النجارة والحياكة والإسكافي..مهن تعود للحياة مع تعويم الجنيه

الجمعة 11-11-2016 PM 04:41

احدى العاملات بالحياكة..صورة لأصوات مصرية 9/10/2016

"الكائن الحي القادر على التكيف مع البيئة، ومفاجآتها يستطيع الاستمرار في البقاء، أما الذي يخفق في التكيف فمصيره إلى الزوال". نظرية علمية عن التكيف الإجتماعي، بذكاء استوعبها المواطن المصري سريعاً، وطبقها على كافة نواح حياته، فأعاد مهن كادت أن تندثر "كالحياكة والنجارة والإسكافي" لمقابلة الأزمات الإقتصادية التي يمر بها، خاصة بعد خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بحوالي نصف قيمته على الأقل.

وأعلن طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري في الثالث من نوفمبر تعويم الجنيه بترك تحديد سعره للعرض والطلب.

وفي اليوم ذاته أصدرت الحكومة قرارا بزيادة أسعار البنزين والسولار، وغاز السيارات وأنابيب البوتاجاز والمازوت، من يوم الجمعة الماضي.

حياكة زمان تعود بحداثة اليوم

بعدما كاد أن يختفي من حياتنا مشهد "الخياطة" المتكرر والملازم لأفلام الأبيض والأسود، بدأ يعود وبقوة مع ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه، لكن بشكل أقل تكلفة وأكثر حداثة. واستطاعت وسائل التواصل الإجتماعي والشبكة العنكبوتية تسهيل التواصل بين "الترزي" والزبون من خلال صفحات على الموقع الشهير" فيس بوك"، كما أمدتهم بأحدث التصميمات، وغيرها مما يقبل عليه الجنسان، وزاد الطلب لدرجة فتحت فرصا جديدة للعمل وتعليم البعض تلك المهنة.

منى التوني، "الترزي" في منطقة المقطم والتي تعمل في تلك المهنة منذ قرابة 30 عاماً، تؤكد على انتعاش مهنتها منذ نحو ثمانية أشهر تقريباً بعد ارتفاع الدولار، لدرجة زادت معها نسبة العمالة لديها من ثلاثة صنايعية إلى تسعة، كما أنها فتحت قسما لتدريب فتيات وبنين من دور الأيتام بمقابل مادي.

وتقول منى، إن زيادة الأسعار أتت إلينا بزبائن جديدة، بعضهم يأتي وفي يده تصاميم من دول مختلفة ويطلب منا تنفيذها له، "فنخيط" البنطلون والفستان والقميص، والجلابية وغيرها سواء من "الكاجوال أو السواريه"، وكذلك أصحاب المقاسات الكبيرة، والتي لا يوفرها الجاهز.

وعن الأسعار تقول، إن سعر البنطلون يتكلف خامة وتفصيلا قرابة 120 جنيها، وكذلك البلوزة الحريمي. وتسترسل قائلة إنه "بينما تزيد أسعار الفساتين السواريه عن أربعة آلاف جنيه، تكون تكلفة الفستان عندنا قرابة ألف أو أكثر قليلا على حسب الخامة والموديل، ولكننا لا نصل أبداً الى أسعار الملابس الجاهزة." وتتابع أنه حتى من كانت تقوم بشراء الفستان من المحلات، تأتينا "لتقفيله" عليها من حيث الأكمام والظهر لأن أغلبيتها تكون مفتوحة الظهر وبدون أكمام.

وتشير منى التوني إلى أن زبونا آخر ظهر على الساحة لم يكن موجودا من قبل، وهو زبون ملابس العرائس العالمية مثل "فروزين والسندريلا وفلة" وغيرهن، وملابس "الهالووين" والالعاب الرياضية "كالكاراتيه والجودو"، وعن أسعارها تقول، الفستان خامة وتفصيلاً يتكلف قرابة 150 جنيهاً فقط، بينما يباع بالمحلات بأسعار أكثر من ذلك بكثير.

ولازدهار الحياكة فوائد أخرى، كعودة التطريز السيناوي والعريشي مجددا، حيث يُستخدم في تطعيم الملابس. وتقول منى، إن هذا النوع من التطريز كان قد أوشك على الاندثار، إلا أن الإقبال على الأعمال اليدوية استطاع احياء ذاك الموروث الشعبي مرة أخرى.

وتشير إلى أنها كانت تمتلك فيما مضى محلا لبيع الملابس الجاهزة، وتستورد البضاعة من الخارج، "وكان لي زبوني إلى أن بدأ سعر الدولار في الزيادة، فقمت ومعي قرابة عشرة من أبناء مهنتي، وذهبنا إلى مسؤولين، وقدمنا مقترحا بإقامة مصنع.. إلا أن الأمر بقى حيز المماطلة والوعود بتنفيذ المشروع ولم يتحقق أي شيء".

كريم ترزي..صورة لأصوات مصرية 9/10/2016

زيادة الإقبال على حياكة الملابس، ساهم في توفير فرص عمل وتدريب البعض أيضا. يقول كريم سيد، أحد العاملين مع منى التوني، إن الأحداث الاقتصادية الأخيرة شجعت البعض على تعلم تلك المهنة، "فبدأ شباب دور الأيتام يفدون إلينا"، ويشير إلى أن ورشة الحياكة توفر للمتدربين "الإقامة والمأكل وفي نهاية كل شهر يأخذون مكافأة تتراوح بين 1500 جنيه وألفي جنيه".

