هل تحل مبادرة الرئيس للمشروعات الصغيرة مشكلات إقراضها؟

السبت 27-02-2016 PM 08:24

الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال إلقائه كلمة في حفل تدشين رؤية مصر في التنمية 2030 - صورة من صفحة الرئيس على فيس بوك 24 فبراير 2016.

كتبت

- الجمعيات الأهلية: البنوك ستنافسنا دون قدرة على متابعة المشروعات

- رواد الأعمال: خطوة جيدة.. لكننا نحتاج لمزايا في تأسيس الشركات والضرائب

 

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي مجددا على أهمية توجيه نسبة من قروض الجهاز المصرفي للشباب، لإعطاء دفعة للمشروعات الصغيرة وتحسين معدلات التشغيل، كما قال في كلمة له يوم الأربعاء الماضي.

لكن العاملين في مجال تقديم القروض الصغيرة، والمتمثلين بالأساس في الجمعيات الأهلية، يرون أن البنوك ستنافسهم من خلال هذا البرنامج، كما أنها لن تحل أهم مشكلات هذه المشروعات وهي غياب المشورة الفنية والمتابعة، وبالتالي لن تحقق الطفرة المرجوة.

وكان رئيس الجمهورية أعلن في بداية العام الجاري عن مبادرة لمساندة الشباب، تضمنت برنامجا شاملا من البنك المركزي يستهدف ضخ 200 مليار جنيه من البنوك لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بسعر فائدة لا يتعدى 5% سنويا.

ووفقا للبرنامج، فإن البنوك ستقدم قروضا لـ 350 ألف شركة، ومن شأنها توفير فرص عمل لـ 4 مليون شاب.

وتنظر الجمعيات الأهلية العاملة في تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر إلى برنامج البنك المركزي على أنه منافس لها، كما يفتح الباب لغياب متابعة هذه المشروعات.

ويقول رئيس جمعية تنمية المشروعات الصغيرة ببورسعيد أحمد الجمال، لأصوات مصرية "لو أن البنك مولنا نحن أصحاب الجمعيات التي تمول هذه المشروعات بفائدة 5% سيكون الأمر جيدا، لكن ما عدا ذلك سيزاحمنا في سوق الإقراض ولن يحقق الغرض منه".

ويحصل الجمال على قروض من عدة بنوك بنسبة فائدة لا تقل عن 13%، ثم يمول أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بنسبة ما بين 15 إلى 16%.

ويضرب الجمال مثلا على ارتفاع الفائدة المعمول بها في سوق اﻹقراض قائلا "الصندوق الاجتماعي الذي يقدم تمويلا لتلك المشروعات من خلال منح دولية، يقدم قروضا بفائدة تصل أحيانا 10% بعد المصاريف الإدارية، وهي نسبة قليلة بالمقارنة بالبنوك الاستثمارية التي نحصل من خلالها على القروض".

وتعمل نحو 400 جمعية أهلية على تمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من خلال برامج إقراض تتراوح فيها سعر الفائدة من15% إلى 30% حسب قيمة المبلغ، وتختلف من حيث مدد السداد.

مبادرة السيسي وبرنامج البنك المركزي الجديد لم يتطرقا لكيفية مواجهة العقبات التي تواجه دعم وتنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة، رغم تكرار الحكومات المتعاقبة على مر السنوات الماضية للقول بأنها يمكن أن تصبح قاطرة التنمية في مصر.

فسعر الفائدة ليس العقبة الأساسية أمام تلك المشروعات، وإنما الصعوبة في الحصول على التمويل ذاته، كما يرى الجمال، ﻷن "أغلب البنوك ترفض تمويلها لعدم وجود ضمانات كافية لدى العملاء". والحل بالتالي هو تسهيل شروط الضمانات حتى يستفيد منه كثير من العملاء، كما يقول رئيس الجمعية البورسعيدية.

* عقبات على الطريق

تعتبر مصر من أكبر الدول العربية من حيث عدد وكثافة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، إذ يبلغ عددها حوالي 2.45 مليون مشروع، بحسب دراسة أعدها اتحاد المصارف العربية في عام 2014.

إلا أن الدراسة تقول إن الجهات التمويلية لا تلبي أكثر من 10% من الاحتياجات التمويلية لهذه المشروعات.

ويتعامل حوالي 5% فقط من تلك المشروعات مع المصارف، كما تتراوح نسبة التمويل الموجه من المصارف للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ما بين 3 و4% فقط من إجمالي محافظها الائتمانية.

وفي سبتمبر الماضي، بلغ حجم الإقراض من البنوك للقطاعات غير الحكومية نحو 671 مليار جنيها، تبعا لبيانات البنك المركزي، وبحساب النسبة الموجهة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فإنها تصل إلى 26.8 مليار جنيها.

ويعرّف البنك المركزي المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأنها المشروعات التي يبدأ رأس مالها من 50 ألف جنيه وحتى 10 مليون جنيه.

