هل يواجه السيسي "انتفاضة خبز" جديدة بعد تطبيق الإصلاحات الاقتصادية؟

الإثنين 15-08-2016 PM 06:08

صورة مجمعة للرئيسين محمد أنور السادات وعبدالفتاح السيسي.

في الوقت الذي استبعد فيه اقتصاديون وباحثون في العلوم السياسية تكرار أحداث يناير 1977 (انتفاضة الخبز) مع اتجاه الحكومة لاتخاذ إجراءات إصلاحية وصفتها بأنها "مؤلمة"، في إطار اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي، اعتبروا أن احتمال حدوث احتجاجات غاضبة من الشعب ضد القرارات التي تمس معيشتهم، يظل امرا وارد الحدوث. 

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قال خلال افتتاح مجمع صناعي في الإسكندرية أمس الأول، إنه لن يتردد في المضي في تطبيق الإصلاحات الضرورية، وذلك بعد أيام من اتفاق مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد.

وقال السيسي إن "أول محاولة للإصلاح سنة 77 ولما حصل عدم قبول من المواطنين كل الحكومات تحسبت من محاولات الإصلاح وخافت من ردود الأفعال".

ماذا حدث في يناير 1977؟

يشير الرئيس السيسي في كلمته إلى ما عرف بانتفاضة الخبز، حينما خرجت مظاهرات قادتها حركات طلابية ونقابات وتجمعات عمالية، ضد قرارات رفع أسعار السلع، التي أعلنها نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية وقتها، عبدالمنعم القيسوني، في خطاب أمام مجلس الشعب يوم 17 يناير، ضمن خطة تقشفية للسيطرة على العجز، بالاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدولي.

وشملت هذه القرارات رفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والبنزين وعدد كبير من السلع الأساسية.

وخلال انتفاضة يناير ردد المتظاهرون هتافات شهيرة من بينها "هما بياكلوا حمام وفراخ واحنا الجوع دوخنا وداخ"، و"هما بيلبسوا أخر موضة واحنا بنسكن عشرة في أوضة"، و"سيد مرعي ياسيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه"، و"يا سادات ليه معلش....كيلو اللحمة بستين قرش".

واضطر الرئيس السادات للتراجع عن قرارات رفع الأسعار التي أشعلت المظاهرات في يومي 18 و19 يناير، وأدت لأحداث عنف من بينها إحراق أقسام شرطة وأبنية حكومية، ونزل الجيش لفرض الأمن ومنع المظاهرات، وأُعلنت حالة الطوارئ من السادسة مساء وحتى السادسة صباحا.

وأطلق السادات على هذه التظاهرات "انتفاضة الحرامية"، واعتقلت الشرطة خلالها عدداً كبيراً من المتظاهرين والناشطين اليساريين، ووجهت لهم تهمة الانضمام إلى تنظيمات شيوعية، لكن القضاء حكم ببرائتهم بعد ذلك. 

صورة لأحداث يناير 1977. صورة من الأهرام

ونأت الحكومات المتعاقبة عن خفض الدعم بعد أحداث يناير 1977، وظلت قضية الدعم حساسة سياسيا في بلد يعتمد فيه عشرات الملايين على الخبز والسلع المدعمة. 

لكن السيسي قال في كلمته يوم السبت إن "الأمانة التي حملني الشعب إياها تجاه مصر.. لن يحاسبني الشعب فقط عليها ولكن الله سبحانه وتعالى سيحاسبني أولا ثم التاريخ. وبالتالي كل القرارات الصعبة التي تردد كتير على مدى سنوات طويلة إنهم ياخدوها..أنا لن أتردد ثانية في أن آخذها".

ووجه السيسي كلامه للشعب قائلا "وأنتم هتقفوا جنبي.. ليس من أجلي ولكن من أجل مصر".

هل انتفاضة يناير قابلة للتكرار؟

يقول محمد العجاتي، مدير منتدى البدائل العربي للدراسات، إن أحداث يناير 1977 حالة استثنائية في تاريخ مصر.

"الانتفاضات التي شهدتها مصر في العصر الحديث خرجت من منطلقات سياسية في الأساس، وليست اقتصادية، كما حدث في يناير 1977، لكن هذا لا يعني أنها غير قابلة للتكرار"، وفقا للعجاتي.

ويقول أحمد بهاء شعبان، أحد قادة الحركة الطلابية في السبعينات، والذي شارك في انتفاضة يناير، إنه من حيث المبدأ أحداث التاريخ لا تتكرر بنفس الطريقة لاختلاف الظروف والخلفيات السياسية والاقتصادية لكل مرحلة.

ويضيف أن أحداث 18 و19 يناير سبقها مجموعة من التراكمات لدى الشعب الذي شعر بعد تضحياته في حرب أكتوبر 1973 أنه لم يستفد من الانفتاح الاقتصادي، حيث ظهر واضحا تركز الثروة في يد مجموعة قليلة من الشعب، على حد قوله.

كما أن ظهور حركة سياسية نشطة جدا ذات طابع يساري معارض في أغلبها، ساهمت في عدد من الأحداث منها إضرابات الطلبة وعمال المصانع، كان لها دور كبير في إشعال انتفاضة يناير، بحسب ما يقول شعبان.

"سقف التوقعات في هذه المرحلة ارتفع جدا مع الوعود السياسية بالرخاء وأن كل مواطن سيحصل على سيارة وفيلا ومياه ساخنة، والترويج بأن التقارب مع أمريكا سيعمم الخير على المواطنين، لكنهم صحوا في يوم على زيادة كبيرة في الأسعار وقرارات رفع الدعم عن السلع الأساسية وهو ما دفعهم للنزول إلى الشارع" وفقا لما قاله شعبان.

