أحمد عبد الحافظ
أحمد عبد الحافظ

كل ما تمد إديها في جيبه تلاقي فلوس!

الأربعاء 28-09-2016 | AM 12:46

سريعا انهال الهجوم على "مبادرة الفكة" التي تحدث عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطابه بمناسبة افتتاح مشروع "بشاير الخير". والحقيقة أن نهج الحكومة خلال السنوات الست الماضية لم يبتعد عن هذه الفكرة، فهي "كل ما تمد إيدها في جيب المواطن تلاقي فلوس".

دعوني أبدأ معكم بتقارير المركزي للمحاسبات عن الدخول وحجم الإنفاق، والتي ترصد سنويا زيادة في عدد المنازل المتصلة بشبكات المرافق، وزيادة عدد الأجهزة الكهربائية التي تمتلكها الأسر.

تقوم الحكومة سنويا بمقارنة حجم الإنفاق الفعلي للأسر بجدول توزيع مستويات الدخول، وكثيرا ما يظهر أن الأسر تنفق بمعدلات أكبر من المرصودة في جدول الإنفاق.

والسبب المباشر أن هناك دخولا يحصل عليها المواطنون خاصة في الشرائح المصنفة تحت خط الفقر وتحت خط الفقر المدقع، نتيجة عملهم ضمن منظومة الاقتصاد غير الرسمي والذي تفتقد الحكومة إلى أي بيانات عنه.

على سبيل المثال في قطاع السكن، ترصد الحكومة أن هناك 850 ألف أسرة يسكن بعضهم في عشش من الصفيح دون أي مرافق أو خدمات، والبقية يعيشون في منزل من غرفة واحدة ويتشاركون دورات المياه. هذه المنازل رغم فقرها، يسكنها قاطنوها بإيجارات "أو إتاوات" بين 200 لـ300 جنيه شهريا.

فتتساءل الحكومة من أين يتحصل ساكنوها على هذه القيمة الإيجارية كل شهر إلى جانب ما ينفقونه للحصول على الطعام والشراب والحد الأدنى من التنقلات والعلاج، لتأتي الإجابة أنهم يحصلون على فرص عمل هامشية بنظام اليومية في إطار منظومة الاقتصاد غير المسجل، والتي تضم الباعة الجائلين والمتسولين وسيارات الأجرة "ميكروباص غير المسجل" و"سائقي التوك توك".

ذاع صيت الاقتصاد غير الرسمي للمرة الأولى عند تحول مصر إلى نظام الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات، وقد عزا إليه الخبراء قدرة المصريين على هذا التحول الفجائي دون انهيار. مرة أخرى قفز الاقتصاد غير الرسمي إلى الواجهة عقب اعتصام الـ18 يوما بميدان التحرير في 25 يناير 2011، لكنه هذه المرة كان ضخما بحيث شغل حيز 70% من النشاط الاقتصادي في مصر، فهو يتميز بالمرونة لأنه بعيد كل البعد عن الأوراق الرسمية ومشكلات الروتين المسيطرة على أداء الحكومات بشكل عام.

ولفت ذلك نظر الحكومة إلى أن المواطن المطحون لديه دخلا وأحيانا مدخرات وهو قادر على تحمل أعباء المعيشة، لذلك يجب أن يشارك في تحمل أعباء رفع الدعم أو "إعادة هيكلته" كما تحب الحكومة أن تطلق عليه، باختصار خلصت الحكومات المتتالية إلى أن "الحكومة كل ما تحط إديها في جيب المواطن تلاقي لسه فيه فلوس!".

بالرجوع إلى تقارير الدخول والإنفاق الرسمية، يظهر إلى أي درجة هناك فجوات كبيرة في توزيع الدخول والثروات بين شرائح المجتمع المختلفة، وبالتالي فجوات أوسع في معدلات الاستهلاك والإنفاق.

لكن ما يجب أن تأخذه الحكومة في الاعتبار هو أن المنظومة غير الرسمية من الاقتصاد تعاني نفس التشوهات والفجوات، وقد تكون أكثر عنفاً من تلك المرصودة في الاقتصاد الرسمي المسجل.

صحيح أنه قد يكون لدى المعدمين دخولا ولديهم حجما ما من الإنفاق، ولكنهم بالتأكيد يحتاجون من الخدمات والدعم أضعاف ما هو موجود الآن.

وربما يكون تقنين أوضاع الاقتصاد غير الرسمي آلية جديدة لتحسين مستويات المعيشة للفقراء، فيصل حجمه لـ2.2 تريليون تقدر ضرائبها غير المحصلة بـ330 مليار جنيه سنوياً ويوفر 8 مليون فرصة عمل.

تعليقات الفيسبوك