهوم الشيخ، متسائلاً عبر إحدى القنوات "كيف للمتلقي أن يتقبل دور الشيخ حاتم من عمرو سعد بعد تقبيله لهيفاء وهبي في فيلم دكان شحاته".

خالد يوسف يقف على ضفة أخرى معتبرا أن الفيلم قدم لغة سينمائية عبقرية، مستعينا بنص الدستور الذي يؤكد عدم جواز مصادرة أي عمل فني لأنه خيالٌ لا تطبق عليه قوانين الواقع، ويشير إلى أن جوهر الدراما هو صراع الخير والشر "لا يوجد أي مبرر للتحفظ على العمل، فهذا فيلم سينمائي يحاكم بقوانين النقد الأدبي، فهو يقدم وجهة نظر صاحبه الذي يملك كل الحرية طبقا للدستور والقانون في إطار حرية الإبداع التي كفلها الدستور، ولأي أحد الحق في التعبير عن رأيه في العمل بعيدا عن التعدّي والعبث".

الفيس بوك أيضا كان منصة تباينت آراؤها حول الفيلم فالبعض رآه مفككاً وغير مقنع إضافة إلى ضعف الحوار بين شخصياته، بينما رأى آخرون أنه نجح في طرح مشاكل تعاني منها المجتمعات العربية في ظل الفساد والتطرف الديني.

عمرو سعد في فيلم مولانا- الأهرام

تعتبر الناقدة ماجدة خير الله أن الجدل الذي أثاره "مولانا" أمر جيد بالمضمون فهو دليل على حجم تأثيره، مشيرة إلى أن أغلب من عارض الفيلم لم يره وهم "لا يريدون لأحد أن يخرج عن صفهم، كما أنهم مدركون بأنهم مدانون فيستخدمون الهجوم كنوع من الصد لأي اختلاف معهم".

تضيف ماجدة خير الله، لأصوات مصرية، أن للمتلقي حقا بمتابعة العمل السينمائي والتعبير عنه شرط ألا يصل الأمر للمطالبة بمنعه، خاصة أن الرقابة قد أجازت عرضه، مستعيدة بعض الأفلام التي تم إيقافها سابقاً لكنها عادت للعرض مجدداً منها "خمسة باب" 1983، "درب الهوى" 1983، "حلاوة روح" 2014.

"ما يميز مولانا أنه قدم شخصية رجل الدين بعيدا عن النمطية المعتادة، فالشيخ حاتم إنسان بسيط مستنير ليس متجهما أو أفاقا كما ظهر في أعمال سابقة" تقول ماجدة خير الله، مضيفة أن العمل طرح قضايا مهمة منها "علاقة الأمن مع رجال الدين وتوظيفهم لهم ومحاولة التخلص منهم فور انتهاء مدة صلاحيتهم".

أما من الناحية الفنية ترى ماجدة خير الله أن الفيلم "قدَّم صورة سينمائية مميزة أبدع فيها الفنان عمرو سعد في أداء شخصيته، إلى جانب باقي الشخصيات التي كتبت بحرفية وعبرت عن نفسها بمفرداتها الخاصة".

تعليقات الفيسبوك