قوائم الخطب كوميديا سوداء..والأوقاف: السيسي مش غريب

الإثنين 09-01-2017 PM 06:34

الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حضوره احتفال الأوقاف بليلة القدر - صورة من رئاسة الجمهورية

 استكمالاً لحالة من الارتباك تشهدها وزارة الأوقاف في ملف تجديد الخطاب الديني، أعدت الوزارة قوائم بخطب الجمعة لخمس سنوات مقبلة، لعرضها على الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما اعتبره باحثون كوميديا سوداء تساهم في انتشار الفكر المتطرف في مصر.

وأعلنت وزارة الأوقاف في بيان لها الخميس الماضي، انتهاءها من إعداد قوائم موضوعات الخطب، مؤكدة أنه سيتم توزيعها على الخطتين قصيرة المدى، وتشمل 54 موضوعًا للعام الأول، ومتوسطة المدى وتشمل 270 موضوعًا لمدة خمس سنوات، وإرسالها متكاملة لأعضاء اللجنة لوضع لمساتهم وملاحظاتهم الأخيرة عليها.

 وفي تصريح لـ "أصوات مصرية" قال جابر طايع وكيل وزارة الأوقاف "الرئيس السيسي مش غريب ومن الطبيعي عرض القائمة عليه"، مؤكدا على أنه لا فرق بين تلك القائمة وبين الخطبة الموحدة والتي تنفذ بالفعل منذ منتصف 2013 غير أنها خطة طويلة الأجل تنفذ على مدى خمس سنوات.

 وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي وللمرة الأولى وجه نقداً علنياً لوزير الأوقاف في الثامن من ديسمبر الماضي بسبب الخطبة الموحدة التي اقرتها الوزارة في يوليو 2016، قائلاً له في حضور شيخ الأزهر،"لا يجب اختزال تجديد الخطاب الديني في الخطبة الموحدة".

وشن باحثون وخطباء هجوماً على ما قررته الأوقاف، مؤكدين على أن وزيرها يريد بهذا القرار كسب رضاء السلطة، ويساهم في تكريس مشكلة التشدد بمصر وزيادة الفجوة بين خطباء المساجد وبين طوائف الشعب المختلفة.

وحرص السيسي منذ وصوله للسلطة على الحديث عن تطوير الخطاب الديني، "حتى لا يقع الرأي العام المصري فريسة تفسيرات مدارس الإسلام السياسي لرؤى الإسلام للقضايا المختلفة".

دعوة السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، سبق أن تسببت في أزمة كبيرة بين الأزهر، وبين وزارة الأوقاف المصرية، بسبب تنافس المؤسستين الدينيتين على البدء بتبنّي رؤية الرئيس المصري في تجديد الخطاب الديني.

الخطباء ينتقدون

وجه عدد من أئمة المساجد النقد لقرار وزارة الأوقاف بإعداد قوائم بخطب الجمعة لخمس سنوات مقبلة، وقال محمد يحي إمام مسجد بسيناء، إن القرار ليس في محله، وسيمتنع الغالبية من الخطباء عن تنفيذه كما فعلوا سابقاً في الخطبة الموحدة، لما يقتضيه من عزل القضايا الدنيوية عن القضايا الدينية، مؤكدا أن الخطب من شأنها الاهتمام بشؤون العوام، وتختلف من مكان لآخر حسب ما يهم أهله وما يشغلهم، فما يصلح لصعيد مصر، ربما لا يصلح للقاهرة.

وقال محيي، إن مسألة إحالة قائمة بالخطب إلى الرئيس السيسي أمر مثير للغرابة، مؤكدا على أنه كان من الأفضل التشاور مع الأزهر والإفتاء.

وزارة لا تعرف دورها

انتقد محمد الدويك الباحث في الشؤون الإسلامية، ما أقرته وزارة الأوقاف، مؤكداً على أن الوزارة "تتعامل على أنها مجموعة من الموظفين الإداريين، ولا تعرف دورها".

