رسم خريطة القوى السياسية في البرلمان: الاستقرار له ثمن

الإثنين 04-01-2016 PM 02:58

من خلال نظرة من الخارج، بعيدا عن الأرقام والتفاصيل، تبدو نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت مؤخرا إيجابية جدا.

فلم يحدث تدخل مباشر من الأجهزة الإدارية أو تلاعب في الأصوات مما ساعد على ترسيخ مباديء النزاهة والشفافية. واختفت مظاهر العنف الانتخابي كما أن ممثلين من 19 حزبا (من إجمالي 103 أحزاب) أصبحوا أعضاء في مجلس النواب ليشغلوا 43 في المئة من إجمالي عدد المقاعد البرلمانية مقابل 57 في المئة للمستقلين.

وبموجب الدستور فإن مجلس النواب يتمتع بسلطات لم يسبق لها مثيل، وتشمل القدرة على سحب الثقة من الحكومة وعلى إجراء تعديلات في مجلس الوزراء وعزل رئيس الوزراء وفرض حالة الطواريء وإعلان الحرب. كما أن من حق مجلس النواب تعديل الميزانية وسحب الثقة من الرئيس وإن كانت الشروط صارمة.

لكن إلى جانب ما سلف ذكره، فلابد من ذكر ظواهر أخرى بعضها مرتبط بمدى شرعية التمثيل البرلماني للقوى الاجتماعية والسياسية لكل المصريين، حيث أن نسبة المشاركة في الانتخابات لم تتعد 28.3 في المئة من إجمالي عدد الناخبين.

وهذا حدث نتيجة أسباب عديدة منها الانقسامات السياسية وحالة الاستقطاب التي يعاني منها المجتمع وغياب العمل السياسي، إلى جانب وجود عيوب في قانون الانتخابات. أتاح كل هذا حضور المال السياسي وارتكاب مخالفات في التغطية الإعلامية والحملات الانتخابية للمرشحين.

والمفارقة أن اللجنة العليا للانتخابات لم تتخذ إجراء ضد كل تلك المخالفات أو المظاهر ولم تحاسب المخالفين والذين أصبح كثير منهم أعضاء في مجلس النواب رغم أن قانون الانتخابات يمنحها الحق في ذلك.

بالتالي فإن الانتخابات بمرحلتيها شهدت مخالفات وشراء أصوات مما جعل مجلس النواب يفتقر إلى عوامل النجاح للقيام بدوره التشريعي والإشرافي. كما أن مواقف أغلبية الأعضاء يحيط بها الغموض فيما يتعلق بالعديد من القضايا لكنهم يبدون تأييدا كاملا للرئيس عبد الفتاح السيسي وسياساته.

وفي هذا السياق فإننا نتحدث عن افتراضين، أولهما أنه مع غياب جماعة الإخوان المسلمين استمر دور الدولة في الانتخابات بينما تغير الشكل والمضمون. أصبح تدخل الدولة ناعما وغير مباشر. حاول عدد من رجال الأعمال الذين لديهم ثروة ويمتلكون قنوات فضائية خاصة وراثة الدور الذي كانت تقوم به جماعة الإخوان مع اختلاف الأهداف. بالتالي أصبح هناك قطبان متنافسان أولهما رجال الأعمال الذين يعارضون الدولة والتدخل العسكري في الاقتصاد والثاني الدور التقليدي والمتجدد بل والمتغير للدولة.

يمكن أن نقول إن الدور غير المباشر لبعض أجهزة الدولة اتضح من خلال تأييد قائمة "في حب مصر" التي ضمت في عضويتها عدداً من رجال الأعمال وأعضاء سابقين في الحزب الوطني ومسؤولين سابقين في الدولة. وحصلت القائمة على كل المقاعد المخصصة للقوائم أي 120 مقعدا بما يعادل 21.6% تقريبا من إجمالي عدد المقاعد البرلمانية.

بالإضافة إلى ذلك فقد شاركت هذه الأجهزة في تأسيس وتأييد حزب "مستقبل وطن" الذي يرأسه شاب عمره 24 عاما. نجح الحزب بمساعدة بعض الأجهزة الأمنية في جعل عشرات الأعضاء السابقين في مجلس الشعب ينضمون للحزب وفي حصوله على تأييد سخي من رجال الأعمال المؤيدين للدولة ودورها في الاقتصاد. حصل الحزب على 51 مقعدا ليكون ثاني أكبر قوة من حيث عدد المقاعد بعد حزب المصريين الأحرار الذي حصل على 65 مقعدا بينما حصل حزب الوفد المؤسس منذ زمن بعيد على 32 مقعدا.

مفارقات "مستقبل وطن"

وحرص حزب مستقبل وطن وقائمة في حب مصر على أن يكون للشباب وللمرأة والمسيحيين تمثيل بطريقة تفوق ما كان يتبعه الحزب الوطني الديمقراطي نتيجة الاختلافات الاجتماعية والسياسية التي حدثت.

ورغم هذا، هناك من يرى أن هذا نوع من تجاهل الواقع، حيث أن أغلبية شباب الحزب ينتمون للعائلات الكبيرة ويضم أبناء رجال الأعمال. والمفارقة هي أن متوسط الأعمار بين أعضاء حزب مستقبل وطن الذي من المفترض أن يمثل الشباب هو الأعلى بين أعضاء مجلس النواب. كما أن الفئات المقربة إلى النظام من المسيحيين والمرأة من بين من لم يشاركوا في ثورة 2011.

