لا تورطوا الجيش في مستنقع المحليات

الخميس 29-10-2015 PM 01:50
كتب

كتب: عماد الدين حسين 

بعد كارثة الأمطار في الإسكندرية يوم الأحد الماضي طالب البعض بأن تشرف القوات المسلحة على المحليات في المحافظة.

وعندما تم الكشف عن بعض تفاصيل قضية الرشوة الكبرى بوزارة الزراعة، اقترح البعض بأن تتقدم القوات المسلحة وتدير قطاع الأراضي بعد أن فشل معظم الوزراء المدنيين في ذلك ودخل بعضهم السجن.

بالطبع معظم أصحاب هذا الاقتراح، ينطلقون من أرضية وطنية ورغبة فى الإصلاح، لأن معظم المشروعات التى تولتها القوات المسلحة تم إنجازها بنجاح، وفى الوقت المحدد خصوصا قناة السويس الجديدة.

المواطنون البسطاء معذورون وهم يطرحون مثل هذا الاقتراح، بسبب تردى حال القطاع الإدارى الحكومى وترهله، وفساده، وبالتالى يحاولون التماس الحلول فى أقرب نموذج ناجح ومنضبط.

لكن تعالوا نتخيل أن هذا الاقتراح تم تطبيقه على أرض الواقع.. فماذا سيحدث؟.

ستدخل القوات المسلحة وتدير المحليات فى الإسكندرية، وأراضى وزارة الزراعة، وقد تنجح فى هذا الأمر، وقتها سيطالب المواطنون وبعض الإعلاميين بأن تتقدم القوات المسلحة وتدير قطاع الصناعة لأنه يعانى من أخطاء قاتلة ومعظم المصانع مغلقة، وبعده سيطالب البعض بوضع قطاع الاستثمار تحت إشراف الجيش لأنه يعانى من الروتين القاتل.

وفى الوقت نفسه، سيطالب البعض بأن تتقدم القوات المسلحة، لتدير التعليم، لأنه يعانى من أمراض قاتلة، والإشراف على مرفق الصحة، الذى يعانى من اختلالات هيكلية تجعله فى احتياج إلى ثورة فعلية.

وأغلب الظن أنه ستنشأ مطالبات مماثلة فى بقية القطاعات خصوصا الخدمية، فمعظمها مهترئ وشبه منهار، ويحتاج إلى عمليات نسف من الجذور وليس فقط إلى الإصلاح.

فى المقابل علينا أن نقول لأصحاب هذه الاقتراحات بأن الوظيفة الأساسية للقوات المسلحة هى حماية الحدود من أى عدوان خارجى، وأضيفت إليها مهمة أخرى صعبة هى مواجهة الإرهاب والعنف طوال السنوات الثلاث الماضية، وهى مهمة تحملتها بشجاعة وأدتها بكفاءة عالية حتى الآن قياسا بالظروف، ودفعت ثمنا كبيرا من أرواح جنودها وضباطها وبعض قادتها مع الشرطة.

وأغلب الظن أن أعداء مصر والمتربصين بها، يحاولون استنزاف القوات المسلحة فى سيناء وغيرها، وهو ما يتطلب توفير كل الإمكانيات للجيش لمواجهة هذه التحديات، وأن نضمن تركيزه على هذا الهدف بأعلى نسبة ممكنة.

نسينا أن نقول أيضا إن القوات المسلحة، خصوصا الهيئة الهندسية لعبت دورا مهما للغاية خلال العامين الماضيين، وحتى الآن فى إنجاز العديد من المشروعات المدنية، خصوصا الطرق والجسور، كما أن الجيش يتدخل فى أوقات الطوارئ بفعالية كما حدث فى الإسكندرية قبل أيام.
وبعد كل هذه المقدمة الطويلة، فإن هذا الاقتراح، ورغم حسن نوايا أصحابه المؤكدة، فإنه سيؤدى إلى أضرار أكثر من أى مكاسب سيحققها.

أخطر هذه الأضرار أننا لن نجعل القوات المسلحة، تركز فى مهمتها الأساسية والسامية وهى الدفاع عن حماية الوطن وحدوده، ثم إن ذلك سيعنى القضاء عمليا على أى قطاع مدنى وتعطيله عن أداء دوره بعد إصلاحه، وثالثا سيجعل القوات المسلحة تتورط فى مشاكل داخلية معقدة، ليست لها صلة قوية بالضبط والربط، والدليل أن تسعة من رؤساء الأحياء بالإسكندرية من العسكريين، وكذلك بعض المحافظين، وبالتالى فالقضية ليست أن يكون المسئول عسكريا أو مدنيا بل أن يكون كفئا ولديه صلاحيات وإمكانيات أم لا.

على من يطالبون بأن يتدخل الجيش لإدارة كل شىء أن يسترجعوا نفس التجربة فى الستينيات زمن المشير عبدالحكيم عامر الذى ورط الجيش فى الحياة المدنية وكانت النتيجة كارثة 5 يونيو 1967.

الحل الأمثل أن نعالج الخلل في الوزارات المختلفة لتؤدي دورها، وهذا يتحقق ليس بتغيير الأشخاص والهيئات والإشراف، بل بتفعيل أجهزة الرقابة، والأهم بتغيير السياسات التي تعيد إنتاج الفساد. ثم إن كثيرا من هيئات المحليات ووزارة الزراعة تولى مسئوليتهما ضباط، لكن منظومة الفساد كانت أقوى منهم، وبالتالي علينا أن نعالج أصل المشكلة وليس فروعها، وأن نحمي القوات المسلحة من أي اقتراحات ظاهرها الرحمة وباطنها توريط هذه المؤسسة الوطنية في مشاكل لا حصر لها.

تعليقات الفيسبوك