وتقول سميرة محمود، إحدى فتيات دور الأيتام وهي متدربة في الورشة، إن الورشة توفر لها تعليما جيدا للمهنة ومرتبا أيضا "ما يتيح لي المجيء في الوقت الذي أريده، بحيث استطيع اكمال تعليمي وتحقيق هدفي من دخولي كلية الهندسة، حيث أدرس في معهد الآن وبعد عامين أنتقل منه مباشرة الى الهندسة".

حسن النجار..صورة لأصوات مصرية 9/10/2016
 

النجارة تنهض من جديد

مع ارتفاع الأسعار لم تجد أم عبير حلا أفضل من إرسال غرفة نوم بناتها الى "الأسطى" حسن النجار، لإصلاحها وطلائها من جديد بعدما تهالكت، في حين ارتفع سعر الغرف الجديدة إلى ما يزيد عن 15 ألف جنيه على حد قولها.

أم عبير واحدة من كثيرين يتعامل معهم حسن نعمان، الذي يقطن في مساكن أطلس بالمقطم، ويقول نعمان إن ارتفاع الأسعار أجبر الزبائن على البحث عن الأقل تكلفة "كل من يقوم بتجهيزات الزواج يلجأ الى الخامات المحلية والنجارة، وقد زادت النسبة في الأشهر الأخيرة."

ويدلل حسن على كلامه بقوله، إن غالبية المعارض التي كانت تتاجر في الغرف المستوردة أو الجاهزة، أغلقت "كان لدي معرض الا أن الخسارة المتعددة وضعف إقبال الزبائن عليه أجبرني على غلقه، والتركيز مع الصناعة بخامات محلية، أجود صناعة وأقل تكلفة."

النجار الأشهر و"اللي ايده تتلف في حرير" كما يصفه البعض، يستطيع تجديد غرف النوم والصالونات المتهالكة بمنزلك بأسعار أقل، ويستعرض حسن بعض الغرف التي أعاد إليها رونقها مرة أخرى، ويشير إلى "أنتريه" يجري تجديده في ورشته قائلا إن "الغالبية العظمى هنا تلجأ الى اصلاح أثاث غرفها، منها تلك الغرفة". وتابع "أتى اليَّ الأنتريه قديما متهالكاّ وأعدت إصلاحه بصعوبة وهو الآن في طور الطلاء ثم التنجيد، لو اراد الزبون شراء جديد حتما سيدفع ما يزيد عن 20 ألفا نظرا للزخارف وخاماته الجيدة، ولكن إصلاحه تكلف 1500 جنيه فقط."

ويتابع نعمان، أن ما يزيد من إقبال الناس على التصنيع والنجارة هو تنفيذ أحدث الموديلات بخامات أجود وتكلفة أقل، "الجاهز يمتاز بجمال التصميم والالوان دون الخامة، بينما تستطيع النجارة الجمع بين حداثة الموديل وجودة الخامات".

وندد نعمان بارتفاع الأسعار، ويقول إن "كل قطعة خشب زاد سعرها الضعف، أعمل نجارا منذ 25 سنة، ولم أر ارتفاعا في الأسعار مثلما رأيت تلك الفترة، زاد لوح الابلاكاش من 300 إلى 400 جنيه، وزاد لوح "الكنتر" من 70 الى 100، بينما زاد متر الزان قرابة ألف جنيه".

محمد الإسكافي..صورة لأصوات مصرية 8/10/2016
 

إسكافي باب اللوق

على رصيف شارع التحرير بباب اللوق، فرش محمد عبد الحميد على الأرض بضاعته من الأحذية المُستعملة إلى جانب صندوق صغير يمتلئ بأنوع من "الورنيش" كعادته منذ 35 عاما. ما أن يظهر بالشارع حتى يتوافد عليه المارة، بعضهم يشترى أحذية مستعملة بعد مساومة، وبعضهم يحمل كيسا بلاستيكيا به أحذية يريد إصلاحها.

عم محمد، لا يتابع ارتفاع أسعار الدولار ولا يعلم بها، ولذا لم يقرن إقبال الناس على إصلاح أحذيتهم في الأشهر القليلة الماضية، بارتفاع سعره أمام الجنيه، ولذلك ظل يردد "الناس تعبانة.. اقبالهم زاد على الأحذية المستعملة لارتفاع الأسعار، بعد ان كنت أعمل ثلاثة أيام في الأسبوع، اصبحت أعمل كل يوم تقريبا، لانني أولا أعول نفسي، وادفع إيجار 350 جنيه غير فاتورة الكهرباء والمياه، ثانياً لأن عدد الزبائن زاد مؤخراً."

وعن الأماكن التي يجلب منها بضاعته، يقول إن "بائع الروبابكيا يجمعها لي واشتريها منه، وأسعارها للزبائن تبدأ من ثمانية جنيهات إلى عشرين، وأحياناً أكثر كل حذاء على حسب حالته".ويضيف "بات من زبائني بهوات لم أكن أراهم في السنوات الماضية، يصلحون أحذيتهم".

صفية محمد إحدى زبائن العم محمد قالت، إن ما تشهده العملة المحلية من انخفاض يمثل عبئاً حقيقياً على الأسرة المصرية ما يجعلها تُفكر في بدائل أقل تكلفة، "ولذا أعيد إصلاح حذاء ابنتي وزوجي، وابحث عن آخر مستعمل لي. اقل حذاء في المحلات سعره 200 جنيه، من يقدر على تحمل ذلك مع ضعف الاجور."

تعليقات الفيسبوك