أزمة الدولار.. لا نمو ولا إفلاس

الأربعاء 02-03-2016 PM 01:19

طفل أمام مكتب صرافة بالقاهرة- رويترز

- عمرو عادلي: نحن بعيدون عن إفلاس الثمانينيات لكن الأزمة تعطل فرص النمو

- محلل بي إن بي باريبا: المركزي اعتمد على البنوك لمساندة الاحتياطي فاستُنزفت أصولها الأجنبية  

مع احتدام أزمة نقص الدولار في السوق المصري، أصبح البعض يتساءل إن كانت مصر تواجه مخاطر التعثر في سداد التزاماتها الخارجية.. "أصوات مصرية" تطرح أهم المؤشرات المرتبطة بالديون الخارجية لمصر وما إذا كان وضع هذه المؤشرات غير مطمئن ويمكن أن يقود إلى إفلاس في ضوء أزمة نقص العملة الصعبة التي تعاني منها البلاد حاليا.

أبسط تعريفات الإفلاس هو عدم قدرة الدولة على سداد مديونياتها الخارجية في الوقت المتفق عليه مع الجهات الدائنة، وعادة ما يتعلق إفلاس الدول بالدائنين الأجانب، لأنه دائما فى قدرتها أن تطبع العملة المحلية لكى تسدد ديونها المحلية.

لذا يقول عمرو حسنين، خبير التصنيف الائتماني، إن أهم المؤشرات لرصد مخاطر الديون الخارجية "هي المرتبطة بتدفق النقد الأجنبي لمصر".

ويوضح حسنين أن "قيمة الدين الخارجي (لمصر) في حد ذاتها ليست كبيرة .. لكن مؤشرات تدفق النقد الأجنبي مقابل الديون هي التي تفرض ضغوطا على الاقتصاد".

ووفقا لبيانات البنك المركزي، المنشورة على موقعه الإلكتروني، تجاوزت نسبة الديون الخارجية 100% من الدخل الأجنبي المولد من الصادرات في عام 2013-2014، وذلك لأول مرة منذ ثمانية سنوات، ثم ارتفعت هذه النسبة لنحو 110% في العام المالي الماضي.

 كما تضاعفت تقريبا نسبة خدمة الدين الخارجي إلى إيرادات الميزان الجاري (والتي تشمل الصادرات وعائدات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج) في العام المالي 2014-2015، مقارنة بالعام السابق له، لتصل إلى 8.5%.

 

مصر عبرت بأزمات أسوأ

البيانات التاريخية للبنك المركزي تخبرنا أن مصر عبرت بأزمات أسوأ مما تمر به الآن، حيث ارتفعت نسبة الديون الخارجية للدخل من الصادرات في 2001-2002 إلى 171.2% كما ارتفعت نسبة خدمة الدين الخارجي لإيرادات الميزان الجاري إلى 10.1% في 2002-2003.

وواجهت مصر نقصا في تدفقات النقد الأجنبي خلال عامي 2001 و2002، ومع ازدياد الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية تبنت لأول مرة في 2003 سياسة التعويم المدار للعملة، التي تسمح بترك سعر الصرف لقوى العرض والطلب، وهو ما قاد إلى ارتفاع سريع في قيمة العملة الأمريكية مقابل الجنيه بنسبة 17%، تلاه ارتفاع آخر بنسبة 16% في نهاية 2004.

وبالبحث في تاريخ أبعد لمؤشرات المديونية المصرية، فإن نسبة الدين الخارجي إلى حصيلة الصادرات بلغت 623.2% عام 1986 وقت احتدام أزمة المديونية، التي لم تخرج منها مصر إلا بإعادة هيكلة الديون، وتبني برنامج إصلاحي عام 1991 عرف باسم التثبيت والتكيف الهيكلي.  

وضع الدَين يقيد فرص النمو

يقول عمرو عادلي، الباحث بمركز كارنيجي للشرق الأوسط، "أعتقد أننا في الوقت الحالي بعيدون عن أزمة 2003، وأزمة المديونية في الثمانينات .. لكن أوضاع الدين العام تقيد فرص الاقتصاد في الانطلاق".

وبحسب عادلي، "ساهمت المساعدات غير المسبوقة من الخليج في مساندة أوضاع الدين الخارجي لمصر".

وكما توضح بيانات البنك المركزي، ارتفع حجم الودائع طويلة الأجل لديه إلى 15 مليار دولار عام 2015، وكانت الودائع الدولارية أحد أشكال المساعدات الخليجية لمصر بعد ثورة يناير، والتي تمثل دينا على مصر يجب تسديده.

وبعد أن كانت قيمة الديون الخارجية قصيرة الأجل تتجه للارتفاع منذ ثورة يناير، بدأت هذه الديون في التراجع بالتزامن مع توافر مصادر للاقتراض طويل الأجل، والتي كانت الودائع الخليجية واحدة من أبرزها.

وكلما قلت مساهمة الديون قصيرة الأجل في إجمالي الدين الخارجي، كلما مثل ذلك ضغطا أقل على الدولة، لأن ذلك النوع من الديون يلزم الدولة بالسداد خلال فترات قصيرة.

