إكرام لمعي
إكرام لمعي

هوامش على قانون بناء الكنائس

السبت 10-09-2016 | PM 03:20

يعتبر قانون بناء الكنائس والذى صدر أخيرا عن البرلمان المصرى خطوة جيدة على الطريق لكنه ليس كل المأمول، ولقد أثارت مناقشة مسودة القانون قبل أن يصدر وحتى بعد صدوره الكثير من الجدل.

وأهم الملاحظات على الإطلاق كان عنوان القانون «قانون بناء الكنائس» وكان فى الأصل «قانون بناء بيوت العبادة»؛ والتعبير الأخير ورد فى تقرير جمال العطيفى عام 1972 بعد أحداث الخانكة والتى وقعت فيها فتنة طائفية، وقد قدم العطيفى هذا الاقتراح ضمن تقرير مرفوعا للرئيس أنور السادات بحسب طلبه لدرء الفتنة.

وواضح من هذا العنوان أنه يستهدف تحقيق دولة المواطنة والتى يتساوى فيها جميع المواطنين أمام القانون وفى الحقوق والواجبات، وليست دولة الملل والنحل التى تنشئ قانونا خاصا لكل فئة من فئات الشعب فترسخ التفرقة على أساس الدين أو العرق أو الجنس.

ومن المعروف تاريخيا أن تقسيم البلاد إلى ملل ونحل كان سياسة الخلافة العثمانية فى كل البلاد التى فرضت سيطرتها عليها بهدف إضعاف هذه البلاد من خلال امتيازات للأجانب وقوانين لكل ملة أو طائفة على حدة، فتنقسم الدولة إلى شراذم من البشر وهكذا يسهل خضوعها. عندما جاء محمد على عام 1805 أراد أن يبنى مصر الحديثة على أساس المواطنة ولا شك أن صدور قانون لفئة ما يعتبر نوعا من المهانة لهم؛ كقوانين السود فى جنوب إفريقيا قبل ثلاثين عاما وقوانين المنبوذين فى الهند... إلخ.

ومن الجدير بالذكر أن من يؤسس إلى تقسيم البلاد هو الدستور بمواده المتناقضة: فالمادة الأولى تتحدث عن مصر دولة مدنية حديثة ثم تأتى المادة الثانية لتعلن أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وتأتى الثالثة لتقول «لغير المسلمين الاحتكام إلى شرائعهم» وهذا هو التناقض العجيب؛ فمن المعروف أن الدولة المدنية الحديثة ــ بحسب المادة الأولى ــ لها قوانينها التى تطبق على جميع المواطنين دون تمييز بين فئة وأخرى.

لذلك يأتى قانون بناء الكنائس وعلى الرغم من أنه خطوة جيدة للأمام فإنه يرسخ مفهوم دولة الطوائف والملل.

ونحن نعتبر أن هذا القانون خطوة للأمام على الرغم من تحفظنا على عنوانه لأنه أفضل كثيرا من لائحة العزبى وكيل الداخلية فى تفسيره للخط الهمايونى الصادر من الباب العالى العثمانى؛ والذى أقر قانونيا بوجود طوائف فأعطى لهذه الطوائف مركزا قانونيا وبالتالى حقهم فى بناء دور عبادتهم.

وقد قام محمد العزبى وكيل وزارة الداخلية المصرية بإصدار لائحة عام 1934 يفسر وينظم من خلالها شروط البناء؛ كانت تحتوى على نصوص عجيبة مثل: ألا تبنى كنيسة بجوار مدرسة أو مستشفى أو سكة حديد أو على طريق عام أو... إلخ، لدرجة أنك لا تجد مكانا على الأرض يمكن أن تبنى عليه كنيسة بطريقة قانونية أو شرعية.

أما بعد صدور القانون الأخير فقد ذهبت شروط العزبى إلى الجحيم غير مأسوفٍ عليها؛ لأنها اشعلت من الفتن والقلاقل للمسيحيين والمسلمين والسلطة والشرطة ما يكفى لإحراق دولة بحجم مصر لولا طبيعة المصريين السمحة.وأيضا القانون خطوة للأمام خاصة بعد حذف عبارة «الجهات المعنية» والتى تم تعديلها أول مرة بعد اعتراض الكنائس إلى «الجهات المختصة»، وبعد الاعتراض لثانى مرة تم حذفها تماما.

ولا شك أن المقصود بهذه الجهات «الجهات الأمنية»، ولقد كانت الجهات الأمنية مثل أمن الدولة وخلافه هى أكبر المعوقات فى بناء الكنائس بحجة درء الفتنة الطائفية، وهو الذى لم يثبت إطلاقا بل ثبت العكس.

كان التسويف الذى يصدر من هذه الجهات هو الذى يؤدى إلى الفتنة الطائفية، بل استغل الأمر بعض الموظفين لتلقى هدايا وإكراميات من صغار الموظفين لتسهيل استخراج الأوراق المدفونة فى أروقة هذه الجهات المعنية أو المختصة.وكما نعلم جميعا فإن السياسيين والسلطة استخدموا مثل هذه الأمور لإلهاء الشعب عن سياساتهم الخرقاء.

