محمد الدويك
محمد الدويك

خطبة الجمعة.. غفوة المصلين وتحركات عاجز

الثلاثاء 26-07-2016 | PM 07:24

لو عدنا للوراء نستكشف طبيعة خطبة الجمعة، وبداية نشأتها، في زمن الرسول لربما وجدنا أوضاعا مختلفة..

 فالثابت أن خطبة الرسول في معظم حالاتها لم تتجاوز من عشرة إلى خمس عشرة دقيقة على أقصى تقدير.

 فإحدى الصحابيات قالت لقد حفظت سورة ق من كثرة ما قرأها رسول الله على المنبر.. وتلك معلومة أخرى.. أن رسول الله لم يكن يقف على المنبر ليعظ الناس بكلامه الخاص أو يتلو عليهم الأشعار والكلمات المسجوعة ويسترسل في الشرح والتفصيل.. بل كان عليه الصلاة والسلام يقرأ قليلا من القرآن الكريم، بمقدار سورة ق وهي لا تجاوز صفحتين من كتاب الله، ثم يهبط ويقيم الصلاة.

خطبة الجمعة لم تفرض في الإسلام إلا بعد الهجرة، في المدينة، وكانت أول خطبة للنبي لا تجاوز خمسة سطور.. حمد الله وأثنى عليه، ثم ذكرهم بالمسئولية الشخصية لكل إنسان عن حياته، وذكرهم بالعودة إلى الله يوما، في الآخرة، يقف كل واحد بمفرده يتحدث إلى ربه، فأعدوا لكل سؤال جوابا.. ثم أوصاهم بعمل الخير ولو بشق تمرة.. فمن لم يستطع فبكلمة طيبة.. انتهى.

هذا هو الدين في نسخته الأولى، التلقائية، الأصيلة، الصادر من فم النبي مباشرة.. وتلك كانت شخصية الرسول.. رجل قليل الكلام، عميق المعنى، لا يكثر على الناس بالوصايا والوعظيات.

هل خطبة الجمعة صارت تؤدي نفس الغرض.. أو هل هي تمشي على سنة الرسول..؟

  في رأيي أن خطبة الجمعة هي وقت ملائم لكثير من المصريين كي يستمتع بالتكييف الموجود في معظم المساجد الآن ثم يركن ظهره إلى حائط أو عمود ويستمتع بغفوة قليلة في يوم إجازته الذي اضطر للاستيقاظ فيه لأداء الصلاة. ومن حين لآخر يستيقظ ليتابع الحدث.. الآن جلسة استراحة.. الآن وقت الدعاء، ليقل آمين.. الآن وقت الإقامة.

صارت التكنولوجيا الحديثة الآن توفر لكل واحد مصدره الخاص في تلقي المعرفة من شيخه الذي يقتنع به.. فلم تعد خطبة الجمعة هي المحورية في تحريك الأحداث.

 أما عن طبيعة المساجد في مصر فهي منقسمة بين وزارة الأوقاف، وبين السلفيين.

وكلنا يعلم المستوى المتواضع لخطباء الأزهر الشريف، الذين عانوا تعليما كسيحا متخلفا، ويعانون من مستوى دخل منخفض.. فلم يعد التطوير العلمي والفكري هو الأساس، على قدر ما هي مجرد وظيفة يؤدونها على كره منهم.

أما التيار السلفي الذي يسيطر على كثير من المنابر، قديما بضوء أخضر من حبيب العادلي شخصيا، وحديثا بالمهادنة مع السلطة، فهم متنوعون حقا.

 

 بعضهم ما زال يصر على القضايا التقليدية التي اعتدناها منهم مثل الإسلام الشكلاني، أو مهاجمة البدع، أو صب لعناتهم على المرأة، أو معاداة الآخر، وتفسيق كل من لا ينتمي إليهم، أو الدعوة إلى الالتزام بأكبر كم ممكن من العبادة.. التدين الكمي عندهم مهم، بغض النظر عما يؤتيه هذا الكم من أثر على قلب الإنسان ووعيه وعاطفته.

 

 وهؤلاء يمثلون خطرا كبيرا، لأن ما يبثونه في عقول الناس يمثل دينا موازيا للدين الإسلامي، لا يقترب من مضمونه إلا في الاسم فقط.. وعندما نحاول إعادة الناس إلى الدين الفعلي نجد صعوبة كبيرة، واتهامات لا حصر لها.. وتصير النسخة الموازية، المزيفة، المضرة، هي الأساس.

الخطبة الموحدة لن تفيد في إصلاح حال الخطابة في مصر، داخل أكثر من ١٠٠ ألف مسجد يتبعون وزارة الأوقاف، لأن الحل يكمن في إصلاح التعليم الديني والانفتاح الفكري ومواكبة العصر وإبداع منظومة فقهية جديدة..

كذلك الخطبة الموحدة لن تجبر السلفيين على الالتزام بها، كما أنهم يجدون وسائل بديلة مثل الدروس التي تعقد بعد الصلوات والكتيبات رخيصة الثمن.

الخطبة الموحدة مجرد حركة عاجز يريد أن يثبت أنه ما زال على قيد الحياة، لكن الحقيقة أن أعضاءه قد فسدت جميعها ولم يبق منه إلا صورة باهتة لا تقنع أحدا.

 ما زالت المؤسسة الدينية الرسمية تعاني تخبطا وفشلا في إدارة المشهد الديني، لكن مع هذا التخبط، هناك عناد وكبر على الاعتراف بالأزمة.

 

*كاتب صحفي وباحث متخصص في الشأن الإسلامي.

تعليقات الفيسبوك