ويرى شعبان أن النظام الحالي ساهم أيضا في رفع توقعات الناس لمستوى معيشة أفضل، في الوقت الذي تسير فيه السياسات الاقتصادية على نفس أفكار نظام مبارك التي تصب في مصلحة الأغنياء، من وجهة نظره.

ويضيف "الضغط المستمر على الجماهير الشعبية بهذا الشكل وتحميلها وحدها عبء الإصلاحات الاقتصادية خطر كبير".

ويعارض شعبان ما قاله السيسي حول أن انتفاضة يناير أوقفت عملية الإصلاح الاقتصادي ولكنها "تصدت للكوارث التي نتجت عن ما يسمى بالإصلاح".

ويرى عمرو عدلي الباحث بمركز كارنيجي، إنه من المحتمل أن تؤدي الإصلاحات الحكومية التي تعتزم الحكومة تطبيقها إلى شكل من أشكال الاحتجاج.

ويشير إلى أن الضغط على الطبقة الوسطى الأكثر تضررا من الإجراءات الإصلاحية "خطر" خاصة أن لديهم قدر من التعليم، وأيضا قدر من الاعتماد في بعض احتياجاتهم على الدولة، وأن تخلي الدولة عنهم ينزل بهم إلى الطبقات الفقيرة.

لكنه يضيف أن "في ظل عدم وجود هامش سياسي فمن غير المنتظر أن تستمر هذه الاحتجاجات لمدة طويلة".

ويشير عدلي إلى أن مصر خاضت خلال السنوات الماضية موجات من التحرير الاقتصادي على أساس خطط من صندوق النقد الدولي، ولم تواجه البلاد أي احتجاجات مشابهة لما حدث في انتفاضة يناير.

"الحكومة اتخذت في عهد مبارك قرارات إذا قورنت برفع الأسعار في 1977 تكون أكبر بكثير ومع ذلك مرت دون مشكلة، وكذلك في بداية التسعينات والتي حدث خلالها خصخصة الشركات وإحالة الموظفين والعمال إلى المعاش المبكر"، يقول عدلي.

ويضيف أنه "في عام 2003 بعد دخول مصر مرحلة اقتصادية صعبة أقدمت على خطة إصلاح تضمنت تعويم الجنيه بشكل دراماتيكي وهو ما رفع سعر الدولار الرسمي بنحو 80 و90% وأيضا لم تحدث احتجاجات واسعة".

ويقول علي الرجال، الباحث في علم الاجتماع السياسي، ليس بالضرورة أن تتبع الأزمات الناتجة عن المشكلات الاقتصادية انتفاضات شعبية.

وهو ما اتفق عليه عدلي، مشيرا إلى أن الإجراءات التقشفية طبقت في عشرات الدول ورغم أنها غير مقبولة شعبيا لكنها مرت دون أزمات تسببت في التراجع عنها.

ويضيف الرجال أن "السيسي جاء بعد إنهاك سياسي شديد ووضع مضطرب يسمح له باتخاذ قرارات شديدة الصعوبة، وهو ما يظل ضامنا أن تبعات هذه القرارات لن تمثل تهديدا حقيقيا له".

لكن مع ذلك لايستبعد الرجال إن "وصول الناس إلى حالة من خيبة الأمل والشعور بأن هذا النظام لم يعد مناسبا لهم ولم يحقق آمالهم قد يقود إلى حركة احتجاجية واسعة".

السيسي يراهن على شعبيته

وفي الوقت الذي خاطب الرئيس السيسي المواطنين مطالبهم بالوقوف معه ومساندته في القرارات التي تعتزم الحكومة اتخاذها، يرى العجاتي أن رهان السيسي على شعبيته في تمرير هذه القرارات "غير مضمون".

"الرئيس السادات كان يتمتع بقدر كبير من الشعبية خاصة بعد حرب أكتوبر وإعلانه سياسة الانفتاح الاقتصادي التي ستحقق الرخاء للشعب، ومع ذلك انتفض الشعب ضد قرارات رفع الأسعار" بحسب ما يقول العجاتي.

وهو ما اتفق معه أيضا عمرو عدلي قائلا إن الرهان على شعبية السيسي "نكتة سخيفة" وتمثل تقديرا خاطئا للواقع.

الدولة تعلمت من أحداث 1977

ويرى أحمد بهاء شعبان أن الحكومات المتعاقبة تعلمت الدرس من انتفاضة يناير، ولم تعد تقرر زيادة الأسعار مرة واحدة، ولا تعلن عنها، كما أنها لم تعد تسمي هذا الإجراء "رفع" الأسعار، وإنما تحريك أو هيكلة الأسعار، أو تحسين الخدمة مقابل زيادة الأسعار.

"الحكومة تفننت في تمرير تبعات عمليات الإصلاح الاقتصادي".

وضرب مثلا إن "الحكومة على سبيل المثال لا تعلن رفع سعر تذكرة الأتوبيس، وإنما تقوم بتقليل عدد الأتوبيسات التي تقدم الخدمة بتذكرة 10 قروش مثلا ومن ثم يحدث زحام وتكدس، فتعلن عن طرح أتوبيسات محسنة حتى توفر خدمة أفضل بسعر 25 قرشا، فيقبل المواطنون على مضض، ثم تسحب الحكومة تدريجيا الأتوبيسات ذات التذاكر الأرخص وتصبح الزيادة أمراً واقعاً".

ويرى عمرو عدلي أن الحكومة في الأغلب ستقوم باتخاذ إجراءات رفع الأسعار وإعادة هيكلة الدعم بشكل تدريجي.

ولا يعتقد أن صندوق النقد الدولي سيمارس ضغوطا على مصر من شأنها أن تؤدي إلى "كارثة" في البلاد.

تعليقات الفيسبوك