فاطمة رمضان
فاطمة رمضان

العيش والحرية بين مصر وتونس.. مشاهد من هناك

الخميس 01-12-2016 | AM 10:39

خمس سنوات ونصف مرت على اندلاع الثورة في تونس، والتي كانت الشرارة التي أشعلت ثورات في الكثير من البلدان العربية، كان أولها مصر. وإلى الآن لم تتحقق شعارات الثورات في البلدان التي شبت فيها الثورات، والتي تمثلت في "العيش... الحرية ...العدالة الاجتماعية".

وبالرغم من أن الثورة في تونس لم تحقق أهدافها مثلها مثل مصر، إلا أن كثيرين يرون أن الوضع مختلف في تونس. وجهة النظر هذه ترى أن الفارق كان في وجود قوى منظمة في تونس وعلى رأسها الاتحاد التونسي للشغل والذي كان طرفا فاعلا في كل المحطات المهمة بعد الثورة. وعلى الرغم من أن هناك فارقًا على مستوى الحريات بين البلدين، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا تختلف كثيراً، فتونس كمصر تلجأ للمزيد من القروض.

لذا عندما ذهبت في زيارة مؤخراً لتونس كنت مهمومة بشكل أساسي بمعرفة آراء التونسيين فيما يحدث في بلدهم، وتقديرهم للأوضاع قبل الثورة وبعدها، وكيف يرون اتحاد الشغل التونسي. ويظل ما أكتبه هنا مجرد مشاهد أولية لم تتح لي الفرصة لتعميقها، ولكنها في الأساس معبرة عن رؤية المواطن العادي في الشارع التونسي. وقد لاحظت أن آراء المواطن العادي في تونس لا تختلف كثيراً عن رأي المواطن في الشارع المصري.

- المشهد الأول: مقهي بسيدي بوسعيد

لما كان الزبائن قليلين في المقهى، وفي المنطقة كلها مثلما هو الوضع لدينا في خان الخليلي أو في كل المزارات السياحية، كان عامل المقهى يذهب ليقضي مطالب الزبائن، ثم يعود ليتحدث معنا عن الأحوال التي لم تعد تسر، وعن جيل الشباب "اللي باظ وما عادشي بيحترم حد". أمام طاولتنا يجلس رجل ستيني أسمر يبدو أنه سبقنا للمقهى، لم يكن يطلب شيئًا من عامل المقهى الذي أتى فوضع أمامه كأساً من العصير، وأشار لشخص آخر داخل المقهى كونه قدم له كأس العصير كهدية، وبدوره شكر الرجل الأسمر المضيف. بعدها أتى عامل المقهي ليجلس معنا، وبدأ كلامه بقوله "هل تعرفون من هذا؟"، ولم يكن ينتظر منا رد فأكمل هذا كان صاحب أكبر "ملهى ليلي بتونس"، وأخذته منه زوجة بن علي لتحوله لمحل للمساج، ويكمل كلامه "بعد أن كان هذا الرجل ذو سطوة ومال ومحاط بأجمل نساء، أصبح الآن لا يجد طعامه". وأنهى عامل المقهى كلامه معنا ونحن ندفع الحساب بأن لديه أمنيه، وهي أنه يريد فانلة النادي الأهلي من مصر!!

- المشهد الثاني: القطار من تونس العاصمة إلى مدينة الحمامات عبر برج السدرية

بعد أن قمت بقطع تذكرة القطار ذهبت للحمام، فوجدت لافتة أمامه مكتوب عليها "200 مليم .. الدفع مسبقاً"، فقلت في نفسي ما أشبه مصر بتونس. توجهت لاستراحة المحطة لأمضي فيها الوقت المتبقي حتى موعد القطار الذي سيقلني من تونس إلى برج السدرية، ثم أستقل قطارًا آخر منها للحمامات، لكني لم أستطع الجلوس طويلاً لكون التهوية فيها غير جيدة وبالتالي فضلت الوقوف علي المحطة بدلا من الجلوس بها. في الوقت القصير الذي مكثته في الاستراحة، وجدت التلفزيون يذيع نفس الإعلان الذي يذاع في مصرعن ماكينة صبغ الشعر "بيلي-انجل".

في القطار كان هناك تكذيب لكل ما قاله مدير شركة النقل -الذي سوف آتي لذكره فيما بعد- والذي قال إن التونسيين جميعهم يعيشون حياة كريمة، ولا يوجد بينهم من يتسول أو يتجول في الشوارع ليبيع بضاعته. فبعد أن تحرك القطار مباشرة مر عليّ العربة التي أجلس بها رجل عجوز يتسول ويردد كلمات لم أفهم منها الكثير ما استطعت فهمه جملة "حشاكم أكبر مصيبة المرض...سيدنا محمد"، ثم مر شاب يبيع البقسماط، فطلب منه أحدهم عدد 2 بقسماطة فقال له بـ150 مليم، فحاول الراكب أن يعطيه 50 مليم ويأخذ البقسماطتين ولكن البائع رفض. ثم مر بالعربة طفل يوزع على الركاب أوراق نتائج بها آيات قرآنية، ويعيد جمعها أو جمع ما يعطيه له الركاب من أموال.

