أحمد بان
أحمد بان

توحيد الخطبة وأقراص السلفا!

الثلاثاء 26-07-2016 | PM 07:18

لا تعدم الدولة المصرية إنتاج المشكلات بديلا عن الحلول، لذلك لم يكن غريبا أن يخرج علينا وزير الأوقاف بما تصوره حلا لمشكلة تردي الخطاب الديني، عبر الاشتباك مع أهم مفرداته.. خطبة الجمعة، تلك العظة الأسبوعية التي تعد في واقع الملايين المظهر الباقي لعلاقتهم بدينهم.

 تصور خيال الرجل أن حل المشكلة أن يتلقى وعي الجميع جرعة نمطية واحدة للمعارف الإسلامية في خطبة موحدة في نص مكتوب، يقرأه مندوب وزارة الأوقاف على المنابر على امتداد القطر المصري ،كما لو كان امتدادا لتعليمات ونصائح وزارة التعليم التي تطبعها على أغلفة الكتب المدرسية، لتحصين الناس من آفة الإرهاب والمعارف الدينية المشوهة التي تشق طريقها إلى عقولهم بيد دعاة التطرف، الذين تمدد وجودهم في فراغ غياب المؤسسات الرسمية التي تعد وزارة الأوقاف واحدة منها.

يبدو توحيد الخطبة كأقراص السلفا التي كانت المستشفيات الحكومية تقدمها للمرضى، وإن تنوعت أمراضهم وأوجاعهم فمهما كان داؤك فليس لدينا سوى أقراص السلفا.

تبدو مشكلة الخطاب الديني في مصر أعقد من خطبة يتم توحيد نصها وموضوعها، يا سادة حتى لو اختزلتم المشكلة في علاج خطبة الجمعة، فالحل لا يكون بتوحيد النص والموضوع، بل بإعادة الاعتبار لمعايير الخطبة لتتقلد مكانتها كأداة إصلاح واشتباك مع واقع الناس.

الخطيب ليس موظفا لدى الحكومة يتلو تعليماتها على المواطنين بسيف الشرع، الخطيب إمام للناس يتعرف إلى واقعهم ويتأمل فيه بعمق الفيلسوف ومهارة الطبيب ومشاعر الأب الحاني، فيضع تصورا لمشكلاتهم السلوكية والوجدانية، ويضع لعلاجها الروشتة الصحيحة بعد رفع واقعهم ومن ثم تحديد الأولويات الصحيحة، التي تبدأ بتربية ضمائرهم وزرع محبة الله وخشيته في نفوسهم.هو كالزارع لا يضع البذور إلا في أرض ممهدة صالحة لأن تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها، لا يقول كلمته ويرحل بل يختار لكل كلمة موضعها ولكل بذرة موعدها الصحيح، عبر دأب وصبر ويقين بالله واستشعار للمسؤولية أمامه قبل خلقه، يا سادة أولويات الصعيد تختلف عن الوادي وعن السواحل.

الجغرافيا ليست مجرد تضاريس وطقس متباين، بل تباين في النفوس والاهتمامات والسلوكيات، يستدعى بالمقابل تنوعا في الوسائل والآليات والخطاب، لذا يصبح التنميط جريمة لأنه يتجاهل هذا التباين كما يتجاهل أولويات الخطاب أو الرسالة التي ينبغي أن تكون مناسبة للمتلقي، تراعى أحواله وتركيبته واهتماماته، وهو ما يتعارض مع توحيد الخطبة بوضوح.

تخيل إماما وخطيبا في الصعيد يواجه قضية الثأر وقريته مشتعلة بثأر، هل يتحدث عبر خطبة موحدة ومكتوبة مثلا عن أهمية المحافظة على البيئة، وهو موضوع مهم لاشك لكن هل تستقيم تلاوته على أهل تلك القرية والثأر يأكل قلوبهم. هذا فقط مثال بسيط على أن من يخطط لحل المشكلة لم يتعرف عليها جيدا ولم يرفع الواقع أو يتعرف عليه، وبالتالي لم يهده تفكيره سوى لقرص السلفا علاجا لكل الأمراض.

لا أتصور أن توحيد الخطب حل للمشكلة ،بل هو مشكلة جديدة ستفاقم غربة الخطاب الديني الرسمي وتفتح الباب لخطابات أخرى أنتجت لنا التطرف والإرهاب بالأحادية التي تتجاهل التنوع. يا وزير الأوقاف الأمر أكبر منك بكثير وأكبر من وزارتك، فلا تحارب طواحين الهواء بتوحيد الخطبة.

الأولى أن نستعيد الحد الأدنى من توحيد المفاهيم المتعلقة بالأزمة، وتحد مكانك ودورك في إستراتيجية أوسع من طاقات وزارتك أو حكومتك التي ربما تسعفنا بحلول وليس مشكلات كما تعودت حكومتكم الموقرة.

*باحث إسلامي

تعليقات الفيسبوك