عودة أخرى إلى كامب ديفيد

السبت 16-05-2015 AM 10:15
كتب

كتب عبد الله السناوي (الشروق) - لا يصح أن يراهن أحد على تدخل عسكرى أمريكى مباشر يحمى الأمن الخليجى من أية تهديدات محتملة.

الكلام عن تعزيز التعاون الدفاعى والأمنى مع دول الخليج فى مواجهة أية تهديدات خارجية لا يعنى أى نزوع لأية مواجهة عسكرية.

بحسب الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» فهو يتفهم أسباب قلق الخليج لكنه يراهن فى الوقت نفسه على دور إيرانى جديد فى معادلات الإقليم الأكثر حساسية واشتعالا بالنيران.

عشية «اتفاق لوزان» بشأن المشروع النووى الإيرانى دعا البيت الأبيض قادة الخليج إلى قمة فى منتجع «كامب ديفيد».

للمنتجع الرئاسى الأمريكى سمعة غير طيبة فى العالم العربى حيث شهد تنازلات فادحة فى اتفاقية مصرية إسرائيلية اشتهرت باسمه قبل أن يشهد بوقت لاحق فشلا لمباحثات مماثلة فلسطينية إسرائيلية.

فى الدعوة إلى «كامب ديفيد» من جديد توجه أمريكى لخفض منسوب القلق الخليجى على أمنه ومستقبله من جراء أية ترتيبات إقليمية جديدة قد تلحق الاتفاق النهائى المرتقب مع إيران عند نهاية شهر يونيو المقبل.

البيان الختامى حفل بعبارات تؤكد علاقات الشراكة والالتزام بأمن الخليج دون أن تكون هناك إجابة واضحة للطريقة التى سوف توازن بها واشنطن بين رهاناتها على طهران ومصالحها فى الرياض.

فى المباحثات تبدت فكرتان رئيسيتان.. أولاهما تتبنى التأمين الذاتى أو أن تضطلع دول الخليج بمسئولية أمنها.. وثانيتهما تدعو إيران إلى اتخاذ إجراءات لبناء الثقة مع الدول المجاورة تبدد مخاوفها.

الفكرة الأولى تؤكد ما هو ثابت فى خيارات إدارة «أوباما» من استبعاد أى تورط عسكرى جديد.
المعنى أن حدود «التعاون لمواجهة أى تهديد لأمن الخليج» تتوقف عند التسريع بصفقات سلاح جديدة تبنى قدرات دفاعية على درجة عالية من التقدم.

قبل «كامب ديفيد» كشف وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» عن هذا التوجه بوضوح كامل دون أدنى لبس.

وهو ما حدث بالضبط رغم أن البيت الأبيض حاول أن يوحى أن بناء منظومة دفاعية متقدمة فى عمق بلدان الخليج هو طلب دولها.

بحكم فوائضها المالية النفطية لا تمانع دول الخليج فى بناء هذه المنظومة ولعلها تحمست لتوازن ما مع إيران التى حصلت على صواريخ روسية متقدمة للغاية «إس ٣٠٠» عشية «اتفاق لوزان».

بالنسبة للولايات المتحدة فقد حازت على صفقات سلاح باهظة باسم طمأنة الخليج على أمنه.
فكرة «التأمين الذاتى» لا تفرق كثيرا عما عرضته دول كباكستان وتركيا من إرسال قوات لحفظ الحدود السعودية، فكرة دفاعية لا تؤثر على أوضاع الصراع فى اليمن فوق تضاريسه القاسية.

المثير أن الرئاسة الأمريكية دعت إلى تكامل عسكرى بين دول الخليج وبناء قوة حفظ سلام مشتركة تواجه الإرهاب وهى تدرك أن ما تدعو إليه فوق طاقتها فى كل حساب واقعى.

فلا يمكن لدول الخليج مجتمعة أن توازن وحدها القوة العسكرية الإيرانية ولا هناك معنى لأى حديث عن قوة حفظ سلام من هذا النوع.

فى هذه اللحظة إيران أولوية استراتيجية أمريكية.

