د. عائشة شكر
د. عائشة شكر

شهر رمضان بملامح مصرية

الأحد 12-06-2016 | PM 02:21

رمضان هو شهر فريضة الصيام عند المسلمين في أنحاء العالم، لكن الشعوب الإسلامية تتفاوت في أساليب استقبالها وإحياء شعائره بحسب ثقافتها الشعبية وظروفها الاجتماعية العامة.

وفي مصر يسهل ملاحظة طابع يميز الاحتفالات الشعبىية طوال الشهر وما يصاحبها من مجموعة العادات والتقاليد المستقرة من زمن بعيد. ويسعى المجتمع عبر ممارستها إلى تكريس قيمه المتوارثة وتنشئة الأجيال الجديدة وفقا لها، وذلك من خلال مشاركة الصغار والكبار معا في أداء الطقوس والعادات المرتبطة بالشهر الكريم.

وقبل أن يحل رمضان يشارك الصغار والكبار من سكان الأحياء الشعبية في إعداد الزينات والرايات وخطوط الإضاءة التي تمتد بعرض الشارع وطوله من بيت إلى بيت تعطي مظهرا احتفاليا بهيجا يعم أغلب أنحاء المدينة، وأخذت هذه العادة من الفراعنة حيث كانوا يستقبلوا أعياد الألهة بالزينات والمواكب، وكادت أن تختفي هذه العادات لكنها تجددت على نطاق واسع في العصر الفاطمي.

ومازال الفانوس إلى اليوم، هو الرمز التشكيلي الدال على شهر رمضان في مصر، فهو ليس مجرد وسيلة إنارة، بل أيقونة يحرص الآباء على تقديمها لأطفالهم ويهديها الشاب المقبل على الزواج إلى خطيبته مع الحلوى والمكسرات بمناسبة حلول رمضان. والفانوس صغير الحجم يلهو به الأطفال، أما في الأماكن العامة والفنادق فنصادف احجاما اكبر من الفوانيس متعددة ألأشكال والألوان تستخدم كقطعة ديكور للزينة وإضفاء طابع رمضاني على المكان.

وللفوانيس في مصر تاريخ طويل من أقدم العصور، حيث يعود لعصر الفراعنة وسجل هيرودت في كتابه عن مصر الفرعونية مشاهداته لاحتفالاتهم بعيد "المصابيح"، فذكر إنهم كانوا يحجون إلى مدينة تانيس شرق الدلتا - مدينه مصريه قديمه مكانها الحالى صان الحجر فى مركز فاقوس- في جماعات من مختلف الأعمار من الجنسين مستقلين قوارب مزينة بالفوانيس المتعددة الأشكال والألوان. واستمر الفانوس وسيلة الإضاءة طويلا فيما قبل الاعتماد على الكهرباء، وفي العصر الفاطمي كان الخليفة الفاطمي يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيؤوا له الطريق. كان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معاً بغناء بعض الأغاني الجميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.

وكان من الممكن ان يتراجع الطلب عليه أو يختفي  بعد انتفاء الحاجة إليه لولا تمسك المصريون به كأحد علامات ورموز احتفالاتهم بشهر رمضان.  

ويوظف المجتمع المصري مظاهر رمضان في غرس وتأكيد مجموعة من القيم الاجتماعية التي يتمسك بها ويحرص على تنشئة الأجيال الجديدة عليها، ومن أبرزها قيمة الترابط الأسري والعائلي، وقيمة التكافل الاجتماعي الموجودة في الدين الإسلامي، فمن العادات الشعبية السائدة أن تجتمع الأسر الصغيرة في نطاق العائلة الممتدة على مائدة الإفطار حيث يلتقى الأحفاد والأعمام والأقارب معا فيتعارف ويتفاعل افراد العائلة  من أجيال مختلفة.

وازدهرت الموائد في رمضان في العصر الفاطمي وعرفت وقتها الأسمطة -وهي مائدة ممتدة يقيمها كبار رجال الدولة- لأنه كان عصر رخاء وازدهار اقتصادي لكنها امتزجت مع العادات المصرية الفرعونية، لكن بأشكال جديدة من الحلوى منها أصابع زينب والمطبق والحلوى المليئة بالمكسرات وكلها تعبر عن الفرحة والابتهاج، بعدما اعتمد المصري القديم على المشروبات والأطعمة المرتبطة بالبيئة المصرية (الكركديه، التمر هندي، والخروب، الليمون).

وعادة ما تمتد السهرة لما بعد الأفطار، فيؤدي البعض فروض الصلاة الجماعية معا بالبيت أو في أقرب مسجد، والبعض الآخر يقضي السهرة  العائلية في السمر  وتبادل الأحاديث والأخبار. وتتكرر ولائم الأفطار العائلي موزعة بالتبادل بين الأسر.

أما عن مظاهر التكافل الاجتماعي فالمشاعر الدينية تعززها خلال رمضان فيكثر الإقبال على أداء فريضة الزكاة وجمع التبرعات للمشروعات الخيرية أو الأفراد المعوزين، ويتكفل بعض القادرين  بتوفير الطعام لمن يقومون بخدمتهم أو للمحتاجين من الأسر المحيطة بالمسكن، هذا بخلاف موائد الرحمن التي يتكفل ألأثرياء بنفقات إقامتها طوال الشهر الكريم  لتقديم وجبات الإفطار كاملة لكل عابر سبيل، ويتصادف أن تحين ساعة الإفطار قبل عودة الصائمين إلى بيوتهم  وهم مازالوا فى الطريق إليها، ولخدمة هؤلاء الصائمين وتخفيفا عنهم يشكل الشباب جماعات تقف عند تقاطعات الطرق لتقدم الماء البارد والمشروبات مع أطعمة خفيفة كالتمر وكل ما يصلح لكي (يكسر أويشق الصيام) ويريح الصائم مؤقتا من العطش والجوع.

ومن الملامح المميزة لرمضان في مصر ما نلاحظه من تلازم بين العبادات والترفيه  إذ لايجد المصريون تعارضا في الجمع بينهما بشكل متواز، كتقدير أصحاب الأصوات الجميلة من مقرئ القرآن وحلقات الإنشاد الديني، فيتوجهون إلى حيث يكون تجمعهم في حلقات تستمتع بموهبة الإبداع الجمالي والأداء الفني للمقرئ أو المنشد.

وتنشط خلال الشهر حلقات المديح النبوي والموشحات الدينية وقصائد التراث فيتلازم الذكر الديني مع المتعة الفنية الجمالية دون تعارض. وفي ذات السياق يزيد الإقبال على رحلات السفر لأداء العمرة في الأراضى المقدسة، ومن لم يستطع فيتوجه لزيارة عتبات آل البيت بمساجد القاهرة والمشاهير من أولياء الله في المحافظات.

د.عائشة شكر

مدير مركز الدراسات والفنون الشعبية الأسبق

تعليقات الفيسبوك