الخريف العربي.. كتاب أمريكي عن صعود وسقوط الإخوان المسلمين

السبت 22-10-2016 AM 11:03

غلاف كتاب "الخريف العربي" - وصورة مؤلفه اريك تراجر

الرواية المعتادة للثورة المصرية تقول إنه: في فبراير 2011، استقال حسني مبارك بعد 18 يوما من الاحتجاجات، التي قادها ثوار يغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في ميدان التحرير، لتنتهي رئاسته التي امتدت نحو 30 عاما. ثم اختطف الإخوان المسلمون الثورة وفازوا في الانتخابات البرلمانية ونصبوا واحدا منهم رئيسا. وبعد عام من فوز الإخوان، خرج المصريون مرة أخرى إلى الشوارع، ليتظاهروا هذه المرة ضد الإخوان. ونفذ الجيش انقلابا للإطاحة بمحمد مرسي، وعادت مصر إلى نفس الوضع الذي عرفته لستة عقود: الحكم العسكري.

وفي كتابه "الخريف العربي.. كيف فاز الإخوان المسلمون بمصر وخسروها في 891 يوما؟" يناقش المؤلف اريك تراجر هذه الرواية المسلم بها. وتقول صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن الكتاب يذكر أن الإخوان كان لهم وجود قوي، وإن كان هادئا، منذ بداية احتجاجات 2011.

ويرى تراجر أنهم لم يخطفوا أي شيء: الإخوان كانوا في الواقع الحركة الوحيدة المنظمة والمنضبطة في مصر لدرجة تكفي لتحدي النظام القديم في الانتخابات.

وفي نهاية الأمر، يشير إلى أن تحرك الجيش ضد مرسي لم يكن النتيجة الحتمية لتصميمه على حرمان الإخوان من مكانهم في هيكل السلطة السياسية.. وإنما كان افتقار الإخوان للرؤية والكفاءة هو الذي دفع أكبر حشود في مصر على الإطلاق إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح.

وقالت وول ستريت جورنال إن كتاب "الخريف العربي" يعتمد على عشرات المقابلات مع زعماء وأعضاء الإخوان المسلمين التي أجراها المؤلف، وهو زميل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، قبل الثورة وبعدها. وأضافت أن الحجم الهائل للتفاصيل في الكتاب قد يمثل تحديا للقاريء العادي لكنه لا غنى عنه، ليس فقط لأنه يروي كيف فشل الإخوان بصورة أشبه بالكارثة في حكم مصر، وإنما أيضا بسبب تحليله لكيفية فشل واشنطن بنفس الدرجة في فهمهم.

الإسماعيلية تجسد الواقع

الإخوان المسلمون هي أقدم وأكبر جماعة إسلامية في العالم أسسها حسن البنا عام 1928 وكان مدرسا في الاسماعيلية. وكانت مصر في ذلك الوقت مملكة مستقلة اسميا لكنها تحت الحكم البريطاني فعليا، وجسدت الإسماعيلية ذلك الواقع. فالمدينة بناها على ضفة قناة السويس الخديو إسماعيل المهووس بأوروبا وكانت تزخر بالأجانب الذين يتربحون من القناة التي يسيطر عليها البريطانيون. وفي الإسماعيلية، كان يستحيل تجاهل التفوق السياسي والاقتصادي والعلمي لأوروبا على العالم الاسلامي.

وكان هذا الوضع يعذب البنا المدرس التقي الذي كان مقتنعا بأن الاسلام يقدم كل ما يحتاجه أتباعه للنهوض السياسي والمادي والأخلاقي. وأكد شعاره الذي ما زال شعار الإخوان المسلمين حتى اليوم أن "الإسلام هو الحل".