وقال الدويك، إن ما أعلنه وزير الأوقاف يمثل كتابة شهادة وفاة لخطبة الجمعة، فلا يمكن تطوير الخطاب الديني بالأمر المباشر من السلطة، لابد من وجود مناخ عام حر، وحرية فكر حقيقية ودرجة وعي عالية وثقافة لدى المطور وأفراد التطوير، ومن المفترض توفير خطباء وعلماء أزهر وعدد من المتخصصين كل في مجاله.

وأضاف أن "كل القائمين على الأمر بضاعتهم من الفقه قديمة قبل نشوء مفهوم الدولة والعلم الحديث الذي نعيشه والقانون الدولي العام ومفهوم الدولة القومية، ما يفعلونه من أجل التطوير يناسب العصر الأموي".

وتابع الدويك، "هؤلاء مشايخ لا يُستمع إليهم من قبل الشارع، بل انقسم المجتمع عليهم، كل يذهب إلى من يوافقه في الفكر، وليس للأوقاف طريقة جذب ناجحة تجمع حولها العامة، لأن تأثير خطبة الجمعة هش وركيك، وفي نفس الوقت نجد أن الفكر المتطرف له قنواته ودعاته على موقع يوتيوب وصفحات السوشيال ميديا، بينما المواطن العادي مطحون إقتصادياً، لدينا تراجع وانهزام وفجوة تتسع بين دعاة الأوقاف وبين الناس، قد يكون بسبب اللغة أو الأفكار أو انعدام المصداقية، أو ممارسات الأئمة".

وأكد الدويك على أن آليات تطوير الأوقاف للخطاب الديني كوميديا سوداء، "ما حدث مشهد في فيلم عربي يسخر من المسؤول النمطي والتقليدي ضعيف القدرات الذي يسعى وراء إرضاء مسؤوليه.. مشهد يليق بأفلام أحمد بهجت".

مضيفا: قديما لم يكن للأزهر من منافس، بينما الآن يتعرضون لمنافسة شديدة ولن يلتفت إليهم أحد إلا إذا كان لديهم شيئا مهما وجاذبا وحقيقيا ومختلفا.

وأكد الدويك على وجود تنافس سلطوي بين الأوقاف والأزهر، وهو ما استدعى تدخل الرئيس السيسي.

تكرار الخطأ

وقال أحمد بان الباحث الإسلامي، إن من المدهش تكرار وزير الأوقاف الخطأ ذاته، رغم أن الرئيس السيسي أحرجه بوضوح في مناسبة المولد النبوي الشريف الماضية، وانتقد اختزاله تطوير الخطاب الديني في توحيد الخطبة، وقال له نصاً "مش دا اللي أقصده يا فضيلة الشيخ"، وكان واضح جداً سخرية السلطة من وزير الأوقاف.

متابعا "الأوقاف تحكمها عقلية الموظف وتتعامل مع ملف بالغ الخطورة مثل تجديد الخطاب الديني بخفة شديدة، ما يحدث شكل من أشكال التطرف، لأن الخطاب الديني لا يجب أن يخضع لهواء سلطة أو فصيل".

وعن ما يجب أن يحدث قال بان، إن قضية الخطاب الديني وتجديده ليس قضية منفصلة عن قضايا التجديد في كافة المجالات، "يلزم ذلك إصلاح تعليمي وثقافي وإعلامي، لذلك يبدو التجديد مجرد ادعاءات ستختزل وتبتذل كالعادة، بهذا الشكل الذي يطرحه وزير الأوقاف".

وأضاف: "لازلنا أمام حالة من التخبط ومحاولة استرضاء السلطة على حساب الدين، لا أتصور صناعة خطاب ديني جديد أو إصلاحه بهذه الطريقة، فضلاً على أن ما تفعله الأوقاف مجرد تصرفات كما لو كانت تحرث الأرض للتطرف والإرهاب".

تعليقات الفيسبوك