كمال رمزي
كمال رمزي

فوق مستوى الشبهات

الأربعاء 20-07-2016 | PM 03:11

لولا موهبة يسرا مع مهارة هانى خليفة، لكان «فوق مستوى الشبهات» عملا غير قابل للإقناع، وربما، عسير المشاهدة، نظرا إلى ما يتضمنه من رؤية حالكة السواد، لا ترى فى الآخرين إلا مجرد وحوش فتاكة، تلغ فى دم ضحاياها بلا رحمة.

رحمة حليم، «يسرا»، الجميلة، الرقيقة، بدنا وروحا، الناجحة اجتماعيا، المهيأة للانخراط فى مجلس النواب، الميسورة الحال، القاطنة فى أحد «الكومبوندات» الفاخرة، ينكشف معدنا الخسيس، منذ الحلقة الأولى، حيث تنهال على رأس الطبيب النفسانى، بتمثال، فوق رأسه، عدة مرات، لا تتركه إلا بعد مصرعه. ثم بأعصاب من حديد، تفتش عن تسجيلات لشقيقتها، نعلم لاحقا، أن «رحمة» هى المتسببة فى انهيارها.

رحمة المحترمة، المرموقة، الحاصلة على دكتوراه فى التنمية البشرية، تدلى بأحاديث عميقة ممتعة فى البرامج التليفزيونية، مما يدحض ادعاء طليقها المجرم «عز»، «سيد رجب»، إنها حصلت على إجازتها العلمية عن طريق التدليس.

مع توالى الحلقات، تنكشف الأعوار القاتمة المظلمة، لبطلة المسلسل، التى تعمل بدأب على تدمير كل من حولها، حتى شقيقتها، جيرانها، والدتها، وبذكائها الشرير، تنجح فى مسعاها، خاصة مع زوجها السابق المريب، «عز»، الذى تتآمر ضده، قبل بدء الأحداث، وتزج به فى السجن، ليقضى خمس سنوات، يخرج بعدها بأحاسيس متناقضة تجاهها، تجمع بين العشق والكراهية.

مكتوب فى العناوين، أن مؤلفى العمل هما أمين جمال، عبدالله حسن، أما كاتب السيناريو والحوار، فإنه محمد رجاء. طبعا، لم أعرف أو أتفهم دور كل واحد. المهم، أنهم نجحوا فى تجسيد حالة من «الشرق المطلق»، المدجج بموت الضمير، المتفجر بالذكاء، مع فشل ذريع فى تفسير أسبابه، فبالتأكيد، لا يكفى القول إن والدتها تزوجت بآخر، وأرسلت ابنتها لطليقها فى لندن، ليلحقها بمدرسة داخلية، تعانى فيها من عداء الأخريات، وبالتالى، اعتمل الحقد فى داخلها، تجاه الجميع.

تمتد هذه الرؤية التعيسة إلى معظم أبطال المسلسل، نساء ورجال، «دنيا»، بأداء «نجلاء بدر»، تخون زوجها بانتظام، مع دون جوان متعدد العلاقات، قليل الكلام، اسمه عمر «أحمد حاتم»، برغم أنها متزوجة من رجل طيب، «مراد مكرم». ثم ها هو الجراح المحترم، «الدكتور هشام»، «زكى فطين عبدالوهاب»، لا يقيم علاقة مع أخرى، بل يتزوجها، عقب القبض على زوجته المظلومة إنجى الشربينى «شيرين رضا»، المتهمة بقتل الطبيب النفسانى.

«فوق مستوى الشبهات»، عمل ليلى، تدور معظم مشاهده فى الظلال، «الكومبوند» يرزح فى درجات من العتمة، تتمشى مع ظلام النفوس. وحتى المواقف النهائية، فإنها تدور إما فى حجرات التحقيق، أو ممرات المستشفيات، أو داخل فيلا «رحمة»، الأنيقة، الكئيبة.

إلى جانب عنصر التشويق، الذى يحققه هانى خليفة، يدير ممثليه على نحو يطلق أفضل طاقاتهم الإبداعية، يبين، بقوة الإيحاء، انفعالاتهم المتناقضة، المعتملة فى أعماقهم. مثلا، يتعرض «سيد رجب» للمهانة من «يسرا» التى تتحدث بهدوء مدمر، عن شعورها بالتقزز، تجاهه، حين كانت بجانبه، على فراش الزوجية. هى، تبدو قاسية، متجبرة، متلذذة بإيلامه. بينما هو، بشبح ابتسامة، يعبر عن عشق لم يخفت شعلته، ورغبة حارقة فى الانتقام.

التفاصيل النفسانية هى أفضل إنجازات هانى خليفة، تمتد لتشمل الشخصيات الثانوية: والدة الزوج المخدوع، الضعيف، الحائر، الذى يؤديه لطيفة فهمى، القوية، تكشف سر زوجة ابنها أمام والديها، بقلب من جليد، ونظرة انتصار مستترة.

أما يسرا، فإن ملامح وجهها النحيل، يغدو أدوات تعبير بالغة الثراء، تنتقل به من انفعال لانفعال، على نحو ناعم، عميق الإقناع. فى الكثير من الأحيان، تبين بجلاء، ما تخفيه من مشاعر، فنظرة جانبية، تظهر مدى التلذذ الخبيث، وهى تحنو على إحدى ضحاياها.«فوق مستوى الشبهات»، فيه من التمكن الشىء الكثير، لكنه حالك السواد.

تعليقات الفيسبوك