ناجي كامل ... الرجل الأخير في الزنزانة 22

الخميس 16-06-2016 PM 03:24

ناجي كامل - صورة من صفحته على فيس بوك

الثقة كانت وراء انتخابه "نوباتشي" الزنزانة 22، والشعور بالمسؤولية كان وراء قراره أن يكون الرجل الأخير الذي يغادرها.

أراد ناجي كامل، القيادي الطلابي السابق في جامعة حلوان وعضو ائتلاف شباب الثورة، أن يتحمل مسئوليته كأحد الداعين لتظاهرات 25 إبريل ضد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وألا يغادر زنزانته إلا بعد الاطمئنان على الجميع.

كامل هو أحد أبطال قصة نزلاء الزنزانة 22 الذين أثاروا الاهتمام بأحكام الغرامة ضدهم والتي قاربت خمسة ملايين جنيه وصراعهم على لقب الرجل الأخير الذي يغادر الزنزانة.

البداية

"عارف إن ممكن يتقبض عليا وعارف إن نزولى مش آمن حاجة  وعارف إن عندى بنات محتاجين أبقى معاهم  بس قررت أنزل عشانهم وعلشان بكره بتاعهم" هذا ما كتبه كامل على صفحته على فيس بوك يوم 25 إبريل الماضي قبل ساعات قليلة من مشاركته في المظاهرات المعترضة على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

انتهت المظاهرة، التي كان كامل أحد قياداتها، لكن قوات الأمن ألقت القبض على عشرات كان هو ضمنهم، ونُقلوا إلى معسكر الأمن المركزي في الكيلو 10.5 على طريق مصر إسكندرية - الصحراوي.

وبعد خمسة أيام حكم على كامل و46 آخرين–ممن عرفوا بمجموعة الدقي والعجوزة- بالسجن خمسة أعوام بتهم "التحريض على استخدام القوة لقلب نظام الحكم .. واستخدام العنف والتهديد لحمل رئيس الجمهورية على الامتناع عن عمل من اختصاصه ومهامه الموكلة إليه طبقًا للدستور.. والتحريض على التظاهر".

بعد صدور الحكم نُقل المتهمون البالغ عددهم 47 إلى سجن الكيلو عشرة ونصف طريق مصر - إسكندرية الصحراوي، وأودعوا في الزنزانة 22.

الزنزانة 22

"كنا 47 واحد في زنزانة 60 متر مربع، يعني كل حاجة لازم تبقى بحساب. كل واحد ليه مكان معروف بينام فيه ومكان بنحط فيه الأكل"، هكذا يصف كامل المكان الذي أمضى فيه 37 يوماً ليكون آخر من يغادره.

لم يكن لدى كامل معرفة سابقة سوى بخمسة أشخاص فقط من زملاء الزنزانة، لكن خبرته السياسية مكنته من كسب ثقتهم ولعب دور قيادي في تنظيم الحياة طوال فترة حبسهم.

"أول حاجة عملناها لما اتنقلنا لسجن 10.5 كانت تنظيم حياتنا ... ماكناش عارفين احنا هانقضي وقت قد إيه لحد ما الاستئناف يتنظر ويتحكم فيه. انتخبنا مسؤول إعاشة ومسؤول نظافة ومسؤول للجنة الفنية ومسؤول رياضي .. وتم انتخابي توباتشي الزنزانة، يعني مسؤول الزنزانة أو القيادة بتاعتها".

بعد حوالي أربعة أيام من صدور الحكم بدأ معتقلو "الأرض" من مجموعة الدقي والعجوزة إضرابا عن الطعام.

"الحكم كان صدمة لناس كتير .. وابتدت فكرة الإضراب عن الطعام تطلع بين الناس بشكل تلقائي وحصل توافق عليها واتفقنا نتقسم مجموعات، ونبدأ الإضراب بالتوالي كشكل من أشكال الضغط وعلشان قضيتنا، اللي هي قضية سياسية في المقام الأول تفضل حية ويفضل في زخم ومناقشة حواليها".

كان كامل في المجموعة الأولى التي دخلت الإضراب عن الطعام، والتي أصدرت بياناً قالت فيه، "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا لندخل اليوم في إضراب عن الطعام دفاعًا عن أحلامنا ومستقبلنا وأيام عمرنا التي يستنزفها السجن دون مبرر".

استمر الإضراب عن الطعام حتى صدر الحكم في الاستئناف المقدم من معتقلي الدقي والعجوزة.

ولعب كامل دوراً قيادياً في ثورة 25 يناير وكان عضواً في ائتلاف شباب الثورة، كما شارك في التعبئة وقيادة العديد من التظاهرات التي خرجت في السنوات الماضية للمطالبة باستكمال مطالب الثورة.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يلقى فيها القبض على كامل، حيث سبق أن أمضى أسابيع محبوساً سنة 2014 ضمن آخرين اتهموا بالتظاهر أثناء الاحتفال بذكرى ثورة يناير.