وامتد برنامج البنا من القاع إلى القمة. وفي البداية يكون إصلاح الفرد. وبعد ذلك يرعى هؤلاء الأفراد بيوتا إسلامية نموذجية تشكل كلها مجتمعا مؤمنا يخشى الله أو -"دولة اسلامية" حسب قول البنا- تتواصل في نهاية الأمر مع مجتمعات اكتسبت الصبغة الإسلامية على نفس النسق لاستعادة الخلافة. وسيكون الإخوان بمثابة طليعة لتحقيق ذلك ويختارون بعناية من يثبت فقط التزامهم المطلق بمهمتهم.

وأن تصبح "أخا" اليوم عملية شاقة تستغرق ما بين خمس إلى ثماني سنوات من الصعود عبر مراتب طبقية للغاية. وبمجرد الوصول إلى آخر مرتبة –أخ عامل- يعلن العضو نفسه "جنديا مخلصا" ويتعهد بعدم "مخالفة الأوامر" وببذل "جهده ونفسه وماله في سبيل الله".

رد الفعل الأمريكي

لكن في اليوم السابق على تنحي مبارك، أكد مدير المخابرات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر للجنة في مجلس النواب أن "مصطلح الإخوان المسلمين هو مظلة لتشكيلة من الحركات. وفي حالة مصر فهي مجموعة متنوعة جدا، وعلمانية بدرجة كبيرة." ويبدو أن البيت الأبيض أيضا لم يكن مدركا لطبيعة الحركة التي قد تحل محل مبارك.

وفي الأول من فبراير 2011، بعد أسبوع فقط من بدء المظاهرات، أعلن الرئيس باراك أوباما أن تغيير الحكومة في مصر "يجب أن يبدأ الآن" (بالمقارنة، فقد مضت خمسة أشهر قبل أن يقول نفس الشيء عن الرئيس السوري بشار الأسد). وتنحى مبارك بعد ذلك بعشرة أيام، وحكى دبلوماسي أمريكي لاحقا، أن مستشاري أوباما احتفلوا بشرب الفودكا والبيرة.

وفي الشهور التالية للثورة، تعهد الإخوان بعدم السعي للرئاسة أو للأغلبية في البرلمان خشية أن تثير تلك التحركات مخاوف المصريين القلقين من مسعى الإخوان للأسلمة. وتلاشى التعهدان في نهاية الأمر. وحين استبعد الاختيار الأول للجماعة كمرشح رئاسي على أساس عدم الأهلية لأسباب فنية، وقع الاختيار على محمد مرسي الموظف الذي لا يحظى بالجاذبية الجماهيرية.

وإذا كانت إدارة أوباما تعرف القليل عن الإخوان، فما تعرفه عن مرسي كان أقل. لكن تراجر التقى به قبل ذلك بعامين في القاهرة وعرفه على أنه يمارس المعارضة الداخلية في الحركة، وكمخلص لسيد قطب، المفكر الإخواني الذي أعدمه نظام جمال عبد الناصر وألهمت رسالته أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة حاليا وأنور العولقي الذي كان قياديا بالتنظيم في اليمن واغتيل في ضربة جوية أمريكية عام 2011. ونقل تراجر عن مرسي قوله "برنامجنا طويل الأجل، وليس قصير الأجل." وأضاف "هدفنا ليس أن نصبح حكاما. بلدنا يجب أن يحكمه.. الإسلام."

وبحلول وقت انتخابات صيف 2012، كان واضحا أن الإخوان نأوا بجانبهم عن قوى المعارضة الأخرى، مثل الليبراليين الذين أغرم بهم المراقبون الغربيون، والذين كانوا على أي حال قوى سيئة التنظيم ولا تحظى بدعم شعبي كبير. وكتب تراجر أنه مع اقتراب مرسي من خوض الانتخابات، بدأ المسؤولون الأمريكيون "التزاحم على باب الإخوان". ولم يكن هناك أحد أكثر دهشة من الإخوان أنفسهم من احتضان واشنطن لهم.

