مأزق الانتخابات المصرية يعطل قرض صندوق النقد

الثلاثاء 19-03-2013 PM 08:08

ستحظى مصر بفرصة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي للمساعدة في معالجة أزمات العملة والميزانية الراهنة فور اجراء الانتخابات البرلمانية لكن المشكلة هي أن أحدا لا يعرف متى سيكون ذلك.

وبعد استئناف الاجتماعات بين مصر والصندوق هذا الأسبوع بعدما توقفت لشهرين يدفع كل طرف في اتجاه مختلف من أجل اتخاذ اجراء عاجل. فحكومة الرئيس محمد مرسي تريد الحصول على قرض كامل بقيمة 4.8 مليار دولار وفقا لما تم الاتفاق عليه من حيث المبدأ في نوفمبر تشرين الثاني الماضي ولكن استنادا إلى برنامج إصلاح أخف وطأة من الخطة الأصلية "وذلك في ضوء اعتبارات الحفاظ على معدلات النمو والتشغيل وحماية الطبقات الفقيرة" وفقا لبيان الحكومة.

إلا أن مسعود أحمد مدير شؤون الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق لم يتحدث سوى عن "دعم مالي محتمل" بعد اجتماعه مع الحكومة والبنك المركزي في القاهرة يوم الأحد.

وكذلك يتطلع الصندوق لإصلاحات قوية لمعالجة مشكلات مثل دعم الطاقة الذي يسحب مبالغ ضخمة من موازنة الدولة. وقالت وفاء عمرو المتحدثة باسم الصندوق الأسبوع الماضي "ينبغي لمصر اتخاذ اجراءات جريئة وطموح للتصدي لتحدياتها الاقتصادية والمالية دون مزيد من التأخير."

ومن المرجح أن تشمل مثل هذه الاجراءات زيادات ضريبية وتخفيضات للدعم من شأنها دفع أسعار الوقود للارتفاع وهي اجراءات لن تلقى قبولا لدى شعب يعاني بسبب تراجع اقتصادي مستمر منذ ثورة عام 2011 ناهيك عن أن يتم اتخاذها قبل الانتخابات.

وقال جياس جوكينت كبير الاقتصاديين في بنك أبوظبي الوطني "سيريد صندوق النقد الدولي أن يرى اجراءات لكبح عجز الموازنة قبل الاتفاق على حزمة مساعدات لكن الحكومة قد تحجم عن تنفيذها قبل الانتخابات. التوصل لاتفاق في وقت قريب يبدو مستبعدا."

واضطرت القاهرة بالفعل إلى طلب تأجيل قرض الصندوق في ديسمبر كانون الأول بسبب أعمال عنف في الشارع وثارت مشكلات منذ ذلك الحين لشكاوى مختلفة.

وفي مثل هذه الأجواء المضطربة سيكون من الأفضل أن يعرف الجميع موعد انعقاد مجلس النواب الجديد. ودعا مرسي الشهر الماضي لبدء الانتخابات يوم 22 أبريل نيسان لكن محكمة ألغت قراره بسبب مخالفات إجرائية.

وفي هذه المرحلة الحرجة من التحول الديمقراطي لا يوجد بمصر مجلس للنواب منذ تسعة أشهر ولا يعرف أحد- بدءا من مرسي إلى أصغر موظفي الدولة- موعد انتخاب مجلس جديد. وقال أوليفر كوليمان المحلل في مؤسسة مابلكروفت لاستشارات المخاطر "من المرجح أن يكون الاضطراب السياسي أكبر مخاوف مسؤولي صندوق النقد."

وأضاف "السلطة القضائية أظهرت استعدادا كبيرا لإبطال قرارات حكومة مرسي وقد تلقى اجراءات الاصلاح الاقتصادي المثيرة للجدل المصير نفسه دون وجود برلمان مفوض معترف به على نطاق واسع."

ولكن احتياجات مصر ملحة. وفي برنامجها الذي قدمته للصندوق تتوقع الحكومة عجزا في الموازنة بنسبة 12.3 بالمئة من الناتج الاقتصادي المصري في عام حتى يونيو حزيران ما لم تنفذ إصلاحات عاجلة.

واضطرت البرتغال الأغنى والأكثر استقرارا من مصر والتي أرست الديمقراطية قبل 40 عاما لقبول خطة انقاذ من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي في 2011 بعد أن بلغ عجز الموازنة عشرة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.

ويتراجع الجنيه المصري باطراد هو الآخر على الرغم من أن البنك المركزي الذي أنفق نحو ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي المتبقية من عهد مبارك في محاولة لدعم الجنيه يقنن بشدة المعروض من الدولار.

ويعطل ذلك العديد من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تضطر للجوء إلى السوق السوداء حيث يمكن لأسعار الصرف غير المواتية أن تقضي على أرباحها.

وفي الشوارع اصطفت السيارات في طوابير للحصول على السولار وأنواع الوقود الرخيصة الأخرى غير المتوفرة ويتنامى الغضب بسبب التضخم الذي ارتفع إلى معدل سنوي نسبته 8.2 بالمئة في فبراير شباط من 6.3 بالمئة في الشهر السابق وهو ما يحد من مستويات المعيشة أفراد الشعب الذين يواجهون صعوبات في كسب قوت يومهم.

ويخلق ذلك شعورا بالعجز بين المواطنين العاديين حيال الإصلاحات التي قد يأتي بها قرض الصندوق.

