أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

ماذا حدث في أبريل؟

السبت 07-05-2016 | AM 10:36

على عكس الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، فقد شهد شهر أبريل سخونة سياسية لم يسبق لها مثيل منذ العام ٢٠١٣، وأعاد الحديث عن الشأن العام إلى الصدارة بين عامة المواطنين بعد فترة طويلة من الكبت والاستنزاف الذي تعرضت له القوى والتيارات السياسية المصرية على مدى الأعوام الثلاث الفائتة.

لا يعنى ذلك إطلاقا أن حراك إبريل كان الأول الذى يتحدى النظام، فقبله شهدت مصر عدة وقفات تشير إلى تذمر وعدم رضاء قطاعات شعبية وأجهزة حكومية عديدة، من أول الوقفات "المحدودة" التى نظمها عدد من العاملين بالجهاز الإدارى للدولة فى حديقة الفسطاط ثم أمام نقابة الصحفيين إعتراضا على مشروع قانون الخدمة المدنية المقدم من الحكومة والذى تم رفضه من مجلس النواب لاحقا، مرورا بعمليات تمرد محدودة أخرى قام بها عدد من أمناء الشرطة فى دلتا مصر، فضلا عن الحراك الذى خاضته نقابة الأطباء قبل عدة أسابيع ولاقى مساندة واسعة من بعض التيارات السياسية.

إلا أن الجديد في حراك إبريل هو درجة اتساعه بانضمام فئات شعبية عديدة له بما فيها بعض المؤيدين للنظام الحالي، وتعلقه بقضية عامة وليست فئوية، وكذلك بتزايد الحشد وتعلية سقف الشعارات السياسية وصولا إلي المطالبة "بإسقاط النظام"!

لم تفرق النتيجة كثيرا في حراك أبريل عن الحراك الذى سبقه، فكما كان الحال بالنسبة لوقفات موظفي الجهاز الإداري و أمناء الشرطة ونقابة الأطباء، انتهى حراك إبريل سريعا وفجأة حدث أفول سريع للزخم الذي قاده، وعاد الجميع للتشكك فى إمكانية قيام ثورة ثالثة أو حتى في قدرة التيارات السياسية المطالبة بالتغيير على تغيير المعادلة السياسية، فضلا عن عمليات التخوين والتشكيك فى بعض قادة الحراك!

في تقديري أنه رغم ما ظهر أنه "هزيمة" للحراك الإبريلي بعد الفارق الكبير في مشهد تظاهرات ١٥ أبريل التي خرجت إلى الشوارع ورفعت الهتافات والشعارات عاليا، وبين تظاهرات ٢٥ أبريل التي تعرضت لحملة أمنية قمعية رفيعة المستوى ولم تتمكن من الحشد بسبب ذلك، فإن حراك شهر إبريل يظل له مجموعة دلالات لا يمكن إغفالها من المشهد السياسي المصري.

أول هذه الدلالات، أنه وعلى مستوى السياسة الخارجية، يبدو أن هناك تسليما تاما بمعادلة سياسية جديدة في الشرق الأوسط تلعب فيها المملكة العربية السعودية دورا قياديا على حساب الدور المصري التقليدي الذي قرر الانسحاب في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة!

فالمسألة تتخطى بكثير الجدل على امتلاك جزيرتين استراتيجتين في مدخل خليج العقبة ولكنها تتعلق بالطريقة التي تمت بها إدارة الموقف المصري والتى اعتمدت على "التسليم" التام للجانب السعودي بملكية الجزيرتين وعدم اللجوء إلى التحكيم الدولي (مثلا)، أو حتى محاولة تهيئة الرأي العام المصري للقرار، بل ربما تكون من المرات النادرة في التاريخ التي تقوم دولة بإصدار بيان رسمي به مجموعة من المراسلات السياسية شديدة العمومية والغموض للتدليل على ملكية دولة أخرى لمجموعة جزر تحت سيادتها وخصوصا لو كانت جزر بأهمية جزيرتي تيران وصنافير!

تم كل هذا وسط ضغط إعلامي مصري شديد للتأكيد على عدم أحقية مصر في الجزر بل وابتزاز المعارضين للقرار باسم الوطنية، وكل ذلك على هامش زيارة العاهل السعودي لمصر مطلع أبريل وتعهده بحزمة جديدة من المساعدات الاقتصادية للنظام!

ثاني هذه الدلالات هو أن تيارات التغيبر مازالت بالفعل "مشتاقة" للعودة إلى السياسة والعودة إلي الشارع معا. تأميم السياسة في مصر وكل الضغوط الشديدة التي تعرض لها المعارضون لم تنتصر أبدا على "الرغبة" و"الاستعداد" لتحدي السلطة وسياستها، ولكن وبالقدر نفسه فإن المساحة بين "الرغبة والاستعداد" من ناحية وبين "القدرة" على تحدي النظام من ناحية أخرى مازالت كبيرة بسبب ضعف القدرات التنظيمية أو القدرة على تحمل الضغوط الأمنية بالإضافة لرفع سقف التوقعات أبعد بشكل يتجاوز  المتاح فعليا على الأرض، هذا بالقطع فضلا عن أن الخطاب السياسى لقوى التغيير مازال غير قادر على جذب فئات مختلفة من عامة الشعب.