أخطاء مرسي

وبمجرد انتخابه في يونيو 2012، بدأ مرسي الحكم بعدم كفاءة صدم حتى المؤلف نفسه. وكتب أن الإخوان "لم تكن لديهم رؤية سياسية حقيقية سوى ملء الحكومة المصرية بمسؤولين من الإخوان المسلمين أو ممن لهم عقلية مشابهة." ولدعم الاقتصاد المصري المتداعي، على سبيل المثال، قدمت حكومة مرسي "مشروع النهضة" الذي وعد بخفض التضخم بمقدار النصف "وحماية كرامة الفقراء" ومضاعفة عدد العائلات التي تحصل على ضمان اجتماعي. ولم يظهر تفسير على الإطلاق للكيفية التي سيحقق بها مرسي هذين الهدفين اللذين يبدوان متناقضين.

ومع هذا الإهمال للاقتصاد، انطلق مرسي ليستهدف الصحافة. وفي أول سبعة شهور له في السلطة، اتهم عددا من الصحفيين بإهانة الرئيس يعادل أربعة أمثال من اتهمهم مبارك بذلك على مدى 30 عاما. وفي نوفمبر 2012، انتزع مرسي لنفسه سلطة بطريقة لم يكن حتى مبارك نفسه يجرؤ عليها، حيث حصن قراراته من سلطة القضاء. وبعد أسابيع، دفع بدستور أعده نواب من الإخوان والسلفيين.

ونقلت وول ستريت عن الكتاب قوله إنه مع تزايد المعارضة على مدى الشهور التالية، تحول مرسي إلى نظريات المؤامرة قائلا إن ما يغذي الاضطراب أجانب أو فلول نظام مبارك أو مصالح رجال أعمال أقوياء.

وبمجرد تحول المعارضة إلى مظاهرات حاشدة، أكبر مما حدث عام 2011، وصفها في أحاديث مع مسؤولين أمريكيين قلقين بأنها غير مهمة. وحين زود الإخوان في يونيو 2013 مئات من كوادرهم بالخوذات والدروع والعصي "لحماية الثورة" فقد أكدوا بغباء المخاوف من اشتباكات في الشوارع بين مؤيدي ومعارضي مرسي، وبالتالي عززوا التفويض للجيش بالتدخل.

دروس التجربة التعيسة

وحين قدم مرسي تنازلات جزئية في الثاني من يوليو 2013، كان الوقت قد فات. وأفادت تقارير أن وزير الدفاع حينئذ ورئيس البلاد حاليا عبد الفتاح السيسي قال لزعيم من الإخوان في اليوم التالي قبل قليل من احتجاز مرسي "هذا مطلب الجماهير".

ومع تدخل الجيش، يبدو أن الإخوان اعتقدوا أن الاحتجاجات الطويلة ستجعل النظام يجثو على ركبتيه، بما يمهد الطريق لعودة مرسي. وكتب تراجر أن "الإخوان أخطأوا في الحسابات بدرجة سيئة مرة أخرى".

وأضاف أن الجماعة "بالغت بشدة في تقييم قدراتها وهونت بدرجة تصل حد الكارثة من حماس النظام الجديد لسحقها. وكما هو حال الإخوان، اعتبر النظام الجديد المدعوم من الجيش الفترة التالية لمرسي معركة وجود، وهي معركة كان يبدو مصمما بنفس الدرجة على كسبها."

وبعد مرور ثلاث سنوات، تضاءلت قوة الإخوان المسلمين بشدة مع سجن قادتها وكثير من قاعدة تأييدها أو تعرضهم للنفي أو القتل في ظل حكومة السيسي. ولا يعني ذلك أن الجماعة انتهت –فحركة عمرها 88 عاما لا تختفي في يوم وليلة- لكن اكتسابها لأهمية سياسية قد يستغرق سنوات وربما عقود. وفي تلك الأثناء، فقد تستخلص الإدارة الأمريكية درسين مهمين من تجربة مصر التعيسة في ظل الإخوان، وهما أن: المشاركة في الانتخابات مجرد عنصر واحد من الحكم الديمقراطي، وأن وضعا راهنا سيئا يمكن دائما أن يزداد سوءا، وهو في هذه الحالة الحكم المستبد لمبارك الذي استمر عقودا.

تعليقات الفيسبوك