نفقات الدعم بين "التقشف" و"البحبحة" في الموازنة الجديدة

الثلاثاء 31-05-2016 PM 03:43

رجل يزود سيارة بالوقود في محطة وقود بالقاهرة. صورة من رويترز.

خفضت الحكومة مخصصات دعم المواد البترولية بشكل كبير في موازنة العام المالي المقبل 2016- 2017، وسط توقعات باتجاهها لتطبيق زيادة جديدة في أسعار الوقود عقب شهر رمضان.

لكنها توسعت في الإنفاق على دعم السلع التموينية، كإجراء تعويضي للمواطنين عن الزيادات التي تشهدها أسعار السلع، نتيجة ضعف العملة المحلية في مقابل الدولار، بينما ثبتت الدعم المخصص للأدوية وألبان الأطفال.

أما بالنسبة للدعم المقدم للمستثمرين ولبعض أوجه التنمية، فقد زادت الحكومة من دعم المناطق الصناعية بينما لم تستجب لمطالب المستثمرين المتكررة بزيادة مخصصات دعم الصادرات، حيث استقر عند نفس مستواه في العام الجاري.

كما تم تثبيت المبالغ الموجهة لتنمية الصعيد، في حين زاد الدعم المخصص للمزارعين.

أصوات مصرية تعرض التغير في مخصصات أبرز القطاعات التي تدعمها الحكومة وأسبابه.

انخفاض دعم الطاقة

خفضت الحكومة دعم المواد البترولية والكهرباء بنسبة 43.2% دفعة واحدة في موازنة العام المالي المقبل، الذي يبدأ في يوليو 2016، مقارنة بالعام الجاري، ليصل إلى نحو 35 مليار جنيه.

وقالت وزارة المالية في البيان المالي للموازنة الجديدة، والتي يناقشها مجلس النواب حاليا، إن تراجع مخصصات هذا البند مبني على توقعاتها لانخفاض متوسط أسعار البترول العالمية إلى 40 دولارا للبرميل خلال ذلك العام، مقابل 47 دولارا في العام الجاري.

وتدور أسعار البترول العالمية حاليا حول 50 دولارا للبرميل صعودا من أدنى مستوى سجلته في 12 عاما، عندما اقتربت من 27 دولارا للبرميل في مطلع العام الجاري.

كما ستساهم الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها في سبيل إحكام الرقابة على تداول المواد البترولية، وتفعيل منظومة الكروت الذكية أيضا في تحقيق الخفض المستهدف للدعم.

وتقول ريهام الدسوقي، كبير محللي الاقتصاد في بنك استثمار أرقام كابيتال الإماراتي، إن انخفاض أسعار البترول العالمية ليس كافيا وحده لتفسير التراجع الكبير في مخصصات دعم المواد البترولية في الموازنة الجديدة، موضحة أن الحكومة تعول كثيرا على تفعيل منظومة الكروت الذكية والحد من تهريب المواد البترولية.

وأضافت "أعتقد أن الحكومة ستختار وقتا مناسبا بعد شهر رمضان لفرض زيادة جديدة في أسعار المحروقات".

وكانت الحكومة قد رفعت أسعار المحروقات (البنزين والسولار والغاز) في بداية العام المالي الماضي، في خطة كانت تستهدف خفضا تدريجيا للدعم للسيطرة على عجز الموازنة، لكنها لم تواصل هذه الخطة في العام المالي الجاري، خاصة مع انخفاض أسعار البترول العالمية.

الكروت الذكية

تتوقع الحكومة العمل بمنظومة الكروت الذكية للوقود خلال العام الجاري وفقا للبيان المالي لمشروع الموازنة، لكنها لم تحدد موعدا نهائيا لتلك الخطوة التي أعلنت أكثر من مرة عن تطبيقها للحد من تسرب البنزين والسولار المدعوم إلى التجار، لكنها لم تنفذها فعليا حتى الآن.

ولا تشمل المرحلة الأولى من تطبيق منظومة الكروت وضع حد أقصى لكميات الوقود المدعم المسموح باستهلاكه، لكن يُتوقع في مراحل مقبلة أن يكون من حق صاحب كل كارت الحصول على كمية محددة من المواد البترولية بالأسعار المدعمة، أما ما يزيد عليها فيتاح للمستهلك بالسعر الحر.

وقال رامي عرابي، محلل الاقتصاد الكلي في شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، إن تحديد سعر البترول في الموازنة عند 40 دولارا للبرميل واقعي ويتناسب مع أسعاره في السوق العالمية، "لكن انخفاض سعر البرميل لا يعني أن تؤجل الحكومة خطة خفض الدعم..هذه فكرة خاطئة".

ويرى أن تراجع الحكومة عن الخفض التدريجي لدعم الطاقة يعطل إصلاح هيكل الموازنة العامة.

واعتبرت ريهام الدسوقي أن خفض الدعم ضروري للسيطرة على الإنفاق وتقليص عجز الموازنة، وحتى لو قررت الحكومة الحفاظ على نسب العجز الحالية، "فيمكنها تقليل مخصصات الدعم من تحقيق وفورات يمكن توجيهها إلى أنشطة أخرى محفزة للنمو مثل الاستثمارات العامة".