بأي حال فإن هناك تقدما ملموسا في السيطرة الناعمة للدولة على الانتخابات البرلمانية ولا يمكن مقارنتها بالتدخل الخشن والتزوير الصريح الذي كان يقوم به الحزب الوطني خلال حكم حسني مبارك حيث اندمج في الدولة واستمد قوته منها باعتباره حزب الدولة.

وبالنسبة للقطب الثاني في الانتخابات فليست هناك أحزاب قوية أو أفكار جذابة ومن الصعب وصفه لأنه مزيج من القوى والشخصيات التي تدافع عن الاقتصاد الحر والحد من دور الدولة إلى جانب بعض الشعارات الليبرالية التي ستتخلى عنها تلك القوى في حالة تعارضها مع مصالحها الاقتصادية أو إذا حصلت على مزايا اقتصادية من الدولة كما كان الحال خلال عهد مبارك.

هذا القطب خاض الانتخابات معتمدا أساسا وبوضوح على المال والإعلام. جمع مرشحين لم تشملهم قائمة "في حب مصر" مما أتاح لهم أشكالا من الدعم تفوق ما يسمح به قانون الانتخابات وهو نصف مليون جنيه لكل مرشح . لم يخفِ مثلا مؤسس حزب المصريين الأحرار نجيب ساويرس دعمه المالي لمرشحي الانتخابات. وأعلن صراحة رفضه لتدخل الدولة في الاقتصاد وقدمت القناة التي يمتلكها دعما غير محدود لمرشحي الحزب بما يخالف تعليمات اللجنة العليا للانتخابات. كما أقدمت القناة التي يمتلكها رجل الأعمال ورئيس حزب الوفد السيد البدوي على الأمر ذاته.

والافتراض الثاني هو وجود علاقة قوية بين توزيع القوى في الانتخابات ودور بعض أجهزة الدولة من ناحية واتجاه متزايد من قوى أخرى يهدف إلى تشكيل الخريطة السياسية بشكل محدد على الناحية أخرى. شكل اللواء سامح سيف اليزل مع مسؤولين آخرين قائمة "في حب مصر" التي ضمت ممثلين من كل الأحزاب وعددا من الشخصيات العامة ومسؤولي الحكومة والضباط السابقين في الجيش والشرطة.

وبعد انتهاء الانتخابات أعلن سيف اليزل مبادرة لتشكيل "تحالف دعم الدولة المصرية" الذي نُظر له على أنه محاولة لضم أكبر عدد ممكن من الأعضاء المستقلين في البرلمان (57 في المئة من الأعضاء) لتشكيل كتلة تمثل أغلبية في مجلس النواب لتدعم الرئيس.

ورغم معارضة حزب المصريين الأحرار وبعض الأحزاب الأخرى فإن كل المؤشرات تظهر أن "تحالف دعم الدولة المصرية" من المرجح أن يتمتع بأغلبية كافية في البرلمان.

تعارض بعض الأحزاب فكرة مثل هذا التحالف وترفض افتراض أن معارضة الحكومة تعني العداء تجاه الدولة. وطرحت الأحزاب أفكارا بديلة لتكوين الكتل أو التحالفات داخل البرلمان لتحقيق أهداف أخرى مثل محاربة الإرهاب أو دعم التنمية.

وفي تقديري فإن سيف اليزل سينجح في الحصول على أغلبية برلمانية بغض النظر عن السمات العامة أو الأهداف المذكورة لهذه الكتلة. ومن ناحية أخرى فسوف تتشكل كتلة أو ائتلاف لأقلية فعالة من الأعضاء تدعو إلى الاقتصاد الحر ومرتبطة بعدد من رجال الأعمال. وسيمثل هذا معارضة "مستأنسة" للحكومة، وذلك لأن نجيب ساويرس أعلن أنه سيؤيد الرئيس حتى وإن ارتكب أخطاء لأن البلاد تحارب الإرهاب وفي مرحلة اقتصادية حرجة.

ويجري تشكيل ائتلاف أو كتلة ثالثة تحت اسم "تنسيق العدالة الاجتماعية" الذي يضم بعض اليساريين والناصريين وأعضاء منتمين إلى التيار الليبرالي الاجتماعي. وبغض النظر عن اسم الكتلة فإن وجودها سيضمن وجودا رمزيا للثورة وأنصار العدالة الاجتماعية في مواجهة "تحالف دعم الدولة المصرية" وكتلة رجال الأعمال.

وأخيرا، أعتقد أن مجلس النواب ربما يشهد تكون تحالفات أو تكتلات أخرى. ومن الصعب توقع العلاقات بين هذه التحالفات أو الائتلافات لأنه من المرجح أنها ستظل غير مستقرة وتتبنى مواقف طبقا لكل قضية أو قانون يقدم أمام مجلس النواب.

وبصفة عامة فإن إدارة الانتخابات والأداء البرلماني بهذه الطريقة لا تساعد في عملية التحول الديمقراطي لكنها ربما تضمن الاستقرار والسرعة في التشريع وهو ما تحتاج إليه مصرفي عدد من المجالات.

لكن تظل هناك أسئلة عن محتوى مثل هذه القوانين وتوجهاتها وعن الدور الإشرافي لمجلس النواب في ضوء ضعف الأحزاب وضيق مجال المشاركة المجتمعية والأهم من ذلك الاقتصاد المتداعي والبطالة المستشرية وارتفاع الأسعار.

المقال منشور على موقع الإهرام أونلاين بتاريخ 31 ديسمبر 2015

تعليقات الفيسبوك