عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

السيسى وإسرائيل.. والسياق

الإثنين 30-05-2016 | PM 12:02

فى كلماته وتصريحاته، كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يطالب المصريين دائما بأن ينظروا إلى أى مشكلة أو قضية أو أزمة فى سياقها العام وليس بصورة جزئية منفصلة عما حولها.اليوم نحاول أن نطبق نفس النصيحة على ما قاله الرئيس بنفسه ظهر يوم الثلاثاء قبل الماضى فى أسيوط بدعوته الإسرائيليين والفلسطينيين إلى حل الصراع بينهما، واستعداد مصر للمساهمة فى هذا الحل.

البعض يتعجب من توقيت الحديث، فالعرب غارقون فى مشكلاتهم وصراعاتهم وحروبهم المذهبية، وإسرائىل فى أفضل أحوالها ربما منذ زرعها فى هذه المنطقة عام ١٩٤٨، وبالتالى فليس هناك ما يدفعها إلى الموافقة على أى تسوية، لم تقبلها عندما كان العرب فى أوضاع أفضل كثيرا خصوصا قبل انطلاق الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠.

لكن تقديرا آخر يقول إن هذا أفضل وقت للإسرائيليين ليتوصلوا إلى أفضل اتفاق لصالحهم فى ظل حالة الضعف العربى غير المسبوق.

السياق العام يقول إن العلاقات المصرية الإسرائيلية مستقرة للغاية، للدرجة التى سمحت فيها إسرائيل لمصر بكسر قواعد وشروط اتفاق كامب ديفيد وانتشار عسكرى مصرى غير مسبوق فى المنطقة ج فى سيناء.

فرض الإرهاب على مصر أن تنشغل به فى سيناء بديلا عن الانشغال بالعدو الأكبر والرئيسى وهو إسرائيل، الأمر الذى يسوغ القول أن المستفيد الأكبر من الإرهاب المتسمح بالإسلام. فى كل المنطقة العربية هو إسرائيل، وهو ما يلقى بعلامات استفهام كثيرة حول دورها هى وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية فى رعاية هذا الإرهاب، دون أن يلغى دور حكوماتنا فى توفير المناخ الملائم لنمو هذا الإرهاب واستمراره.

جزء مهم من السياق أيضا أن السعودية التى اتفقت حكومتنا على أن تعطيها جزيرتى تيران وصنافير، وهى المدخل الرئيسى من البحر الأحمر إلى إيلات، ستجد نفسها فى علاقة عملية مع إسرائيل. منذ شهور تجلس شخصيات سعودية غير رسمية مع إسرائيل، ثم تطورت باللقاء الأخير الذى حضره تركى الفيصل رئيس المخابرات السعودية الأسبق، وهكذا ما كان يدور فى السر صار يتم فى العلن.

التطور الراهن فى المشرق العربى وتفاخر إيران بأنها صارت تؤثر وتهيمن على أربع عواصم عربية هى دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء، جعلت العديد من بلدان دول الخليج تنظر إلى طهران باعتبارها الخطر الرئيسى، وليس إسرائيل التى تحاول بشتى الطرق منذ سنوات عرقلة المشروع النووى الإيرانى الذى أقره الغرب عمليا بالاتفاق الأخير الذى تم العام الماضى.

تشعر السعودية وبعض بلدان الخليج بأن واشنطن ــ عقب اتفاقها مع إيران، وبعد تصريحات متعددة آخرها ما أطلق عليه «عقيدة أوباما» ــ قد قررت التخلى عن الخليج والاقتراب من طهران، بل والهروب من المنطقة بأكملها التى صارت مصدرا للمشكلات والأزمات وتصدير العنف والإرهاب واللاجئين، ولم تعد فى حاجة إلى النفط، وكل ما يربطها بالمنطقة هو إسرائيل وأمنها ومرور سفنها من قناة السويس.

من أجل كل ذلك تعتقد دوائر خليجية أنه حان الوقت للاقتراب العلنى من إسرائيل لمواجهة إيران. وفى المقابل تريد تل أبيب أن تكون العلاقة زواجا مشهرا وشرعيا وليس عقد زواج متعة فى الغرف المغلقة.

هناك متغيرات جديدة تتمثل فى سماح الكونجرس للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة السعودية لمسئوليتها المزعومة عن هجمات ١١ سبتمبر، تم الإعلان المفاجئ بأن السعودية تستثمر ١١٥ مليار دولار فى سندات الخزانة الأمريكية، والتهديد بسحب الاستثمارات. فهل أرادت السعودية الالتفاف على علاقات مع إسرائيل لمواجهة أمريكا.

نتيجة لذلك فإن العقدة التى تحول دون تنفيذ هذا الأمر هو استمرار احتلال إسرائيل للضفة وغزة. وبالتالى فإن تسوية هذا الأمر كفيلة بفتح المجال أمام المصالحة الأكبر بين إسرائيل وكل العرب، وبالتالى فإن السؤال الجوهرى هو: أى نوع من التسوية سوف تقبله إسرائيل؟!.

العرب يريدون تطبيق المبادرة التى طرحها عاهل السعودية الراحل الملك عبدالله فى قمة بيروت عام ٢٠٠٢، والإسرائيليون أعلنوا قبل أيام أنهم تراجعوا عن قبول فكرة الدولة الفلسطينية، بل وعقدوا اجتماعا لمجلس الوزراء فى الجولان السورية المحتلة منذ عام ١٩٦٧، وتم تعيين المتطرف أفيجدور ليبرمان وزيرا للدفاع خلفا لدانى ايالون.

العرب للأسف الشديد لا يملكون أى أوراق للضغط على إسرائيل غير الأمانى والإغراءات المستقبلية.

فى ظل كل ذلك، نسأل: هل هناك أى اختراقات كبرى تمت فى المشاورات السرية دفعت الرئيس السيسى لطرح مبادرته ؟!.

نتمنى أن تعود الحقوق العربية كاملة. ونخشى أن يكون القادم أسوأ فى ظل وجود منطقة عربية مفككة ومنهكة، مع بلطجة وعربدة إسرائيلية غير مسبوقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلا عن موقع الشروق

تعليقات الفيسبوك