وارتفعت محفظة التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة من حوالي 20 مليار جنيها في عام 2011 إلى حوالي 35 مليار جنيها في عام 2013، وزاد عدد المنتجات التمويلية المقدمة من المصارف المصرية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، كما تقول دراسة اتحاد المصارف.

إلا أن أكثر من 66% من المنشآت الصغيرة والمتوسطة لديها مشاكل في التعامل مع المصارف، تتمثل في ارتفاع الفوائد والعمولات والمصاريف الإدارية، بحسب دراسة سابقة للبنك المركزي.

وتواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة عقبات في الحصول على التمويل أكثر من المشروعات الكبيرة خصوصاً من حيث تكلفة الائتمان، فأسعار الفائدة في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أعلى من تمويل الشركات الكبيرة.

كما يواجه هذا القطاع مشاكل مرتبطة ببيئة الاستثمار، منها ما يتعلق بالتراخيص وطول فترة الموافقة وتعدد الجهات التي يتم التعامل معها.

وترتبط بعض المشكلات بالتسويق وعدم القدرة على منافسة المنتجات المستوردة ومنتجات المشروعات الوطنية الكبيرة، فضلاً عن المشاكل المرتبطة بضعف القدرات الإدارية والفنية والتنظيمية.

وتقول دراسة كانت وزيرة التعاون الدولي الحالية، سحر نصر، أعدتها أثناء عملها في البنك الدولي في مارس 2014، إن "الحصول على الخدمات المالية بين الشركات متناهية الصغر، والأسر في مصر منخفض للغاية".

ويعرف البنك المركزي المشروعات متناهية الصغر بأنها المشروعات التي يقل رأس مالها عن 50 ألف جنيها.

وتحجم البنوك عن إقراض المشروعات المتناهية الصغر، وخاصة التي يكون أصحابها من الشباب أو يبدأون مشروعات جديدة بسبب المخاطر المرتبطة، كما توضح دراسة البنك الدولي.

وبحسب تصريحات سابقة لوزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، فإن نشاط التمويل متناهي الصغر يستفيد منه نحو مليون ونصف المليون شخص، وتبلغ محفظة الإقراض الخاصة به نحو ٣ مليارات جنيه، 80% منها في يد الجمعيات الأهلية.

وتعمل 56% من المشروعات متناهية الصغر في أعمال التجارة الصغيرة أو تجارة التجزئة وتمثل الصناعات التحويلية 14% من هذه المشروعات، ويرجع السبب في تركز تلك المشروعات في القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة إلى انخفاض فرص الحصول على التمويل.

ويمول الصندوق الاجتماعي عددا كبيرا من المشروعات الصغيرة سواء من خلال الإقراض المباشر، الذي بلغ حجمه خلال النصف الأول من عام 2015 نحو 138.6 مليون جنيها، أو من خلال الجهات الوسيطة سواء البنوك أو الجمعيات الأهلية، بنحو 1.4 مليار جنيها خلال نفس المدة.

وقدم الصندوق الاجتماعي إجمالي قروض خلال النصف الأول من عام 2015 للمشروعات متناهية الصغر بلغت نحو 781 مليون جنيها.

* غياب المتابعة

مصدر بجمعية أهلية تقرض أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة، قال لأصوات مصرية، إن البرنامج الجديد للبنك المركزي يقدم فائدة منخفضة جدا بالمقارنة بالتكلفة الإدارية للقرض، والتي لا تقل عادة عن 15%، وهو ما يعني أن البنوك لن تستطيع متابعة هذه القروض والتأكد من إقامة المشروعات بنفسها.

"إقرار5% فائدة على القرض قرار سياسي بالدرجة الأولى، وهو دعوة للارتداد لما قبل وجود الجمعيات الأهلية في هذا المجال التي ساهمت بشكل كبير في مراقبة ومتابعة أنشطة المقترضين والتأكد من تنفيذ المشروعات"، وفقا للمصدر.

وأضاف "مثلا التكلفة الإدارية للإقراض المتناهي الصغر بالنسبة للبنوك تكون مرتفعة جدا نظرا لأن تكلفة القرض نفسه مرتفعة، وهو ما يعني أن هذه البنوك لن تستطيع تطبيق فائدة 5% بدون الحصول على دعم".

"أجرينا بحثا عن اهتمامات أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ووجدنا أن نسبة الفائدة تأتي في المرتبة الخامسة بالنسبة لاهتماماتهم" يقول المصدر.

وحاليا يقدم أكثر من بنك حكومي قروضا لتمويل مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، حيث يقدم البنك الأهلي قرضا حتى 50 ألف جنيها بفائدة سنوية 10% يسدد على 5 سنوات وبسنة واحدة سماح.

كما يقدم البنك الأهلي قرضا حتى 2 مليون جنيها بفائدة 10% سنويا تزيد في حال زيادة المبلغ عن 2 مليون جنيها حيث يطبق عليها أسعار فائدة مميزة.

