سامح فوزي
سامح فوزي

ضحكات منزوعة الدسم

الأربعاء 22-06-2016 | PM 02:44

لا أعرف سببا لاستمرار برنامجين في شهر رمضان يقطران سخافة واستخفافا بعقول الناس، الأول برنامج «رامز جلال» والثاني برنامج «هاني في الأدغال»، وينطلقان من نفس الفكرة: استحضار أحد المشاهير، ثم وضعه في مأزق أو مقلب باللغة الدارجة، والضغط على أعصابه، إلى أن يصل في النهاية لاكتشاف طبيعة المقلب الذي حيك له أو لها، وننتظر ردود أفعال المشاهير المتباينة من قيام البعض بالبكاء أو السباب أو اللجوء إلى الاشتباك البدني مع من وضعه في هذه الصورة. وبالطبع يتخلل البرنامج وصلات «إعلانية» ممتدة.

الواضح للعيان أن البرنامج ما هو إلا تمثيلية على المشاهد، فالمشاهير الذين يشاركون تباعا فى البرنامج على بينة بما سوف يحدث، وهناك مقابل مادي سخي يحصلون عليه. ومما يثبت ذلك، بالإضافة إلى شهادات ممثلين نشرت سابقا عن ذلك، أن ردود الأفعال فى كل الحلقات رغم اختلاف الشخوص تكاد تكون متماثلة، مما يعنى أن هناك «هندسة» تقف خلف المشهد برمته.

في برنامج «هاني رمزي» يتصرف الشخص الذى يوضع في سيارة مغلقة بصندوق حديد تداعبه الأسود من الخارج بنفس الأسلوب، دون اختلاف، ردود أفعال واحدة متماثلة، لا يظهر فيها أي اختلاف.

يتكرر نفس الأمر في برنامج «رامز جلال»، بما يوحي أن المسألة ما هي إلا مشاهد محبوكة، ومقالب فنية متفق عليها، ومشاهد بائس يضحك على ما يشاهده، وكان أحرى به أن يضحك على نفسه لمشاهدة هذا السخف. وقد تداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية تعليقات على الحلقات التي قدمها «رامز جلال» بها كثير من النقد، وإظهار الجوانب التي تكشف أن المسألة برمتها مصطنعة.

دار الإفتاء اعتبرت هذه البرامج حراما لأنه تروع المسلم، لكنها تروعه بالاتفاق المسبق معه، وبالمقابل المادى السخي المرصود لهذا الترويع. فى دول كثيرة من العالم هناك برامج شبيهة لكن ليست بهذا السخف، وبها كثير من اللطف والمفاجأة الذكية والضحكات التلقائية، على غرار برامج «الكاميرا الخفية». 

الإشكالية الحقيقية في استمرار هذه النوعية من البرامج أنها تعزز ثقافة بائسة تقوم على الاستهلاك لكل شىء بما فى ذلك البشر طالما أن المقابل مدفوع، وتجعل مجتمعا مطالبا بالتفكير الجدى للخروج من الأزمات، التى يعيشها أن ينشغل بهذه التفاهات، ويتغيب بها عن الواقع، والأنكى أنها تظهر «مشاهير» يلجأون إلى الاشتراك فى تمثيلية سخيفة بحثا عن مقابل مادى، وهو الأمر الذى يرفضه أقران لهم، ممن يأبون إلا أن يكونوا ممثلين بحق، وليسوا مدعى تمثيل فى مشاهد كاريكاتورية مهندسة.

بالتأكيد نحن لا نطالب بإلغاء عمل تليفزيوني أو فني، لأن في ذلك مصادرة على عقول الناس لا نقبلها، ويحق للمشاهد أن يختار ماذا يشاهد، ولكن بالرغم من ذلك فإن سوق العرض والطلب المفتوح به الكثير من أوجه الثقافة السلبية تحتاج إلى وقفة جادة.

تعليقات الفيسبوك