أهم ما في رحلة القطار هو أن الآثار الوحيدة التي وجدتها لشعارات الثورة كانت على جدران المحطات، والتي يكاد بعضها ينمحي بسبب عوامل التعرية. فيما يلي سوف أكتب بعض مما استطعت قراءته والقطار يتحرك: "ما نيش مسامح في اللي نهبوا البلاد...التشجيع مستمر 2011"، و"المناظرة أيها الأراجوز الأبله"، و"لا للتعذيب...اطلقوا صراح نبيل..."، و"ماتوا رجال...عاشوا رجال"، و"حركة النهضة حركة إرهابية"، و"التوحيد للحركة العمالية"، و"نيران جانفي ما زالت مشتعلة....ارفعوا رؤسكم رفاق الدرب"، و"ما تنساش...دم الشهداء مش ببلاش"، وأمام محطة برج السدرية كشك مكتوب عليه "كشك ثورة جانفي".

كانت محطة برج السدرية هي محطة التبديل من القطار الذي أقلني من تونس العاصمة لقطار نابل، والذي سوف يقلني لمدينة الحمامات. انتظرت في محطة برج السدرية ما يقرب من الساعة ونصف (ضمنهم ساعة إلا ثلث بعد موعد القطار المكتوب بالتذكرة)، كلما سألت منتظرين مثلي متى سيأتي القطار يردون “بييجي”. ذهبت من الحمامات إلى تونس العاصمة في الميكروباص في حوالي ساعة ونصف، وعدت عبر القطارات في أكثر من أربع ساعات.

قابلت في المحطة شابة عمرها 18 سنة كانت تنتظر القطار مع أمها، قالت إنها تعمل في المحطة في قطع التذاكر، وأرجعت سبب تأخر القطار لترك عدد من العمال العمل في الشركة التي تقوم بإدارة القطارات، لأنها غيرت قواعد العمل وزادت ساعات العمل بدون زيادة في الأجور. وعندما سألتها ألم يتقدموا بشكاوى، وهل لجأوا لاتحاد الشغل، قالت إن التقدم بالشكاوى لا يجدي كثيرا، وإنه لم يقف معهم أحد.

وبسؤالها عن متوسط أجور العاملين، قالت إن من يعملون بالحكومة يتقاضون حوالي 500 دينار (الدينار يوازي حوالي 4 جنيهات)، وإن من يعملون بالمعامل (المصانع) الخاصة يتراوح ما يتقاضونه شهرياً ما بين 300 و500 دينار، وإنهم ليسوا جميعاً مؤمنا عليهم، فمنهم من يمضي بالعمل بالشركة شهور وسنوات ولا يؤمن عليهم، وإذا تأخر ساعة يقول له صاحب العمل "روح".

وجلست في القطار المتجه لنابل بجوار عامل، عرفت أنه عامل محارة وتركيب أسقف، وأنه يعمل باليومية أو بالمتر، وتبلغ يوميته 30 دينار، وقال إنه ليس مؤمنا عليه من قبل صاحب عمل، لذا فقد قام بالتأمين على نفسه ولكن بمبلغ ضئيل. وبسؤاله عن النقابات، ذكر أن النقابات موجودة في المصانع والشركات التي يعمل بها العمال بشكل منتظم، أما من لا يعملون بشكل منتظم فلا.

- المشهد الثالث: مترو العاصمة

في مترو ضواحي العاصمة، كنا نجلس أربعة أشخاص في كرسيين متقابلين أنا وشيخ تجاوز السبعين، ورجل تجاوز الخمسين وشاب كفيف عمره 18 سنة يعيش مع أسرته في فرنسا ويدرس الحقوق، وجاء ليقضي الإجازة في تونس، ويفكر في مصر البهية بشكل طوباوي وهي بالنسبة له الجنة، فهي مصر طه حسين والشيخ أمام وأحمد فؤاد نجم.

بدأ الحديث بأن الشاب لم يأت لتونس منذ أكثر من عشر سنوات، وأنه جاء هذا العام لقضاء الإجازة في تونس، وأنه نادم لذلك، فهو يجد صعوبة في أن يتحرك وحده كما يفعل في فرنسا، كما أنه لا يعجبه ما وصلت إليه الأحوال. وبدأ الرجلان الآخران يقولان له لا تقل هذا فهي بلدنا ونحن نحبه مهما حصل، وتطرق الحديث إلى سرد ما حدث منذ الثورة وحتى الآن، ودافع الرجل الخمسيني عن أهمية قرار الوقوف في وجه حزب النهضة، فيما أنهى الرجل السبعيني كلامه بأن الأحوال ستصبح أحسن بإذن الله.

