بعد عام من الطائرة الروسية.. عمال السياحة بين تركيب البلاط والعمل في الأفران

الأحد 30-10-2016 PM 04:16

أحد العاملين بمدينة شرم الشيخ يجلس أمام عمله في الممر السياحي بالمدينة وهو يخلو من السياح- 8-9-2015 - صورة من رويترز

منذ عام كان محمد أبو هيف يمسك في يده منشورات أعدها ليبيعها للسياح الأجانب الراغبين في الغوص في شرم الشيخ، تتضمن أنواع الأسماك المختلفة الموجودة بالبحر الأحمر.

لم يكن أبو هيف يعلم أنه على موعد مع خبر حزين له ولكل العاملين بالسياحة، وهو خبر تحطم طائرة روسية في شرم الشيخ يوم 31 أكتوبر الماضي، راح ضحيتها 224 شخصا معظمهم روس.

ومنذ ذلك التاريخ تراجعت حركة السياحة الوافدة إلى مصر بشكل كبير، بما فيها السياح الروس الذين كانوا يمثلون قطاعا كبيرا من حركة السياحة في شرم الشيخ والغردقة، مما دفع أبو هيف إلى ترك مهنته واستبدالها بنحو 12 مهنة أخرى في عام واحد.

يعمل أبو هيف، الحاصل على بكالوريوس سياحة وفنادق، في مجال السياحة منذ عام 2007 بشرم الشيخ، واستطاع خلال هذه المدة أن يكوّن عمله الخاص به، والذي يقوم على إعداد منشورات مخصصة للسياح الأجانب من هواة الغطس، لتعريفهم بالأسماك الموجودة بالبحر الأحمر، وبيعها لهم.

يقول أبو هيف "كنت ببيع البروشور للسايح بحوالي 20 جنيه، وكنت مأجر منطقة غواصات علشان أبيع فيها، ومعايا ناس بتشتغل والشغل ماشي تمام.. لكن بعد أسبوع من سقوط الطيارة، لقيت نفسي ما بشتغلش وشرم الشيخ عبارة عن مدينة أشباح".

عاصرت تفجيرات شرم الشيخ في 2005.. بعد الحادثة بحوالي 8 أيام، كل حاجة رجعت لأصلها والسياحة ماشيت بشكل كويس

ويضيف أبو هيف، الذي كان يعيش هو وأسرته في شرم الشيخ، "كان دخلي حوالي 6 آلاف جنيه قابلة للزيادة، بعد الحادثة بقى حوالي ألف جنيه ومش لاقيهم حتى".

وأمام هذا التراجع في الدخل، اضطر أبو هيف إلى العودة للمحلة الكبرى، موطنه الأصلي، للبحث عن عمل آخر، "قررت أسيب شرم الشيخ وأرجع أنا ومراتي وابني لبلدنا المحلة واشتغل هناك أي حاجة".

يقول أبو هيف "اشتغلت كل حاجة وأي حاجة علشان بس أجيب مصاريف ابني الصغير ومراتي.. اشتغلت في المعمار، وفي تركيب البلاط، وبياع في محلات لبس وطُرح وآيس كريم، وفي القهاوي والكافيهات".

لم يستطع أبو هيف أن يتكيف مع أي من الوظائف المؤقتة التي عمل بها خلال العام، فاضطر للعودة مرة أخرى لشرم الشيخ.

"رجعت لسببين... الأول أمي وأبويا كان بيزعلوا لما يشوفوني شغال في شغلانة قليلة بعد ما كنت بشتغل شغلانة كويسة وبكسب كويس، فقررت أرجع شرم الشيخ علشان اشتغل أي حاجة بس بعيد عن عنيهم وعن الحسرة اللي فيها"، كما يقول أبو هيف.

والسبب الثاني الذي دفع أبو هيف للعودة لشرم الشيخ هو إنه كما يقول "اكتشفت اني ما بعرفش أعمل حاجة غير اني اشتغل في السياحة".

