عبد الحليم عبد الله
عبد الحليم عبد الله

الذهاب إلى مناطق النزاع ليس "مغامرة" على الإطلاق!‏

الأربعاء 14-12-2016 | PM 02:44

لطالما أردت زيارة اليمن منذ سنين طويلة ولكن لم تتح الفرصة لي للقيام بذلك. فأنا معجب جداً بالسياق الفريد لهذا البلد –الذي لا تتطرق إليه وسائل الإعلام الرئيسية على النحو الكافي– بالإضافة إلى الطعام الشهي والطبيعة الخلابة اللذين يتميز بهما. أنا أعمل مع فريق التواصل الإعلامي في منظمة أطباء بلا حدود في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي شهر أغسطس، تمكنت من زيارة اليمن في أول زيارة ميدانية لي إلى هذا البلد من أجل مساعدة الفرق الطبية التابعة للمنظمة في توثيق عملها.

بغية الوصول إلى هذا البلد، ركبت طائرة متجهة إلى جيبوتي مروراً بأديس أبابا. ومن جيبوتي، يركب كافة عمال الإغاثة المتجهين إلى صنعاء أو عدن أحد الزوارق أو الطائرات المخصصة للمنظمات الإنسانية؛ فذهبت إلى اليمن عن طريق إحدى الرحلات الجوية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود ولكن في طريق العودة استقليت أحد الزوارق التابعة للمنظمات الإنسانية. وبعد ساعات طوال من السفر بلغت الأربعة والعشرين ساعة، وصلت إلى مطار عدن منهكاً ويغلبني النعاس، ولكن ذهني كان متيقظًا لعلمه بأني سأواجه العديد من الأمور.

في اليوم الأول لي في اليمن، ذهبت لزيارة مستشفى منظمة أطباء بلا حدود في عدن. وفي حوالي الساعة الثامنة صباحاً، هز انفجار ضخم بناء المستشفى. وبعد مرور عدة دقائق، بدأنا نسمع صوت صفارات سيارات الإسعاف منبئة بقدوم عدد كبير من المرضى. كافة أفراد طاقم المستشفى من اليمنيين، باستثناء عدد قليل من الفريق الدولي، وتقطن عائلاتهم وأصدقاؤهم بالقرب من مكان وقوع الانفجار. وهم معتادون على حالات الطوارئ ويواظبون على العمل لساعات إضافية بكل سرور. عندما بدأ وصول المرضى، ترك جميع الأشخاص في المستشفى العمل الذي كانوا يقومون به من أجل تقديم المساعدة بغض النظر عن المنصب الذي يشغلونه. وأسرني شعورهم بالانتماء لمجتمعهم والإيثار الذي يتحلون به. وكما هي العادة، فقد كنت أنا منهمكاً في تغطية الأحداث وتوثيقها. ومع انقضاء ذلك اليوم، أدركت كيف يمكن أن تقدم مساهمتي المتواضعة هذه معنى لبقية حياتي.

وفي اليوم السابع من زيارتي إلى اليمن، أجريت زيارة إلى مستشفى تقوم منظمة أطباء بلا حدود بتقديم الدعم له ويقع في بلدة التربة في جنوب محافظة تعز.

كان طريق الإمدادات الرئيسي بين عدن والتربة يتعرض للقصف وتحول إلى خط جبهة تدور حوله المعارك. وكان السبيل الوحيد للوصول إلى بلدة التربة هو عن طريق قيادة السيارة في أرض وعرة بين الوديان في رحلة استمرت خمس ساعات. وفي التربة، قمت بزيارة مدرسة تم تحويلها إلى مخيم للنازحين القادمين من الأجزاء المحاصرة في تعز، ثم التقيت بالأطباء الذين يعملون في المستشفى الذي تقوم منظمة أطباء بلا حدود بتقديم الدعم له في التربة. وشرحوا لي سبب عدم إحالتهم المرضى إلى مستشفيات عدن نظراً إلى صعوبة الطريق وأنهم أصبحوا يحيلون المرضى إلى المستشفى الذي تقدّم منظمة أطباء بلا حدود الدعم له والذي يقع في مركز المدينة في تعز.