الدفع أو الحبس

بعد عشرة أيام من صدور الحكم ضدهم، نظرت محكمة جنح مستأنف الدقي، استئناف معتقلي الأرض من مجموعة الدقي والعجوزة وقضت بإلغاء عقوبة الحبس والاكتفاء بتغريم كل متهم 100 ألف جنيه، أو الحبس ثلاثة أشهر.

ويقول كامل، "الناس فرحت بالحكم جداً .. بس بعد شوية صغيرة ابتدينا نفكر في المشكلة اللي قدامنا: هانعمل إيه في موضوع الغرامات؟".

ويضيف، "كان رأيي إن احنا نرفض ندفع الغرامات ونقعد المدة اللي فاضلة من التلات شهور .. كنت شايف إن أسلوب الغرامات ممكن يبقى أسلوب جديد تستخدمه الدولة مع المعارضين ويكون سبب في تراجع الحركة الوليدة لأن الناس هتخاف.. بس برضه كنت شايف إن ده لازم يبقى قرار جماعي".

لكن وبعد التأكد من أن قضاء مدة الثلاثة أشهر لن يكون بديلاً عن الغرامة المالية، حيث ستظل ديناً يجب على الشخص دفعه للدولة، أصبح القرار "المنطقي" هو دفع الغرامات. ولكن كيف؟

"كنت عارف إن فيه ناس ظروف أهلها تسمح لها إنها تدفع الغرامات، لكن في ناس تانية أهلها هايبيعوا اللي وراهم وقدامهم ومش هايقدروا يجمعوا إلا جزء صغير من مبلغ الغرامة".

"فكرة إن ناس تفضل محبوسة لأنها معهاش تدفع كانت فكرة مرفوضة ممكن تكون نتيجتها كسر الناس دي .. في نفس الوقت عرفت من المحامين إن في اتجاه لعمل حملة شعبية لجمع الغرامات لكل معتقلي الأرض بغض النظر عن مين فيهم ناشط معروف ومين لأ .. الكل هيشارك والكل هايخرج".

بدأ معتقلو الأرض جلسات حوار ومناقشات أعدوا من خلالها قائمة بترتيب الخروج حسب ظروف كل شخص والتزاماته.

"كانت المناقشة مذهلة ... ما حصلتش مشاكل خالص ... في ناس اختارت من الأول إنها تحط نفسها في آخر قايمة الخارجين وماحصلش أي اختلاف حوالين مين هايطلع الأول .. الكل كان راضي بالترتيب اللي اتفقنا عليه .. بالعكس الخناقة كانت مع الناس اللي عاوزة تستني للآخر".

وضع معتقلو الأرض مجموعة من المعايير لترتيب أولويات الخروج من ضمنها ظروف الشخص الاجتماعية، وظروف عمله، وظروف دراسته وامتحاناته.

لم تتدخل إدارة السجن في النقاشات التي أدارها نزلاء الزنزانة 22 حول مسألة الغرامات وترتيب الخروج، كما يؤكد كامل. وكان المحامون يقومون بسداد مبالغ الغرامات حسب الترتيب الذي تم إعداده باتفاق جماعي.

الرجل الأخير

بعد صدور الحكم بإلغاء عقوبة الحبس وتخفيفها لغرامة خرج خمس أشخاص دفعت لهم أسرهم الغرامات وتبقى 42 شخصاً.

منذ صدور الحكم قرر كامل، الأب لطفلتين، أن يكون الرجل الأخير الذي يغادر الزنزانة 22، رافضاً أن يوصف موقفه بالمثالية أو البطولة.

"اللي عملته ده هو الطبيعي .. في ناس متعلقة في رقبتي .. أنا كنت جزء من الدعوة لمظاهرة 25 إبريل وكنت شايف إني ماينفعش أتخلى عن الناس وأخرج وأسيبهم .. موقفي ده مافيهوش أي بطولة .. دا الموقف الطبيعي اللي أي حد في مكاني كان لازم ياخده".

خلال حوالي 12 يوماً كان مبلغ الغرامات المقدر بأربعة ملايين وسبعمائة ألف جنيه قد تم جمعه ودفعه بالكامل من خلال حملة شعبية.

يوم 5 يونيو الماضي كان كامل آخر من غادر الزنزانة 22 من الشباب المصريين من معتقلي مظاهرات تيران وصنافير، ليبدأ هو ومن سبقه رحلة السعي وراء رفيق حبسهم، السوري هشام زهير، الذي مازال محتجزاً بناء على أوامر الأمن الوطني، والذي يواجه احتمالات الترحيل إلى سوريا. 

تعليقات الفيسبوك