ويقدم بنك مصر قروض للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تبدأ من 1000 جنيها وحتى 30 مليون جنيها للشركات القائمة، ويقول البنك عبر موقعه الإلكتروني إن هذه القروض تمنح بفائدة تنافسية لم يحددها.

لكن مدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية أمنية حلمي، إن برنامج المركزي سيشجع صغار المستثمرين على التقدم للحصول على قرض وتنفيذ مشروعات صغير ومتوسطة، نظرا لأن الفائدة ستقل فيه بنسبة 7% من الفائدة الحالية للبنوك.

وتضيف أمنية من المؤكد أن البنوك لديها آلية لمتابعة العملاء ومدى تنفيذهم لهذه المشروعات، حتى لا يحدث تعثر في السداد فيما بعد.

ويعتزم البنك المركزي دعم الشركات الصغيرة من خلال طرح آلية لضمان مخاطر الائتمان بغرض تخفيض المخاطر التي تواجهها البنوك لدي تمويل هذه الشركات.

وسيولي المركزي اهتماما مباشرا بتدريب صغار المستثمرين بالتعاون مع المعهد المصرفي، من خلال تدريبه وإعداد برامج متخصصة للقائمين على هذه المشروعات في الإدارة وكيفية التعامل مع البنوك، بحسب ما أعلنه المركزي.

وترى أمنية حلمي أن القرار جيد، وسيدفع في اتجاه التنمية "في حال استفاد منه عدد كبير من الراغبين في تاسيس مشروعات".

* المال وحده لا يكفي

التمويل ليس المشكلة الوحيدة التي يعانيها صغار المستثمرين أو رواد الأعمال، "الفلوس مهمة لكن وحدها لا تكفي"، كما يقول نادر البطراوي، المدير التنفيذي والشريك المؤسس لموقع "جوبزيلا"، أحد مشروعات ريادة الأعمال التي تبدأ مجالات عمل جديدة غير مطروقة ومبنية على الابتكار.

ويشير البطراوي إلى أن قوانين تأسيس الشركات في مصر لا تفرق بين الكبرى منها أو المتوسطة والصغيرة، ولا تقدم أي دعم أو تسهيلات للشركات الصغيرة والمتوسطة، كالإعفاء من الضرائب في بداية العمل، أو تقديم خدمات مجانية كما هو الحال في مدينة مثل دبي، على حد قوله.

بل إن "ما يحدث هو العكس، حيث تُفرض على أصحاب المواقع الإلكترونية مثلا ضرائب على الإعلانات الموجودة على صفحاتهم تصل إلى 25%، بينما لا يتم تحصيل أي ضرائب من الشركة صاحبة الإعلان"، كما يقول مدير جوبزيلا ضاربا المثل بإعلانات "جوجل" التي يحاسب هو عليها وليس الشركة المعلنة.

"ورغم ما ندفعه من ضرائب لا نحصل على الخدمات اللائقة في المقابل، في ظل مشاكل البنية التحتية خاصة الكهرباء والإنترنت"، يقول البطراوي، الذي تعتمد شركته بالأساس على تكنولوجيا المعلومات والإنترنت والكهرباء.

كما انتقد البطراوي عدم وجود خطة لدى الحكومة للترويج للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، قائلا "لا يوجد تسليط ضوء على المشاريع".

واختلف البطراوي مع مسؤولي الجمعيات في شأن منافسة برنامج المركزي الجديد لها، موضحا أن نوع الخدمة والعلاقة مختلفان، فالبنوك يتوجب رد القروض لها ،بينما "المنظمات غير الحكومية يمكن أن تدخل معنا كشريك بالأسهم وننجح معا".

من جانبه رحب المدير المالي والتسويقي لموقع "وفيات"، عمر حمد الله -أحد مشروعات ريادة الأعمال- ببرنامج البنك المركزي، حيث قال إنها "خطوة جيدة أن تضع الحكومة الشركات الصغيرة والمتوسطة على أجندتها."

وتابع حمد الله "الأجانب يخشون الدخول في السوق المصرية، وفي نفس الوقت المصريون لا توجد لديهم أموالا كثيرة ليستثمروها في الشركات الصغيرة والمتوسطة"، مضيفا أن البرامج التي كانت تقدمها الحكومة في الماضي لم تقدم تمويلا كافيا لإنشاء شركة قوية".

إلا أن حمد الله يتفق مع البطراوي على ضرورة وجود تسهيلات أخرى في قوانين تأسيس الشركات والتأمينات والضرائب للشركات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى توفير خبراء ومتخصصين لتقديم التدريب والاستشارات للشركات الجديدة، "لأن كثيرين في البداية تنقصهم معرفة أمور لها علاقة بالتكنولوجيا أو التسويق أو صناعة المنتج نفسه، وهذا ما تتلقاه الشركات الناشئة في الخارج".

 

تعليقات الفيسبوك