ومازالت أحداث كنيسة القديسين التى وقعت قبيل أحداث 25 يناير فى الإسكندرية ماثلة فى الأذهان؛ حيث تحدث كثيرون أن تفجير الكنيسة كان بفعل مثل هذه الجهات المعنية فى ذلك الوقت، ودليلنا على ذلك أن توقفت الأحداث الطائفية بعد الثورة أو أصبحت نادرة، ثم تفجرت بعد فض اعتصام رابعة بإحراق الكنائس، ولم تعد ثانية إلا فى الأيام الأخيرة.

والسبب الثالث للتفاؤل هو أن معظم الأحداث الطائفية كانت بسبب أن بعض المسيحيين كانوا عندما يريدون التحايل على شروط العزبى، يقومون بشراء بيت باسم شخص موثوق فيه من الشعب المسيحى فى القرية أو المدينة ويستكتبونه ما يسمى فى القانون «ورقة ضد» يقول فيها أن هذه الأرض المشتراة وحدودها ملك للكنيسة.

وبالطبع وقعت عمليات نصب كثيرة لأنه يستخرج رخص البناء وكل متعلقاتها على أنه بيته، ثم شيئا فشيئا يتحول البناء إلى كنيسة، وهنا ينتفض بعض البلطجية ويعتدون على الشعب المسيحى فى المنطقة ويحرقون بيوتهم.

ولأن المعركة كانت بسبب تصرف غير قانونى تلتمس الشرطة العذر للمعتدين وأحيانا تتعاطف معهم لأن المسيحيين فى هذا الموقع خالفوا القانون فخدعوا الشرطة والحكم المحلى والشعب، وتصدى لكل ذلك البلطجية حتى لا تتهم الشرطة ورجال الحكم المحلى وأصحاب الحيثية من غير المسيحيين فى القرية بالتعصب وإثارة الفتن.

والنتيجة دائما كانت عدم اتخاذ إجراءات قانونية جادة مع المعتدين على أساس أن الاعتداء على القانون صدر أولا من المسيحيين بمحاولة بناء كنيسة بالمخالفة للقانون، وكأن هؤلاء البلطجية هم الذين يقومون بحماية وتنفيذ القوانين.

أما الآن وبعد صدور قانون بناء الكنائس وطبقا للدستور يكون الأمن هو الدرع الحامى للقانون؛ فإذا قام المسيحيون ببناء كنيسة طبقا للقانون وحاول بعض البلطجية إثارة الشغب يكون على الأمن حماية المبنى الذى يقام قانونيا وليس العكس، وكذلك رجال الحكم المحلى وعلى رأسهم المحافظ وأيضا وجهاء القرية أو المدينة.

واعتقد أنه فى مثل هذه الحالات لن يتحرك البلطجية من الأساس لأنهم يدركون أن لا أحد سوف يساندهم لارتكاب جرائم ضد القانون، لكن تحركهم سيكون عكسيا سوف يتجهون إلى الذين يقيمون المبنى ويعرضون مساعدتهم فى حراسة مواد البناء وما إلى ذلك.

فى النهاية سألت أحد الناشطين من المسيحيين الذين يحترفون جمع الأموال لبناء الكنائس وإعطاء المشورة القانونية للالتفاف على شروط العزبى اعتمادا على الآية التى تقول: «ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس» قائلا: لماذا أنت ضد صدور قانون لبناء الكنائس؟ أليس هذا أفضل؟، قال لى: أراهنك على أنه بعد صدور القانون الذى يسهل هذا الأمر سوف يتوقف المسيحيون عن بناء كنائسهم، وعندما ظهر على وجهى أمارات التعجب والاستغراب، قال: «كل ممنوع مرغوب»؛ فعندما كنت أريد أن أجمع مالا لبناء كنيسة فى جو معارض أو ضد القانون أقول لهم أنهم يقدمون خدمة لله وأن إبليس يقف ضد بناء الكنيسة وأن كل تأخير ولو ليوم واحد سوف يكلف الكثير وأن الانتهاء اليوم من المبنى أفضل من الغد؛ هنا يتحمس الناس بشدة على إنفاق أموالهم والتبرع بسخاء لأجل بناء الكنيسة؛ فهم يعتبرون أن هذا انتصار لله والدين لذلك تجمع الأموال بسرعة وتبنى الكنيسة بأسرع ما يمكن لوضع الجميع أمام الأمر الواقع.

ثم صمت قليلا وأردف بحزن قائلا: أما الآن فبعد صدور القانون والاطمئنان أنه يمكن بناء الكنيسة فى أى وقت سوف يتردد الناس كثيرا فى التبرع بأموالهم لبناء الكنائس، لأنه يمكن أن يستغرق البناء الكثير من الوقت فلا داعٍ للاستعجال أو البناء أصلا لأن مقومات البطولة والشهادة التى يكلفنا بها الله قد انتهت.

وهنا تأكدت من مقولة أن الشعب المصرى أذكى كثيرا من حاكميه؛ فلو كان الحكام أذكى لأصدروا مثل هذا القانون وغيره الكثير، لأن الذى يربح من وراء عدم إصدار مثل هذه القوانين أولئك الذين يستفيدون من بطء فهم موظفى الدولة وهذا ليس بغريب؛ فموظفى الدولة معينون بوسائط ويعينون أقاربهم فمستوى ذكائهم متقارب وليس عن كفاءة أو ذكاء، أما الذين يلتفون حول القوانين فهم الأذكياء حيث ليس لهم وسائط أو أقارب ليتعينوا فى دواوين الحكومة ويصلوا فيها للمراكز العليا.

تعليقات الفيسبوك