وتراجعت نسبة الديون قصيرة الأجل إلى إجمالي الدين الخارجي من 16.3% في 2012-2013 إلى 5.4% في 2014-2015.

وكانت المساعدات المالية والبترولية قد بدأت في التدفق إلى مصر بمعدلات مرتفعة بعد أحداث 30 يونيو، وشهد العام المالي 2013-2014 ذروة اعتماد الحكومة على المنح والمساعدات الخارجية كمصدر للإيرادت، منذ اندلاع ثورة يناير.

وبحسب البيان المالي لمشروع موازنة العام المالي 2014/2015، بلغ حجم المساعدات في ذلك العام المالي 95.8 مليار جنيه، قبل أن تتراجع في العام التالي (2014-2015) إلى نحو ربع هذه القيمة، حيث قدرت الحكومة في يوليو الماضي قيمتها بـ 25.6 مليار جنيه.

تأثير الأزمة على القطاع المصرفي

ساهم تركيز السياسات الحكومية على الاستدانة المحلية بدلا من الدولية منذ التسعينات في تقليص حجم الدين الخارجي. وتمثل الديون الخارجية مصدر خطر أكبر على الاقتصاد مقارنة بالمحلية التي تستطيع الحكومة طباعة النقد لتغطيتها في حالة عجزها عن سدادها.

لكن تفاقم الدين المحلي جعل العبء الإجمالي للديون يعطل النمو الاقتصادي في رأي عادلي الذي يشير إلى أن "نسبة كبيرة من نفقات الحكومة على نفقات جارية مثل الأجور والدعم وليس انفاق استثماري". 

وبحسب بيانات وزارة المالية، ارتفعت نسبة الدين العام المحلي من الناتج الإجمالي لتصل إلى 81.8% في يونيو 2015، مقابل 63.8% في يونيو 2010.

وتمول البنوك قسما رئيسيا من الديون المحلية من خلال شرائها للأوراق المالية التي تصدرها الحكومة.

ولا تعتمد الحكومة على القطاع المصرفي فقط في تمويل احتياجاتها، ولكنها اعتمدت عليها أيضا لمنع انخفاض احتياطات الدولة من النقد الأجنبي عن مستوياتها الحالية، التي تغطي بالكاد احتياجات البلاد الأساسية من الواردات. 

فوفقا لبيانات البنك المركزي، ارتفعت ودائع الجهاز المصرفي بالعملة الأجنبية لدى البنك المركزي بنسبة 128% بين شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين لتتجاوز قيمتها 50 مليار جنيه، واستمرت عند هذا المستوى حتى يناير الماضي.

ويرجع تقرير لبنك الاستثمار بلتون ارتفاع تلك الودائع إلى أن البنك المركزي احتاج لهذه الأموال للحفاظ على مستويات احتياطيات النقد الأجنبي خلال الربع الثاني من العام المالي الجاري، في الفترة من أكتوبر لديسمبر الماضيين.

ويقول باسكال دوفو، محلل الاقتصاد الكلي ببنك بي ان بي باريبا، لأصوات مصرية إن "البنوك التجارية اضطرت لبيع بعض أصولها الخارجية لتودع تلك الودائع في البنك المركزي، ونتيجة لذلك تدهور صافي الأصول الأجنبية الخارجية لدى البنوك التجارية .. هذا الوضع قد يكون مستداما على الأجل القصير، ولكنه مصدر للمخاطر" . 

واعتمدت الهيئات الاقتصادية على القطاع المصرفي أيضا لتمويل مشروعات عامة خلال الفترة الماضية بالعملات الأجنبية، وكان أبرز تلك الحالات اقتراض الشركة القابضة للكهرباء 521 مليون دولار لتمويل الخطة الإسعافية لمنع انقطاع التيار الكهربائي.

ودفع الطلب المحلي القوي على الموارد الدولارية إلى تحول صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي المقومة بالجنيه، إلى سالب 9.9 مليار جنيه في نوفمبر الماضي بعد أن كان حجم هذه الأصول يتجاوز100 مليار جنيه في السنوات الماضية، إذ بلغ 119.1 مليار جنيه في يونيو 2014 .

لكن خبير التصنيف الائتماني عمرو حسنين يرى أن "وضع القطاع المصرفي لايزال مطمئنا في ظل حجم الودائع الدولارية الحالي".

وبلغ حجم الودائع الدولارية لدى الجهاز المصرفي ما يساوي 280.3 مليار جنيه حتى نوفمبر الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي (حوالي 36.2 مليار دولار وفقا لسعر الصرف الرسمي الحالي).

وفي نوفمبر الماضي عدلت وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني من رؤيتها للقطاع المصرفي في مصر من ايجابية إلى مستقرة، في ظل استحواذ البنوك على نسبة كبيرة من الديون الحكومية، بالإضافة لما يواجهه الاقتصاد من مخاطر على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

 

 

تعليقات الفيسبوك