عماد عمر
عماد عمر

هدير مكاوي على موائد اللئام

السبت 14-01-2017 | PM 06:54

أنا لا أعرف الحقيقة كاملة في قصة هدير مكاوي، وبالتالي فلن أصدر عليها أحكاما دون معرفة. لكن الكيفية التي تحدث بها الناس عن الموضوع جديرة بإثارة أسئلة ربما يكون لدى من تحدثوا الشجاعة للإجابة عليها.

الثابت حتى الآن أن الفتاة أعلنت عبر موقع فيس بوك أنها رزقت طفلا من شاب ارتبطت به رغما عن أهلها وأهله ثم تركها دون أن يعترف بالطفل. وبعيدا عما إذا كان الارتباط زواجا صحيحا، وما إذا كانت الفتاة والشاب ارتكبا جريمة الزنا، فهناك أسئلة قد تكون الإجابة عليها أهم من مسألة صحة الزواج التي ينبغي أن يحسمها القانون وعلماء الدين.

انقسم الناس على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدين طالبوا بدعم الفتاة وآخرين هاجموها، ولكل أسبابه.

لا أحد ممن هاجموا الفتاة بأشرس التعليقات يعرف الحقيقة كاملة بعد، ورغم ذلك حملوها المسؤولية كاملة عما وصلت إليه. هل سأل هؤلاء أنفسهم إن كان ما ارتكبته الفتاة فعلا أحاديا أم ثنائيا كان لها شريك فيه؟ إذن لماذا ينصب الهجوم على الفتاة؟ فلا يصح بمن يدعون النخوة والمروءة أن يلقوا اللوم على جانب واحد على الدوام. هناك طرف آخر، ويجب أن يسألوا أنفسهم لماذا لا يحاسب ذلك الطرف أمام القانون والمجتمع. وجانب كبير من هؤلاء رجال، فهل يسعى كل منهم إلى تأمين نفسه إذا وقع في نفس الموقف؟ وبالتالي يهمه ألا تكون أصابع الاتهام في اتجاهه على أي حال؟ هي بالطبع نظرة قاصرة. الإفلات من المسؤولية ليس من سمة الرجال. وإذا أفلت أب جبان من مسؤوليته فكيف سيكون رد الفعل لدى ابنه؟

المحاسبة تضمن أن يفكر المرء فيما يفعل، وليس من مصلحة المجتمع أن يتحول الرجال في هذه الأحوال إلى مجرد "شاهد ملك" ليس عليه لوم. مصلحة المجتمع أولى بالدفاع عنها مقارنة بمصلحة الذكور. فلماذا الصمت عن قوانين لا تضمن مثل هذه المحاسبة؟

ورأى البعض في القصة فرصة لمهاجمة كل أم وحيدة معيلة في المجتمع، وكأنها فرصة لكل من انفصل عن زوجته، أو من استعصت عليه أرملة، كي يصمها مستغلا هذه الواقعة، وببرر تخاذل القوانين والمجتمع عن نصرة مثل هؤلاء الأمهات والأرامل.

ولا أحد ممن يدعمون الفتاة بأعلى صوت يعرف الحقيقة كاملة بعد. ورغم ذلك، لم  يعدموا الوسيلة ولا الحجج لتبرير موقفهم.

نساء كثيرات اعتبرن المسألة فرصة لوصم الرجال والمجتمع، فكم من رجال هذا المجتمع تربوا أصلا على أيدي هؤلاء النساء؟ ومن أصحاب الصوت العالي في هذا المعسكر من يطعن في أحقية أي شخص بتوجيه انتقادات للفتاة باعتبار أن الجميع لديهم أخطاء يندى لها الجبين. صحيح أن المسيح نبه الناس إلى التفكير بخطاياهم حين قال عن زانية "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر" لكنه لم ينف أبدا أن الزنا خطيئة ولم يغير تلك الحقيقة. والنبي محمد يقول "من رآى منكم منكرا فليغيره"، ولم يقصر الأمر على من كان بلا ذنب. ويقول أيضا "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". لكن جانبا من المؤيدين للفتاة يعتبرها فرصة لاسكات صوت النصح في المجتمع، حتى ولو كان بالحسنى.

كثيرون إذن ممن دعموا ومن انتقدوا يحاربون معاركهم من وراء هدير مكاوي التي باتت أشبه بمن سقط على مائدة اللئام، فالكل ينهش ويرمي لمصلحته بعيدا عن الحقيقة.. رجال أصحاب نظرة ذكورية يستهدفون المرأة، ونسوة أصحاب نظرة منحازة ضد الرجل يستهدفن الرجال. والأولى بكل صاحب موقف أو قضية أن يكشف عن وجهه ويدافع صراحة عن موقفه، ويخوض معاركه، ولا يجلس إلى موائد اللئام.

وطبعا لم يسأل أحد من هؤلاء نفسه إن كانت هناك كتائب إلكترونية تنفخ في النار في هذا الاتجاه أو ذاك. فالفيس بوك مع ليونته يذيب المجتمع مع صلابته، إن صح التعبير. وتثير هذه النقطة التساؤل عن دور أجهزة الدولة في هذه الأجواء. الصمت هنا ليس من ذهب. فالواجب أن يكون القانون حاسم وتطبيقه في المتناول بما يتيح حل مثل هذه المسألة بطريقة عادلة بقوانين تخلو من أي مسحة ذكورية. وإن لم تتحرك الأجهزة المسؤولة بفهم للغة العصر وأدواته، فلا لوم على الناس إن احتكموا للفيس بوك وباقي مواقع السوشيال ميديا، وأعطوا مصداقية لما يتداول عليها. وهنا لا تصبح هدير مكاوي وحدها على مائدة اللئام وإنما المجتمع كله للأسف.

تعليقات الفيسبوك