داعش وإردوغان وبوتين.. كيف تتغير خرائط التحالف في الشرق الأوسط؟

الأربعاء 04-01-2017 PM 05:29

بوتين وإردوغان خلال أحد الاجتماعات - صورة رويترز

في الوقت الذي أصبحت فيه تركيا أحد الأهداف المفضلة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بات التقارب بين أنقرة وموسكو خلال الفترة الأخيرة بمثابة لعبة ماهرة وحذرة في آن واحد.

وفي حوار مع صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، قالت بروفيسور العلوم السياسية ومديرة مكتب "بلانتينج Planeting" للتحليل الاستراتيجي كارولين جالاكترو، إنه على الرغم من أن تركيا ليست الهدف الأول، لكن من المؤكد أن الوفاق الروسي التركي والسيطرة الروسية التركية الإيرانية على اللعبة السياسية في سوريا، وكذلك العملية الدبلوماسية، خلطت الأوراق بطريقة مقلقة لتنظيم داعش، الذي من الممكن أن يسعى إلى معاقبة حليفته السابقة – تركيا - أو جعلها تعيد التفكير في خطها الجديد.

وأوضحت جالاكترو أن التقارب بين موسكو وأنقرة تجاوز وهدد هامش المناورة السياسية والعسكرية وقدرات الإزعاج التي يتمتع بها داعش، بل وأيضا حالته "المتفردة" في حجم الرعب (وبالتالي قدرته على الجذب والتجنيد)، مشيرة إلى أن هذا التقارب -الذي يتحدى التواطؤ القديم للتنظيم مع أنقرة التي استفاد من رضاها بل وربما دعمها لفترة طويلة- سوف يخفف من وطأة داعش، بل وسيجعله تنظيما إرهابيا لا يختلف عن التنظيمات الأخرى، لاسيما تنظيم القاعدة.

وحول موقف إردوغان الجديد، أوضحت الباحثة أن "تحليل الوضع وأولويات السلطة التركية تغيرت، فأصبح الجلوس على طاولة المنتصرين (الذي بات بعيدا عن أيدي واشنطن، على الأقل في الوقت الحالي) أولوية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وكذلك قطف ثمار حقيقية لتحالف عسكري دبلوماسي مع موسكو، فيما يتعلق بالنفوذ والسيطرة السياسية والإقليمية، وفقا لتطورات الوضع وفي إطار توزيع الأدوار بين واشنطن وموسكو بمجرد تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية.

وترى جالاكترو أنه لا يمكن استبعاد أن تركيا لديها طموحات للجمع التدريجي للجماعات السنية المتعددة الجاهزة لمفاوضات مع موسكو والنظام السوري تحت وصايتها، وبالتالي تضمن أنقرة من خلالها نفوذا مهما في مستقبل سوريا الذي من الممكن أن يخلق مزيجا بين دولة وحدوية ولا مركزية داخلية قوية.

الأكراد الهدف السياسي الأول للسلطة التركية

توضح بروفيسور العلوم السياسية أن الأكراد لا يزالون الهدف السياسي الداخلي الأول للسلطة التركية، وأنهم يتحملون في نهاية المطاف فاتورة الإدارة المتزايدة للصراع من القوى الكبرى الإقليمية أو الدولية، مضيفة أنه ما من أحد لديه مصلحة في الاستماع أو الميل إلى مطالب الأكراد الوطنية، فضلا عن  أنهم لا يزالون مشلولين بسبب منافساتهم الداخلية الخاصة.

وتابعت "بالنسبة لهم، فإن مصلحتهم الكبرى تكمن في تطوير أو الحفاظ على قدرتهم على الإزعاج أو التدخل في اللعبة الإقليمية حتى على الأراضي التركية، وكذلك بذل المزيد من الجهود لضمان ألا ترغب موسكو في التضحية بهم بشكل كامل كأحد نتائج تقاربها التكتيكي مع أنقرة، وهذا ليس مستبعدا".

الغرب التائه

وردا على سؤال بشأن مدى مصداقية ومهارة الاستراتيجية التركية المحبذة لروسيا، أوضحت الباحثة أن المسألة ليست حب روسيا، ولكنه تقييم بارع من إردوغان للمصالح السياسية الوطنية التركية وكذلك لمصالحه الشخصية بلا شك.

وأضافت أن تركيا انتهت إلى الفهم ببساطة أنه سيكون لها ثقل كبير -لاسيما أمام واشنطن- إذا ما دخلت في تحالف مع روسيا، التي فرضت نفسها كمقرر رئيسي للمستقبل السوري، بدلا من الوقوف في وجهها، وأمام هذه الواقعية الباردة، لا يزال الغرب في مرحلة الاندهاش دون القدرة على الإفاقة.

وترى الباحثة أن الغرب يعاني من صعوبة كبيرة في فهم حجم الانقلاب الاستراتيجي الذي يحدث، وهو انقلاب عالمي لا يشكل الشرق الأوسط سوى أحد مسارحه.

وبحسب جالاكترو، فإن الخطوط السياسية تتغير وباتت تصطدم بطريقة التفكير الغربية المريحة، فالبعض يلقي باللوم على الضعف الأمريكي حينما يحاول شرح السيطرة المتزايدة للروس، حتى وصل الأمر ببعض المحللين إلى القول إن أمريكا لم يكن لها دخل بشكل حقيقي في الصراع السوري، بينما شاركت بالفعل في اضطراب الدولة السورية من خلال جماعات متمردة تقودها واشنطن، إلا أن هذه الاستراتيجية القائمة على نظام التغيير العنيف التي شاركت فيها الدول الأوروبية بفاعلية فشلت بشكل واضح.

وتابعت "حتى عدم التورط في الحرب ليس حلا، فالأخطر يكمن في خروج القادة الغربيين بعد كل اعتداء إرهابي لتأكيد رغباتهم في قتال الإرهاب الإسلامي الذي يستهدف باستمرار المجتمعات الغربية، في حين أن الجميع يرفضون بإصرار استغلال الفرصة الاستراتيجية لتشكيل جبهة مشتركة غربية روسية في هذا الصراع".

وتشير الباحثة إلى أن واشنطن أو الإدارة المنتهية مدة ولايتها تبذل كل جهدها من أجل حبس الرئيس الجديد في فخ يمنعه من مشروع إعادة رسم العلاقات مع موسكو، سواء من خلال وضعه في موقف غير القادر على التحرك الاستراتيجي أو الخوف من أن يتم اتهامه بالخيانة من الرأي العام الأمريكي المغسول دماغه من الإعلام، دون التفكير في المصالح الوطنية التي ستعود من خلال الشروع في حوار ذكي مع روسيا.

تعليقات الفيسبوك