أيا كانت حدة الانتقادات للسياسة الإيرانية فإنها أعقل من أن تتحرش عسكريا بدول الخليج، فهذا خط أحمر دولى حيث منابع النفط.

وأيا كانت درجة قدرات الخليج فإنه غير مرشح لقتال الإرهاب خارج حدوده.

بصراحة كاملة: الكلام الأمريكى استثمار فى القلق الخليجى.

الأكثر إثارة أن الفكرة الثانية فى «كامب ديفيد» تناقض الأولى تماما.

دعوة إيران إلى بناء إجراءات ثقة مع جوارها يناقض الشروع فى سباق تسلح جديد.

الكلام المشترك يؤكد أن الاتفاق المرتقب مع إيران هو لصالح الخليج.

إذا كان الأمر كذلك فلماذا كان القلق فادحا وما دواعى سباق التسليح وتكاليفه الباهظة؟

ثم ما المقصود بإجراءات بناء الثقة التى يتعين على طهران الإقدام عليها؟

الكلام كله مراوغ ولا يقف على أرضية سياسية صلبة.

حرب اليمن اختبار أول لحدود أى تعاون عسكرى مع الولايات المتحدة أو فرص أى اقتراب سياسى من إيران.

لماذا كان الحديث عن اليمن خافتا فى المنتجع الأمريكى بينما هو شاغل الخليج الأول؟

بوضوح كامل فإن الأزمة اليمنية رغم مآسيها الإنسانية إقليمية وليست دولية.

الأطراف الدولية الكبرى ترقب وتتابع لكنها لا تتمثل أية مصالح محتملة ولا أية مخاطر منتظرة.

كل ما طرح فى كامب ديفيد هو «التحرك بسرعة نحو حل سياسى» دون أن تكون هناك آليات تساعد على حلحلة العقد السعودية والإيرانية.

نجاح «مؤتمر الرياض» بين الأطراف اليمنية مستبعد تماما، فالقوى الموالية لإيران لن تذهب إلى هناك تحت أى ظرف وإلا فإنها الهزيمة السياسية الكاملة.

حيث إن غياب الحسم العسكرى يصعب أى رهان على الحسم السياسى.

إذا لم تتحرك القوى الرئيسية فى الإقليم وتنظر فى خلافاتها فإن شيئا لن يتحلحل من موضعه وتطول الحرب.

هناك حوارات جرت فى القاهرة مع الحوثيين لكنها لم تخرج إلى العلن خشية حساسية الخليج.

وهناك حوارات مكتومة أخرى مع إيران فى بعض الملفات الملغمة وقفت عند الحائط المسدود نفسه.

الحساسية الخليجية من مثل هذه الاقترابات المصرية تفتقر إلى منطق متماسك، فلكل دولها علاقات دبلوماسية مع إيران، وسلطنة عمان التى شاركت فى «كامب ديفيد» الأخيرة أطلقت فى الوقت نفسه أول خط ملاحى بحرى مع إيران.

بحسب مسئول خليجى كبير: «إذا كانت هناك ضرورة للحوار مع إيران فإن لنا علاقات دبلوماسية معها».

وهذا الكلام بنصه يفسح المجال لحركة مصرية دبلوماسية لأن تتصرف بشىء من حرية الحركة.
المشكلة الحقيقية فى التحالف العربى أنه لا يقف على أرضية سياسية شبه صلبة، فالخلافات بين أطرافه عميقة فى الملف السورى وبدرجة أخرى فى الملف الليبى.

أريد أن أقول إن إيران ليست عدوا والحديث معها ضرورى، ارتكبت أخطاء فادحة لا يمكن القفز فوقها لكنها مكون رئيسى بأى معنى تاريخى وجغرافى وحضارى فى الإقليم.

الخليجيون يدركون ذلك بيقين، وهذا يستحق أن يبنى عليه فى فتح حوار استراتيجى يمتد من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان.

السؤال الحقيقى بعد «كامب ديفيد»: لماذا لا نأخذ مصائرنا فى أيدينا؟

تعليقات الفيسبوك