وبمناسبة الخطاب السياسي وقدرته على جذب حلفاء جدد فهنا تأتي الدلالة الثالثة حيث أن  خطاب السيسي رغم تهاوي منطقه السياسي مازال قادرا على إقناع قطاعات شعبية عديدة بأهمية الاستقرار الاقتصادي وبقاء الدولة على حساب أية اعتبارت أخرى حتى لو كانت اعتبارت وطنية مرتبطة بالسيادة على الأرض! ومازال أيضا قادرا على ابتزاز مشاعر المواطنين بمصير سوريا والعراق، وبنفس القدر على ابتزاز صناع القرار في الغرب بتحذيرهم من مصير أوروبا اذا ما انهارت مصر المكتظة بـ ٩٠ مليون مصري!

في مقابل ذلك ورغم تمكن خطاب قوى التغيير من الحشد في الأيام الأولى للحراك من خلال التركيز على "مصرية الجزيرتين" وهو ما لاقى قبولا بين بعض الناس الذين كانوا حتى الأمس القريب مؤيدين لنظام السيسى، إلا أن السرعة الكبيرة التى تغير بها الخطاب من المناداة بإعادة النظر في مصرية الجزر إلي الدعوة إلى "إسقاط النظام" أو "إسقاط حكم العسكر" سريعا ما أعادت الكفة لصالح خطاب الاستقرار وتجنب مصير سوريا والعراق!

فإذا ما أخذنا بالإضافة إلى ذلك بعض الدعوات التي خرجت بين الخامس عشر من أبريل وبين الخامس والعشرين والتي ألمحت إلي إمكانية عسكرة الحراك ومحاصرة السجون يكون من السهل تفهم لماذا "أفل" الحراك على هذا النحو، وانتهت القوى الداعية إليه بالبحث عن إخراج معتقلين جدد بدلا من اكتساب أرض جديدة ضد السلطة الحاكمة.

فيما تأتي الدلالة الرابعة لتشير إلى أن التأييد غير المشروط الذى حصل عليه النظام المصري منذ يوليو ٢٠١٣ حينما دعا وزير الدفاع في ذلك الوقت، عبد الفتاح السيسي، المصريين للنزول إلى الشوارع "لتفويض" الجيش لمواجهة الإرهاب قد انتهى، وأن فئات شعبية عديدة بما فيها أولئك الذين اصطفوا دائما خلف النظام خلال السنوات الثلاث الماضية بدأوا يتذمرون ويتساءلون.

صحيح أن معظمهم لا يرى بديلا، وصحيح أيضا أن بعضهم مازال متوجسا من النزول إلى الشوارع من أجل التغيير، ولكن الغالبية أصبحت ترى أن الوعود والشعارات التي رفعها النظام لم تعد تتحقق، وأن الصراعات داخل أروقته أصبحت تظهر من حين لآخر لتنفي الاعتقاد الذي ساد طيلة الشهور الماضية بأن هناك "تحالفا وطنيا" للزود عن مصر!

أصبحت قطاعات شعبية عديدة تتساءل عن الأزمة الاقتصادية وجدوى المشروعات القومية التى تم الإعلان عنها، وعن أسباب التنازل عن جزء من الأرض المصرية بهذه البساطة بل ومطالبتهم بالتسليم التام بما يعتقد الرئيس أنه صحيح!

ثم تأتي آخر دلالات الحراك الأبريلي للتأكيد على أن معادلتي النظام "الأمن مقابل الحرية"، و"الاقتصاد مقابل السياسة" لم تنجحا في تحقيق الاستقرار المنشود ولا في إبقاء تحالف شعبي قوي ومتماسك خلف النظام ولا حتى في إسكات وإخافة المعارضين. فلا النظام نجح في توفير الأمن رغم تأميم كل المنابر السياسية وتضييق الحريات خلال الشهور الفائتة، ولا هو الذي نجح في توفير معيشة كريمة للمصريين في مقابل تخليهم عن السياسة!

فعلى العكس من ذلك وبسبب استمرار تدهور الأوضاع الأمنية واستفحال المشاكل الاقتصادية بالتوازي مع التصميم على تأميم السياسة، فإن معدلات الغضب في تزايد مستمر وعدم تمكن الفاعلين الراغبين في التغيير من ترجمة هذا الغضب فى شكل حراك لا يعني بالضرورة انتصار منطق النظام، ولكنه فقط يعني تأجيل المواجهات المباشرة والمعلنة مع القوى الاحتجاجية  إلى أجل بعيد أو قريب، ولكنه بكل تأكيد سيكون بتكلفة أعلى! 

* مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة

تعليقات الفيسبوك