ويقول محمد شعبان (37 عاما) وهو سائق "ارتفع ثمن كل شيء وإذا رفعوا الدعم ماذا سيحدث؟ ... لا نريد القرض لكن في نفس الوقت لا أعتقد أن البلاد يمكنها أن تمضي بدونه."

وشعبان الذي يعمل سائقا للسياح والعاملين الأجانب في البلاد لديه الكثير الذي يمكن أن يخسره. وتشير التوقعات إلى أن البنزين 90 أوكتين المستخدم على نطاق واسع سيرتفع سعره إلى 5.71 جنيه مصري (0.85 دولار) للتر من 1.75 جنيه إذا ما رفع الدعم عنه في حين قدي زيد سعر السولار إلى 5.21 جنيه من 1.10 جنيه حاليا.

ووعدت الحكومة بتوفير كميات محددة من الوقود المدعوم لبعض السائقين باستخدام نظام بطاقات ذكية يبدأ العمل به اعتبارا من يوليو تموز المقبل لكن الخطة لا تشمل سيارة شعبان ذات سعة المحرك الكبيرة.

وقالت الحكومة اليوم إنها تعتزم كذلك البدء في ترشيد الدعم على الخبز وهو إجراء يمس الفقراء بدرجة كبيرة.

ونفت الإدارة الإسلامية للبلاد- وهي في صدام مع المعارضة الليبرالية واليسارية بشأن هوية مصر- وجود علاقة بين اجراء الانتخابات البرلمانية وابرام اتفاق قرض الصندوق.

وقال علاء الحديدي المتحدث باسم الحكومة بعد زيارة قام بها مسؤول من الصندوق لمصر يوم الأحد الماضي إن كل المناقشات كانت تتعلق بالدعم المالي لمصر أو بالقرض الذي تتطلع مصر للحصول عليه من الصندوق مشيرا إلى عدم وجود صلة بين القرض والانتخابات البرلمانية.

إلا أن مسؤولين من الصندوق والولايات المتحدة أكبر مساهم فيه يؤكدون باستمرار على أن الإصلاحات يجب أن تحظى بتأييد داخلي أو على الأقل توافق بين الأطياف السياسية في مصر.

لكن التوافق يبدو بعيد المنال. فقد قررت عدة أحزاب سياسية بالفعل مقاطعة الانتخابات وسط سلسلة من الخلافات منها خلافات على قانون الانتخابات وعلى الدستور الذي وضعته لجنة يهيمن عليها التيار الإسلامي ومرسوم أصدره مرسي العام الماضي ليمنح نفسه سلطات كبيرة بشكل مؤقت.

وفيما يشير إلى الانقسام في الحياة السياسية في مصر قال الحديدي إن البرنامج الاقتصادي تم ارساله للأحزاب السياسية "التي يرفض بعضها أي شيء تعرضه الحكومة."

وتحدث الحديدي عن اجراء محادثات على مستوى الخبراء تستمر بين أسبوع وثلاثة أسابيع لكن لم يتحدد بعد أي موعد لبدء تلك المحادثات.

ولم يخض مسعود أحمد مسؤول الصندوق في تفاصيل بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء هشام قنديل ومحافظ البنك المركزي هشام رامز.

وقال أحمد "اتفقنا على أن تستمر محادثاتنا بجد خلال الأسابيع المقبلة بهدف التوصل لاتفاق بشأن مساعدة مالية محتملة من الصندوق."

وأشار وليام جاكسون من كابيتال ايكونوميكس في لندن إلى أن الصندوق يرى فيما يبدو أن التوصل لاتفاق سيستغرق بعض الوقت. وقال "ربما يعكس ذلك صعوبة تنفيذ أي اصلاحات في ظل اضطراب الوضع السياسي وبدون اجراء انتخابات."

وعرض صندوق النقد تقديم قرض مؤقت لمصر إلا أن القاهرة رفضت الفكرة مع سعيها للحصول على قرض كامل في مقابل برنامج اصلاح كامل. لكن القاهرة قد تضطر للرضوخ بعد تقلص احتياطيات النقد الأجنبي من 36 مليار دولار قبل الثورة إلى 13.5 مليار دولار فحسب في نهاية الشهر الماضي.

وقال جاكسون "إذا حدث تدهور مفاجئ في المعنويات وأراد المستثمرون سحب أموالهم من مصر فسيتعرض الجنيه لمزيد من الضغط. " في هذه الحالة قد تقبل الحكومة بقرض مؤقت من الصندوق للحيلولة دون حدوث هبوط حاد للجنيه."

ويشعر المستثمرون بالقلق بالفعل بسبب اتخاذ الدولة اجراءات قانونية بحق رجال اعمال بارزين تشمل منعهم من السفر والتحفظ على أموالهم لأسباب تتراوح من مطالبات ضريبية إلى التلاعب في البورصة.

وسيجعل ذلك من الصعب تنفيذ سياسات لا تحظى بشعبية. وقال هاني جنينة مدير البحوث لدى فاروس لتداول الأوراق المالية "لا يرغب وزير أو مسؤول كبير في تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات جذرية في مرحلة لا يسلم فيها أحد من الاحتجاجات ولا عقوبة السجن ولا المنع من السفر."

وفي النهاية من المرجح أن يحدد الشارع مصير الاصلاحات الاقتصادية وقرض الصندوق.

وقال صفوت حسن وهو تاجر رخام عمره 44 عاما إن المصريين سيقاومون أي ارتفاع حاد للأسعار ينجم عن إصلاح الدعم.

وقال "الشعب لا يقبل بهذا وستحدث اضطرابات ومظاهرات... هذا الموضوع لن يمر بسهولة."

تعليقات الفيسبوك