محمد موسى
محمد موسى

الدولة لا تطارد المساطيل

الأربعاء 30-11-2016 | AM 03:51

نعم لو كان نجيب محفوظ حيا لحاكمناه، بتهمة الانتماءلطائفة المحذرين من الطوفان. هذا بلاغ للناس والبرلمان، وإن جاء متأخرا.

أبو المعاطي مصطفى، مأمور الضرائب الذي وجد نفسه نائبا مفوضا باسم "كل مواطن في الدولة المصرية" لتعريف الأدب وقلة الأدب، اعتبر أن "الدستور عمل بشري، وأن أدب نجيب محفوظ خادش للحياء". صرخ "فارس المظلومين"، كما يسمي نفسه على صفحته، بأن "السكرية وقصر الشوق فيهما خدش حياء، ونجيب محفوظ يستحق العقاب، لكن لا أحد حرَّك الدعوى الجنائية".همستالنائبةالمصدومة نادية هنري وهي تنظر ناحية الصحفيين: يا نهار أسود، هيودونا في داهية.

أضيف لبلاغ أبو المعاطي رواية أخرى هي "ثرثرة فوق النيل"، نشرها محفوظ 1966، رغم أنها نبوءة مدهشة للنكسة التي ستحل في 1967.

الطريق إلى الهزيمة بدأبطرد الشعب من الحلبة، وإجبار الجميع على الغناء في حب مصر، في كورال واحد اسمه الاتحاد الاشتراكي. البعض كان يقدس الزعيم ويراه نصف إله لا يخطئ، والبعض ينافق الاشتراكية ويحلم بليالي الأنس في المعمورة،فيمايفضل بعضهم الانسحاب إلى غمامة زرقاء ما خاب من يدخلها، وهي المخدرات.

في عوامة قرب الكيت كات اصطادهم محفوظ، وصورهم في روايته. رفاق الجوزة والتعميرة وليالي الأنس والثرثرة. "لسنا أنانيين بالدرجة التي تتصورها، لكننا نرى أن السفينة تسير دون حاجة إلى رأينا أو معاونتنا، وأن التفكير بعد ذلك لن يجدي شيئا، وربما جر وراءه الكدر وضغط الدم".

في زمن الإقصاء والتخوين، حيث "الجد والهزل اسمان لشيء واحد"، يصبح الوقت عدوا يجب قتله، حتى بالمخدرات. ويصبح الزعيم هو الواحد الفرد، المقصود بالدعاء والتوسل والتراتيل. لكن محفوظ يحذره مستدعيا صوت الحكيم الفرعوني إيبو- ور: 

إن ندماءك كذبوا عليك

هذه سنوات حرب وبلاء 

تتهاوى كل إنجازات الستينيات مقارنة بسلب الحرية والأمل والإنسانية، وآلة التعذيب الرهيبة التي أسكتت الجميع، وألجأت كل مواطن إلى عوامته. يقول أنيس مبررا السرقة: نحن نعتبر جميع ما تقع عليه اليد في العوامة من القطاع العام.

يعرف أنيس أن الدولة سعيدة بحالة "الانسطال" العام، وفي إحدى توهاته المخدرة، "سأله أحدهم عن المخبرين، وهل يراقبون تاجر الحشيش حقا، فأجاب بأنهم يراقبون المفيقين لا المساطيل".

يتوه مرة أخرى فيتذكر الزعيم القريب البعيد، ويخاطبه بالفرعوني:

لديك الحكمة والبصيرة والعدالة

لكنك تترك الفساد ينهش البلاد

انظر كيف تمتهن أوامرك 

خادش الحياء نجيب محفوظ كتب هذه الرواية "البذيئة" تعليقا على سنوات كتم الأصوات وملاحقة المعارضة والفساد البازغ، رغم إنجازات التعليم والمصانع والقطاع العام، "وما أدراك ما الستينيات" حين تحولت سجنا.

يسأل أحدهم بهدوء: حتى متى نبقى في هذا السجن؟

يأتيه الرد: مكثنا ساعة.

فيسأل: ولماذا لم ننتحر؟

من يريدون إخراج نجيب محفوظ من قبره ليحاكموه يضيعون وقتهم بمشروع لقانون خدش الحياء في زمن الإنترنت، مجرد "كلابش" فائض للاستخدام عند الحاجة على طريقة الستينيات. نضع المشروع مع قوانين الجمعيات الأهلية والنقابات والإعلام، مع كل السوابق الوارفة لهذا البرلمان في التضييقوالملاحقات، ونترك الجميع وديعة في يد التاريخ الذي لن يكذب عندماسيحكيعن زماننا وأهله.

خدش الحياء هو هذا النوع من الحوارات عن أدب محفوظ، وعما قليل ينتقل خدش الحياء إلى المجالس المحلية التي تشكلها الآن جهاتسيادية، ولن يكون هناك نادية هنري لتصرخ: هيودونا في داهية.

تعليقات الفيسبوك