"القلش" طريق المعلنين لمخاطبة الشباب في زمن الإحباط والركود

الخميس 26-05-2016 PM 05:26

مشهد من إعلان تجاري يعرض تعبيرات الشباب الساخرة

"من غيرك مش حتكمل الضحكة في وش الأحزان"، كان مقطعا غنائيا للمطرب أمير عيد في إعلان لإحدى شركات المحمول العام الماضي، يعكس تغيرا كبيرا في الرسالة الإعلانية التي تستخدمها شركات الدعاية لمخاطبة المستهلكين، والتي تتأثر بتغير المزاج العام للجمهور.

ومع اقتراب شهر رمضان الذي يعتبره المعلنون موسما للحملات الإعلانية، يقول عاملون في مجال كتابة الإعلانات لأصوات مصرية إن التركيز على السخرية، أو ما يُعرف بـ"القلش" صار عنصرا أساسيا لجذب المستهلكين.

فالقلش محور أساسي في الحملات الإعلانية لهذا العام، لأنه الطريقة المناسبة للفت انتباه الشباب، الذين يمثلون شريحة رئيسية من المستهلكين، في ظل ما يعانيه كثير منهم من الاحباط لأسباب تتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي للبلاد.

وخاضت منة القيعي أهم خبراتها المهنية خلال السنوات التالية للثورة التي أطاحت بمبارك، حيث تخرجت من الجامعة الأمريكية سنة 2011 وترقت في مجال كتابة سيناريوهات الإعلان حتى أصبحت كاتبة محترفة.

ومن واقع خبراتها تقول منة إن لغة مخاطبة الذوق العام تغيرت بشكل متسارع خلال السنوات الماضية في ظل التحولات السياسية السريعة، وانتشار استخدام الإنترنت الذي زاد من وعي المستهلكين، وجعل اجتذابهم أكثر صعوبة.

"في الأول كان التون الحماسي في بداية الثورة.. (مبني على تعبيرات مثل) القوة بين إيديك.. لكن النهارده محدش مهتم يسمع كلام حماسي.. مبقاش ياكل (لا يثير اهتمام المستهلكين)" كما تقول منة.

وتبنت بعض الشركات في الفترة التالية لثورة 2011 حملات إعلانية تخاطب الشباب بلغة تحمل الأمل في المستقبل، وظهر في بعضها لمحات من مظاهر الحالة الاحتجاجية ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك، مثل ظهور باسم يوسف في أحد الاعلانات وهو يقدم برنامجه الساخر من السلطة، والذي كان يبثه في 2011 عبر موقع يوتيوب.

مشهد من إعلان تجاري في أعقاب الثورة يظهر فيه باسم يوسف

"في صناعة الإعلان يجب أن تكون insightful (ثاقب) بمعني أن المتلقي عندما يرى إعلانك يقول هذا هو ما أشعر به بالضبط" كما تضيف منة، وهي تشرح كيف حاولت الإعلانات أن تتماشى مع تحولات المزاج العام في الفترة التالية للثورة.

منة القيعي : في الأول كان التون الحماسي في بداية الثورة انهاردة محدش مهتم يسمع كلام حماسي.. مبقاش ياكل مع المستهلكين

بعد مرور فترة على خلع مبارك "رأينا حالة من الصراع بين الأجيال لهذا بدأت الإعلانات تتحدث عن (قيمة) اللمة (العائلية) .. ثم أصبحت الناس كارهة للعصر فبدأت الإعلانات تتعرض لنوستالجيا ذكريات الطفولة.. موضة النوستالجيا في بدايتها كسرت الدنيا ثم بدأ الناس يسخرون منها العام الماضي .. خلصنا من ده دخلنا في موضة النكتة".

وتعلق منة على آخر تطور في لغة مخاطبة المستهلكين بقولها "فيه حالة إحباط، طبعا مفيش شك، يمكن عشان كده الترفيه يكون وسيلة ذكية الى حد ما".

ولا تنكر الكاتبة الشابة للإعلانات أنها شخصيا تشعر بحالة من الإحباط في ظل الأجواء السياسية الحالية، التي ترى أنها صارت مضطربة وغير مفهومة، وتحكي أن أقرب الهوايات لقلبها في سنة 2011 كانت كتابة الشعر السياسي، وتقول إنها أقلعت عن الكتابة السياسية في الوقت الحالي مثل "من يقوم بالإقلاع عن التدخين".

"زمان الواحد كان بيتكلم بقلب.. دلوقت أنا مش فاهمة حاجة.. شايفة ظلم.. لكن إيه الصح معرفش".

كيف تخاطب شابا ذكيا ومحبطا

وتقوم صناعة الأفكار الإعلانية بدرجة كبيرة على الكتاب الشبان، كما يقول كريم بدر، مدير إنتاج إعلانات، والذي يروي أن فريق العمل الذي يكتب تحت إشرافه تدور أعمارهم في مرحلة العشرينات أو بداية الثلاثينات.

ويفسر بدر ذلك بأن الشركات عادة ما تبحث عن الأفكار الإعلانية الأقرب للشباب لأنهم "القوى المحركة (لاقتصاد) البلد" بما يمثلونه من شريحة ضخمة من السكان، فربع المصريين تقع أعمارهم في الفئة من 18-29 سنة.