وفي آخر ليلة أمضيتها في اليمن، جلست مع زملائي على سطح مستشفى منظمة أطباء بلا حدود في عدن وفكرت ملياً بالعمل الذي تقوم به هذه المنظمة في الميدان وبدورنا نحن كعاملين في المجال الإنساني. وأدركت بأن هذه الزيارة، التي يمكنني أن أعتبرها "مغامرة"، تمثل في الواقع المعاناة اليومية لملايين اليمنيين. قد تعتبرعائلتي وأصدقائي أنني انسان متفانٍ أو ربما "بطل" لأنني ذهبت إلى منطقة تشهد نزاعاً مسلحاً، ولكنني لم أبق هناك سوى عشرة أيام وأمضيت معظم الوقت داخل منشآت منظمة أطباء بلا حدود وتحت إجراءات أمنية مشددة. ليس هناك بطولة في أن تكون عاملاً في المجال الإنساني تنتقل من مهمة إلى أخرى. فالعاملون في مجال المساعدات يتلقون أجورهم ويسافرون ويمتثلون للإجراءات الأمنية المشددة كما يتم إخلاؤهم في حال تدهور الوضع نحو الأسوأ. طبعاً هناك مخاطر بشكل دائم، ولكننا نتقبلها بصدر رحب كجزء من عملنا.

يحاصر الموت اليمنيين في كل مكان من اليمن. فقد يموت الإنسان جرّاء تفجير انتحاري أو غارة جوية أو قصف مدفعي أو طلقة أطلقها أحدهم احتفالاً بمناسبة سعيدة. وفي حال نجح الإنسان بالبقاء على قيد الحياة ليوم آخر، فإنه سيواجه قيوداً على حركته لا حصر لها. والسبيل الوحيد المتاح لخروج اليمنيين من البلد هو عن طريق الرحلات الجوية التجارية إلى الأردن أو مصر أو عن طريق رحلة بحرية من عدن إلى جيبوتي تستغرق 13 ساعة ومن ثم ينتقلون إلى وجهة أخرى. أما في داخل اليمن، يتطلب الذهاب من مكان إلى آخر المرور عبر عدد كبير من نقاط التفتيش وهناك خطورة كبيرة على المسافرين بعد حلول الظلام. ولا يستطيع أغلبية اليمنيين الحصول على الرعاية الصحية اللازمة ولا تتوفر لهم فرص العمل، ويواجهون في الوقت عينه تضخماً هائلاً في قيمة عملتهم.

لقد عانى اليمن من الحروب الأهلية منذ استقلاله في ستينات القرن المنصرم. ويسمي اليمنيون الحرب الأهلية في عام 2014 "بالحرب الرابعة". وعلى الرغم من كل هذه الظروف الصعبة، يتابع اليمنيون حياتهم اليومية في ظل الحرب الأهلية ولم يفقدوا حس الفكاهة والكرم والترحاب بضيوفهم.

من الجلي بالنسبة لي بعد رحلتي القصيرة هذه، بأن الأبطال الحقيقيين هم الشعب اليمني الذي يصارع للبقاء على قيد الحياة في حرب لا أفق لنهايتها. وبالنسبة إليهم، الأمر ليس بمغامرة مؤقتة بل واقع يعيشونه كل يوم.

*إذا كنت تريد أن تتعرف أكثر عن منظمة أطباء بلا حدود أو أن تنضم إلى فريق منظمة أطباء بلا حدود يمكنك زيارة: www.msf-egypt.org

* منظمة أطباء بلا حدود منظمة دولية مستقلة تعنى بالشؤون الإنسانية الطبية وتقوم بإيصال المساعدات الطارئة في حوالي سبعين بلداً حول العالم للأشخاص المتضررين جرّاء النزاعات المسلحة والأوبئة والكوارث الطبيعية بالإضافة إلى الأشخاص الذين لا تشملهم الرعاية الصحية. يمكنك زيارة موقع المنظمة على: www.msf-egypt.org

 

تعليقات الفيسبوك