عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

عن التجاوزات الفردية

الأربعاء 24-02-2016 | PM 08:16

وبعد أن جرت العادة على إلصاق هوية «الإرهابيين» و«الإخوان المجرمين» و«الخارجين على القانون» و«المتآمرين» بضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التى ترتكبها الأجهزة الأمنية، انتقلت أبواق السلطوية المصرية إلى توصيف الانتهاكات المتراكمة كمجرد تجاوزات فردية لبعض العناصر العاملة فى الأجهزة الأمنية لا ينبغى تعميمها أو تحميل الحكومة وزرها المجتمعى ومسئوليتها السياسية.

هكذا صارت جرائم القتل خارج القانون، كقتل سائق الدرب الأحمر على يد أمين شرطة منذ أيام معدودة ومن قبله تعذيب مواطن حتى الموت فى قسم للشرطة فى مدينة الأقصر وما بينهما من جرائم موثقة لتعذيب بعض من سلبت حريتهم وألقوا فى أماكن الاحتجاز ومن ممارسات عنف ضد أطباء أثناء تأدية مهام عملهم، تجاوزات فردية.

هكذا صارت المعاملة غير الإنسانية لبعض المسلوبة حريتهم من المصريات والمصريين، وصار أيضا حرمانهم من زيارة ذويهم أو من الدواء والكساء الضرورين لإعاشتهم أو من الزاد العقلى والروحى كالكتب والصحف والاختلاط مع غيرهم من القابعين وراء الأسوار ليس سوى تجاوزات فردية. تتدهور الحالة الصحية للصحفى المحترم الصديق هشام جعفر،ويواجه ذويه صعوبات فى إيصال الدواء إليه، ويعاقب الدكتور أحمد سعيد (سجين قضية ذكرى محمد محمود) بمنع زيارة ذويه ٤٥ يوما ووضعه فى زنزانة تأديب انفرادى، ويتواصل حبس الدكتور طاهر مختار عضو لجنة الحريات بنقابة الأطباء، وجميع ذلك لا يعدو أن يكون تجاوزات فردية.

هكذا صارت أبواق السلطة التى بررت من قبل لجرائم القتل خارج القانون وللتعذيب ولسلب الحرية «كدفاع مشروع عن الدولة والأمن القومى» وتورطت مع الأجهزة الأمنية فى حجب الحقائق والمعلومات المتعلقة بالضحايا بل وتشويههم بإلصاق هويات إجرامية زائفة بهم، صارت تعترف اليوم بحدوث بعض الانتهاكات وتتمسك بتوصيفها كتجاوزات فردية يريد «المتربصون بالوطن» توظيفها لإثارة الناس ونشر الفوضى والخراب.

أما تجاوز توصيف الانتهاكات كتجاوزات فردية لبعض عناصر الأجهزة الأمنية باتجاه طرح الأسئلة الضرورية المرتبطة بالظلم والقمع ومقتضيات إصلاح الأجهزة الأمنية فلا مكان له فى عالم أبواق السلطة. تغيب الأسئلة عن حدود التمييز بين الفردى والجماعى حين يتكرر القتل خارج القانون والتعذيب المفضى إلى الموت فى أكثر من موقع على امتداد خريطة الوطن،وعن حدود تحمل الحكومة للوزر المجتمعى والمسئولية السياسية لتراكم الانتهاكات والمظالم بسبب إطلاقها لليد القمعية للأمن على المواطن والمجتمع وامتناعها عن إصلاح الأجهزة الأمنية على نحو يلزمها بسيادة القانون وضمانات حقوق وحريات المواطن، وعن خطوط مساءلة ومحاسبة مرتكبى الانتهاكات والمتورطين فيها دون تمييز متعلق بمنصب أو بشبكات نفوذ.

ليست انتهاكات حقوق الإنسان مجرد تجاوزات فردية للأجهزة الأمنية فى مصر، بل هى نهج السلطة فى إدارة شئون الحكم وطريقة إخضاعها للمواطن وسيطرتها على المجتمع.

تعليقات الفيسبوك