ويوضح بدر أن كُتاب الإعلانات الذين تقع أعمارهم في مرحلة العشرينات يكونون أكثر قدرة على الكتابة بلغة قريبة من جيلهم، الذي يمثل هذا الثقل الاستهلاكي، لهذا يفضل المعلنون الاعتماد عليهم، خاصة وأن الشباب صار أكثر وعيا وميلا لنقد الإعلانات.

"الشباب بقى عنده دراية بكل حاجة.. أي حاجة بتتفتح في ثانية على الفيس بوك.. الشاب (المستهلك) أذكى بكتير من المنتج"، كما يقول بدر الذي بدأ حياته المهنية منذ نحو عشر سنوات ككاتب شاب للإعلانات قبل أن تتطور خبراته ليصبح مدير انتاج لأفكار الكتاب الشبان. 

تامر حمدي:إن الواحد يكتب كوميدي دلوقتي أصعب حاجة لأن الواقع أصبح أكثر سخرية"

ويتفق تامر حمدي، الذي بدأ في مجال كتابة وإخراج الإعلانات مع بدء انفتاح الاقتصاد المصري على العالم في مطلع التسعينيات، مع الكاتبة العشرينية، التي انضمت للمجال في 2011، حول أن الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية تدفع الشباب للإحباط، وهو ما يجعل فكرة السخرية هي المحرك الرئيسي للحملات الإعلانية في الوقت الحالي، معلقا بقوله "نحن في حالة تشبه انتشار مسرح العبث في أوروبا بعد الحروب".

ويرى حمدي أن صناعة السخرية ليست بالمهمة الهينة "إن الواحد يكتب كوميدي دلوقتي أصعب حاجة لأن الواقع أصبح أكثر سخرية". 

مشهد من اعلان تجاري يُظهر حماس الشباب لموسيقى المهرجانات

تخفيض الإنفاق على الإعلانات بسبب الركود

وبجانب الحالة المزاجية للشباب، يواجه المعلنون تحديات تحفيز المستهلكين على الشراء في ظل التباطوء الاقتصادي الحالي وارتفاع معدلات البطالة، حيث تدور معدلات النمو منذ الثورة حول نسب قريبة من معدل نمو السكان، 3%، وتتجاوز معدلات البطالة مستوى 10% من قوة العمل.

وبحسب بيانات وزارة المالية فإن معدلات نمو الاستهلاك الخاص تراجعت من 6.5% عام 2010-2011 إلى 2.8% في العام المالي الماضي.

ويرى كريم بدر أن المعلنين دائما ما يواجهون تحديات المصاعب الاقتصادية التي تمر بالبلاد، لكنه من واقع سنوات خبرته التي تخللتها فترات من النمو الاقتصادي القوي يقول إن بعض المعلنين في الفترة الماضية اتجهوا للحفاظ على مستويات منخفضة من الانفاق على الإعلان. 

ويتذكر بدر حملة ناجحة ساهم في صناعتها لصالح شركة عقارية في عام 2007، الذي سجل فيه الاقتصاد نموا قويا، "هدف الحملة كان تحقيق مبلغ معين من المبيعات في ثلاث سنوات، لكن الشركة استطاعت تحقيقه في ستة أشهر فقط".

وسجل الاقتصاد نموا بنحو 7.2% خلال 2007-2008، ثم انخفض النمو خلال السنوات التالية لنحو نصف هذا المستوى.

ويقول بدر إن القطاع العقاري كان من القطاعات التي عادت بقوة للإعلان في الفترة الأخيرة، كما أن هناك قطاعات مستمرة في الدعاية بقوة في أسوأ الظروف مثل الوجبات السريعة والاتصالات، بينما تتراجع في الوقت الحالي إعلانات السيارات التي تعاني من ارتفاع أسعارها في مواجهة ضعف الطلب الاستهلاكي.

كريم بدر:هناك قطاعات مستمرة في الدعاية بقوة في أسوأ الظروف مثل الوجبات السريعة والاتصالات

ويفضل تامر حمدي، عند تحليله لاتجاهات الإنفاق على الإعلان أن يُفرق بين سلوك الشركات الدولية والمحلية، حيث يرى أن الشركات الدولية مستمرة في الإعلان بقوة في ظل ضخامة حجمها ومساندة فروعها الدولية لفرعها في مصر.

أما الشركات المحلية فهي تتبع سياسات إنفاقية يطلق عليها تعبير "maintenance campaign"، وهذا شيء يشبه من يحافظ على صيانة سيارته ولكنه لا يشترى سيارة جديدة، "كذلك تنفق الشركات فقط من أجل الحفاظ على حصتها السوقية ولا تنافس على حصص جديدة"، كما يوضح حمدي.

ويرى حمدي أن مهمة المعلنين تزداد صعوبة، لأن الهموم الكبرى للشباب تجعل القدرة على جذب انتباههم لإعلان استهلاكي أمرا صعبا.

"أواخر التسعينات كانت فترة حلوة أوي" كما يضيف حمدي، متحدثا عن أكثر الفترات التي كان فيها المستهلكون مهيئون لاستقبال الرسائل الإعلانية من وجهة نظره، "عملت في هذه الفترة على حملة الجادون (حملة شهيرة لتجميع أجزاء الدراجة المطبوعة على أغطية المياه الغازية، للحصول على دراجة مجانا من الشركة).. كانت حملة ناجحة للغاية، تكرار مثل هذه الحملات الآن ليس مستحيلا لكن صعب".

تعليقات الفيسبوك