وتقول وزارة المالية في البيان المالي إن ارتفاع أسعار البترول بدولار واحد يؤدي إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية بنحو 1.9 مليار جنيه، على جانب المصروفات، لكنه يؤدي كذلك إلى ارتفاع قيمة ما يؤول للخزانة العام على جانب الإيرادات، من هيئة البترول، بنحو 400 مليون جنيه، وهو ما يعني أن صافي أثره على الموازنة العامة للدولة هو ارتفاع العجز بنحو 1.5 مليار جنيه.

كما أن انخفاض متوسط سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنحو 10 قروش يؤدي إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية بنحو 800 مليون جنيه على جانب المصروفات، ويتسبب في انخفاض قيمة ما يؤول إلى خزانة الدولة من هيئة البترول بنحو 300 مليون جنيه على جانب الإيردات، وهو ما يعني أن صافي الأثر على الموازنة يكون ارتفاعا في العجز بنحو 1.1 مليار جنيه.

زيادة دعم الغذاء

رفعت الحكومة الدعم المخصص للسلع التموينية 16.3% في موازنة العام المالي المقبل، إلى 41.1 مليار جنيه، مقابل 37.7 مليار جنيه.

وقالت ريهام الدسوقي، إن زيادة دعم السلع التموينية "يهدف بشكل أساسي إلى تعويض المواطنين عن الزيادة في أسعار الطاقة ومواجهة التضخم".

وأشارت وزارة المالية إلى أن زيادة قيمة دعم البطاقات التموينية بنسبة 20%، ليبلغ نصيب الفرد منه 18 جنيها بدلا من 15 جنيها، وهي الزيادة التي أقرها الرئيس عبد الفتاح السيسي لمواجهة ارتفاع الأسعار بعد صعود الدولار، كلفت الحكومة 2.5 مليار جنيه في الموازنة الجديدة.

وتستهدف الحكومة تخفيض استهلاك كميات الخبز الذي يستفيد منه نحو 82.2 مليون فرد إلى 80 مليار رغيف بدلا من 137.1 مليار رغيف، وفقا للبيان المالي لمشروع الموازنة الجديدة.

بينما ثبتت الحكومة في موازنة العام الجديد الدعم المقدم لعدد من الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ومنها الأدوية وألبان الأطفال الذي استقر عند نفس مستواه في موازنة العام الجاري، والبالغ 600 مليون جنيه.

صدمة دعم الصادرات

على الرغم من إعلان وزير التجارة والصناعة طارق قابيل عن اعتزام الحكومة زيادة دعم الصادرات إلى 6 مليارات جنيه في موازنة العام المقبل، فإن مشروع الموازنة الجديدة ثبّته عند 2.6 مليار جنيه دون تعديل عن العام الجاري.

وأشار بيان وزارة المالية إلى أنه تم تخصيص مبلغ 2 مليار جنيه في الاحتياطي العام للموازنة، ستتم إتاحته لبند دعم الصادرات عند الحاجة.

وقال وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديري لمواد البناء، لأصوات مصرية، إن الرقم المخصص لدعم الصادرات ضئيل جدا وغير كاف لتنشيط الصادرات التي تراجعت بقوة خلال العام الماضي.

"إحنا محتاجين 6 مليارات جنيه.. مينفعش نقول إن في جزء في الاحتياطي لا نعلم إذا كان سيصرف أم لا .. هذا سيُربك المُصدِر عند تسعير منتجه.. هل أعمل حسابي إن في دعم ولا لأ؟" كما يقول رئيس المجلس التصديري.

وأضاف جمال الدين أن مبلغ 2.6 مليار جنيه المخصص لدعم الصادرات لا يكاد يكفي المتأخرات التي لم يصرفها المصدرون حتى الآن.

وقالت ريهام الدسوقي إن الأهم من الرقم المخصص لدعم الصادرات هو آلية صرفه، والإجراءات الروتينية التي يتعامل معها المصدر بما يؤدي إلى تأخر الصرف، مشيرة إلى أن الصادرات تعاني مشاكل أكبر من حجم الدعم، مثل توفير الدولار لاستيراد مكونات الإنتاج وتوافر إمدادت الطاقة بشكل منتظم.

وبينما ثبتت الحكومة دعم الصادرات فإنها قفزت بدعم المناطق الصناعية بنسبة 250% ليصل إلى 1.4 مليار جنيه، بدلا من 400 مليون جنيه في موازنة العام الجاري.

أما المزارعين فرفعت الحكومة الدعم الموجه لهم في الموازنة الجديدة بنسبة 39% ليصل إلى 5.18 مليار جنيه.

ويوجه الجزء الأكبر من هذا المبلغ لدعم محصول القمح المحلي بقيمة 3.4 مليار جنيه، بالإضافة لمليار جنيه لدعم محصول قصب السكر.

تعليقات الفيسبوك