رحلة البحث عن عمل في شرم الشيخ بالنسبة لأبو هيف لم تكن سهلة، كما يوضح "اشتغلت شوية في قهوة بلدي ونمت تحت النصبة، ومرة تانية في كافيه ومكنش عندي مكان أنام فيه، فكنت بنام على البحر، ودلوقتي بشتغل مصور فوتوغرافي".

يمسك حاليا أبو هيف كاميرا ويدور بها في المناطق التي يوجد بها سياح ويعرض تصويرهم مقابل مبلغ مالي، كما يشرح، قائلا "معدل دخلي من 40 إلى 70 جنيه في اليوم، وعلى حسب الأحوال".

وفي أعقاب تحطم الطائرة الروسية، علقت بريطانيا وروسيا وتركيا رحلاتها الجوية إلى شرم الشيخ، كما قررت بريطانيا وروسيا إجلاء رعاياهما منها.

ويمثل الروس والبريطانيون 40% من إجمالي السياح الذين يتوافدون على مصر.

يتحسر أبو هيف على وضعه قبل سنة ويقول "أنا ومراتي وابني كنا عايشين في مستوى اجتماعي فوق المتوسط وقاعدين في شقة كويسة، وفجأة ملقناش حاجة".

ويضيف "أحيانا بفكر اني أحجز تذكرة لأي دولة مش محتاجة تأشيرة وأخد شنطي واسافر للمجهول، إن شالله أكون في الشارع بس أبعد عن البلد وخلاص".

يحكي أبو هيف أنه ليس الوحيد الذي تدهورت أوضاعه الاجتماعية بعد تراجع حركة السياحة ويقول "زميلي كان مرشد سياحي في شركة سياحة كبيرة، دلوقتي شغال في فرن بلدي بيبيع عيش".

عدد السائحين القادمين لمصر سنويا من 2010 وحتى أغسطس 2016

تقشف أسري

لم يكن حال أبو هيف أفضل من خالد سيد، الذي يعمل مديرا للعلاقات العامة في أحد الفنادق الكبرى بشرم الشيخ منذ نحو 17 عاما.

يقول سيد لأصوات مصرية "بعد حادثة الطيارة الروسية مباشرة، عملنا خطة لمواجهة أزمة توقف توافد السياح إلى شرم الشيخ".

أدت الخطة إلى الاستغناء عن العاملين غير المعينين في الفندق والإبقاء على المعينين فقط لترشيد الإنفاق، كما يوضح سيد.

ويضيف "لقيت نفسي رجعت اشتغل الشغل اللي كنت بعمله من 17 سنة، لأن القسم اللي كنت مديره واللي كان مكون من 12 فرد بقى مفيهوش غير 6 بس".

يحكي سيد أنه عاد لحمل شنط النزلاء وتسكينهم بالغرف والوقوف في الاستقبال والعمل كسواق، "كله كان بيشتغل كله حتى لو مش شغلته.. ده ملخص اللي حصل لي أنا وزمايلي".

ترشيد الإنفاق لم يكن فقط بالاستغناء عن العاملين المؤقتين في الفندق، لكنه طال أيضا دخل الذين تم الإبقاء عليهم.

يقول سيد "كان دخلي في الأيام العادية حوالي 4 آلاف جنيه في الشهر، بالإضافة لحوالي ألفين جنيه بقشيش، و12% حوافز تضاف على المرتب، لكن بعد الحادثة الموضوع اختلف تماما".

ويضيف "دلوقتي لو اشتغلت الشهر كله من غير أجازات، و12 ساعة في اليوم مش 10 زي زمان، ممكن أخد أساسي المرتب اللي هو 1700 جنيه بس ومفيش بقشيش طبعا".

يستقبل الفندق الذي يعمل به سيد سياحاً من المصريين والعرب فقط حاليا بعد تراجع السياحة الخارجية لمصر، "وده طبعا بيقلل البقشيش خالص لأن الأجانب بيدوا بالعملة الصعبة عكس العرب والمصريين".