- المشهد الرابع: داخل تاكسي من مدينة الحمامات القديمة إلي مدينة الحمامات الساحلية

 بعد أن فهم سائق التاكسي من لهجة كلامي أني مصرية وتأكد من ذلك، وبعد سؤاله عن الأحوال في مصر، سألته عن الأوضاع في تونس فذكر أن 95% من الشعب التونسي نادم على خروجه على بن علي، وأكمل "إحنا كان عندنا سارق واحد، الآن اللي بيسرقوا كثير، دائما ما نسمع وعود من السياسيين لا تتحقق".

وعندما قلت له إنه لو كانت الأحوال جيدة لما خرج الشعب التونسي على بن علي، وذكرته بالشاب التونسي بوعزيزي الذي أشعل النار في نفسه، فخرجت الشرارة من جسده لتشعل المنطقة العربية كلها بالثورات علي الظلم والطغيان، رد عليّ بأن بوعزيزي كان لصا وسارقا، وسألني "كيف كانوا يتركونه يشغل الشارع؟ فإذا كان هو يبيع في الشارع فأين تسير السيارات؟". فهمت من رده وآخرين بأن الثورة المضادة تعمل هناك على قدم وساق في الإعلام لتشويه الثورة والثوريين كما يحدث في مصر تماماً.

- المشهد الخامس: داخل سيارة من تونس العاصمة إلى مدينة الحمامات

في العربة التي نقلتني من المطار إلى مدينة الحمامات، والتي كان يقودها مدير شركة الانتقالات بدأنا الكلام عن الأحوال، وذكر أن الأمور لم تعد كما كانت سابقاً، فسابقاً بالإضافة لراتبه الشهري كان يعود بشكل يومي بما لا يقل عن 50 دينار"تيبس"، أما الآن فلا يدخل له سوى راتبه الشهري فقط. وأكمل بأن المواطن التونسي لا يهمه سوى أكل عيشه، وأنه يشغله الآن دخلة العيد والمصاريف الإضافية، كما يشغله دخلة المدارس وما يستتبعها من مصاريف إضافية، وكيف يذهب للشاطئ، وسألته عن نسبة من يذهبون للمصايف قال إن جميع التونسيين يذهبون للمصايف.

وبسؤاله عن رأيه في الاتحاد التونسي للشغل، قال إنه سبب الخراب في البلاد، وبسؤاله لماذا؟ قال إنه في أيام حكم حزب النهضة تم تنفيذ أكثر من ألفي إضراب، وتساءل كيف لدولة تبدأ من جديد بعد الثورة أن تقف على أقدامها مرة أخرى وعمالها يقومون بكل هذه الإضرابات؟ وعندما ذكرت له أن الثورة قامت من أجل تحسين أوضاع الفقراء وعلى رأسهم العمال، فكيف تستنكر عليهم أن يضربوا ليطالبوا بحقوقهم، قال إنهم يأخذون حقوقهم كاملة ومع هذا يضربون. طلبت منه ذكر مثال لأحد الإضرابات التي رأى أنها تخريب، فذكر إضراب عمال شركة في فترة تسليم المنتج، فما كان من صاحب العمل -المسكين على حد قوله- إلا أن أضطر لأن يوافق على مطالبهم. وكان رأيه في أحد الإضرابات التي طالب عمالها بمساواتهم في الأجور بعمال نفس الشركة في أوروبا، أن هذا غير منطقي "لأننا لا نعيش في أوروبا". مضيفًا أن هذه الإضرابات هي سبب ترك المستثمرين تونس وإغلاق معاملهم (مصانعهم).

- المشهد السادس: لقاء مع نقابيين

في لقاء مع اثنين من النقابيين -أحدهما معلمة في مدرسة ثانوية- ذكرت لها آراء بعض التونسيين في الاتحاد التونسي للشغل، فردت بأن الاتحاد التونسي للشغل يدافع عن حقوق العمال في النقابات التابعة له، وتحدثت عن عمال وعاملات أحد مصانع النسيج الذين أرادوا تأسيس نقابة فتم فصل المجموعة التي كانت تسعى لتأسيس النقابة، وظلوا مفصولين فترة طويلة، مضيفة أن الاتحاد التونسي للشغل سعى من خلال علاقاته بالاتحادات العمالية في الدول التي توجد بها مصانع لنفس الشركة متعددة الجنسيات حتى عاد العمال والعاملات لأعمالهم.

تعليقات الفيسبوك