لدى سيد أسرة مكونة من زوجة و4 أولاد، جميعهم في مراحل التعليم المختلفة، تعيش في بلدته بمحافظة المنوفية.

يقول "زمان كنت بسيب لمراتي حوالي 3 أو 4 آلاف جنيه مصروف البيت في الشهر، لكن دلوقتي مبقاش بيحصل".

اضطر سيد لبيع بعض مصوغات الذهبية لزوجته وعربته الخاصة للوفاء بمستلزمات منزله ويقول "بعت ذهب مراتي وغيرت العربية بتاعتي وجبت واحدة على قد الحال ومبقاش فيه أي خروجات ولا فسح للعيال".

ويضيف "في الصيف اضطريت اتحجج للعيال بأن رمضان جه في الصيف واني عندي ضغط شغل علشان ما نروحش المصيف زي كل سنة، بس الحقيقة السبب كان إن مفيش فلوس".

مع قدوم العام الدراسي اضطر سيد لنقل أولاده من المدرسة الخاصة التي كانوا بها إلى مدارس حكومية "اضطريت أفكر أنا ومراتي إزاي نوفر النفقات، طلّعت الولاد من المدارس اللي بفلوس كتير وودتهم حكومة".

لم تؤثر أزمة السياحة على مستوى سيد الاقتصادي فقط، لكنها طالت الخدمات التي تقدم في الفندق، ويقول "لما بقينا نشتغل شغل بعض ده أثر كتير على مستوى الخدمة اللي أصبح سيء جدا".

سنة وعدت، لكن أعتقد مش هنقدر نشتغل في السياحة سنة كمان بالشكل ده

يُرجع سيد تراجع مستوى الخدمة إلى أن "مفيش رقابة على العاملين لأن كل واحد مشغول بميت حاجة ومش فاضي لحد".

ويصف سيد الوضع بعد تحطم الطائرة الروسية بقوله "دي أصعب أزمة مرت على السياحة من سنين كتير، لأنها جاية بعد ثورتين ومناخ غير آمن، وبعد ما كنا بدأنا نشم نفسنا شوية وبقى فيه سياح".

يحكي سيد أنه كان يعمل في فندق قريب من التفجيرات التي طالت بعض المنتجعات السياحية في عام 2005، وشاهد ما حدث عن قرب.

ويضيف "بعد الحادثة بحوالي 8 أيام، كل حاجة رجعت لأصلها وكان فيه سياح والسياحة ماشيه بشكل كويس بدون أي تأثر".

وفي يوليو 2005 وقعت عدة تفجيرات ببعض المناطق السياحية في شرم الشيخ، أدت إلى مقتل نحو 88 شخصا وإصابة ما يزيد على 200 شخص.

يقول سيد إن "حادث الطائرة الروسية عمل مدبر فشلت الحكومة في التعامل معه بجدية وبشكل جيد".

وانكمش قطاع السياحة بنسبة 34% خلال الربع الثالث من العام المالي الماضي (يناير-مارس 2016)، مقابل انكماش بنحو 9.3% خلال الربع ذاته من العام السابق، ليبلغ انكماش السياحة 22.7% في الشهور التسعة الأولى من 2015-2016، مقابل تحقيقه نموا بنحو 34.6% في الفترة المناظرة.

وتراجعت الإيرادات السياحية بنسبة 40.5% مسجلة 3.3 مليار دولار في الشهور التسعة الأولى من 2015 - 2016، مقابل 5.5 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق.

وكانت وكالة موديز للتصنيف الائتماني قالت، في تقرير في 12 يوليو الماضي، إن الإيرادات التي سجلها قطاع السياحة في مصر خلال الفترة من يناير إلى مارس 2016، بقيمة 551 مليون دولار، أقل عائدات للقطاع منذ مارس 1998.

عندما يتذكر سيد إن عاما مر على الطائرة الروسية يقول "سنة وعدت، لكن أعتقد مش هنقدر نشتغل في السياحة سنة كمان بالشكل ده تاني".

عدد السياح القادمين مصر من أكتوبر 2014 إلى أغسطس 2016- أصوات مصرية

نص العمى

أحمد مصطفى، مندوب إحدى شركات الليموزين بفندق بشرم الشيخ، يختلف مع سيد في أنه مستعد أن يعمل في شرم الشيخ تحت أي ظرف رافعا شعار "نص العمى ولا العمى كله".

يقول مصطفى لأصوات مصرية "بعد حادثة الطيارة سبت الشركة اللي شغال فيها لأنهم قللوا المرتب للنص بسبب انخفاض السياحة الروسية بشكل كبير".

"الشركة كانت بتديني 2100 جنيه بالإضافة للمكافآت والعمولات.. فكان بيصفي دخلي على أكتر من 3 آلاف جنيه"، يقول مصطفى.

شهران فقط قضاهما مصطفى بعيدا عن شركته وشرم الشيخ، ثم عاد مرة أخرى إليهما بعدما لم يجد عملا مناسبا بعيدا عن السياحة.

يقول مصطفى "اشتغلت عامل في شركة للأعشاب ولقيت نفسي بقبض ألف جنيه وبعمل مجهود كبير، فسبت الشغل بعد 3 أسابيع بس".

وفي فبراير الماضي اتصلت الشركة التي كان يعمل بها مصطفى، تطلب منه الرجوع للعمل نظرا لإقامة أحد المؤتمرات في المدينة، وستكون شركته مسؤولة عن التنقلات الخاصة بهذا المؤتمر.

"لما اتصلوا بيا قررت أرجع فورا، حتى لو بنص الأجر لأنه بالنسبة لي الشغل في الشركة أوفر حتى لو هاخد نص الأجر"، يقول مصطفى.

السياحة الداخلية انتعشت قليلا في الفندق في إجازة عيد الفطر.. ولما لقينا الشغل رجع شوية، طلبنا من الشركة ترجعنا لنا المرتبات كاملة

ويضيف "الأكل والشرب والإقامة على الشركة، وباخد المرتب بتاعي خالص حتى لو 1100 جنيه بس من غير مكافأة ولا عمولات".

اضطر مصطفى لاتخاذ إجراءات تقشفية مع انخفاض مرتبه، ويقول "كنت عامل جمعية بألفين جنيه في الشهر علشان أتجوز بيهم، فخرجت من الجمعية لأني مش هعرف أسدد".

كما اضطر مصطفى، الذي يعمل في السياحة منذ عام 2005، لتقليل نفقاته الشخصية، ويقول "اتعودت على مستوى معين ودخل كبير وقدام المشكلات المادية اضطريت استغنى عن كل الرفاهيات".

ومع مجيء إجازة عيد الفطر الماضي، انتعشت حركة السياحة الداخلية قليلا في الفندق الذي يعمل به مصطفى "لما لقينا الشغل رجع شوية، طلبنا من الشركة إنها ترجعنا لنا المرتبات كاملة يعني 2100 جنيه".

بعد شد وجذب مع الشركة، عاد مصطفى مرة أخرى لمرتبه الأساسي، لكن الدخل لم يعد كما كان "صحيح المرتب رجع لكن من غير مكافآت أو عمولات، ومبيتوافقش مع المجهود اللي بقينا نبذله خصوصا إن العمال عددهم قل جدا".

يصف مصطفى ما حدث بأنه أكبر كارثة واجهت السياحة منذ أعوام، "دي أسوأ من التفجيرات اللي حصلت في 2005"، بحسب قوله.

ويعيب على تعامل الدولة مع الأزمة ويقول "الدولة تصرفها كان غلط في غلط، هي اللي سابتنا تحت رحمة سوقين بس للسياح هما الروسي والانجليزي، ولما يقفوا يبقى مفيش سياحة".

ويضيف "الدولة حتى ما حاولتش تفتح أسواق تانية تعوض بيها الأسواق اللي وقفت".

تعليقات الفيسبوك